Saturday 19th February,200511832العددالسبت 10 ,محرم 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

ثمانون حالة اغتيال قيادات سياسية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.. و25% منها في الوطن العربيثمانون حالة اغتيال قيادات سياسية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.. و25% منها في الوطن العربي
غاب الحريري.. ولكن يجب أن يبقى لبنان..
د. علي بن شويل القرني

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شهد العالم أكثر من أربعمائة محاولة اغتيال، بينها أكثر من ثمانين حالة اغتيال تمت فعلاً لرؤساء دول في العالم، ونحن نعلم أن الهدف من هذه الاغتيالات هو محاولة إحداث تغيير سياسي في مجرى الأحداث الداخلية أو الخارجية لتلك المجتمعات.. ومن بين هذه الاغتيالات التي تمت لرؤساء دول في العالم حوالي خمسة وعشرين في المائة منها وقعت في محيط الوطن العربي، وأكثر حالات الاغتيال كانت في العراق وسوريا ولبنان واليمن.. ووصلت نسبة الاغتيالات للقادة السياسيين في منطقة الشرق الأوسط عامة (بما فيها إيران والباكستان والهند وبنجلادش)، حوالي خمسة وأربعين في المائة من مجمل الاغتيالات العالمية.. أما على مستوى الزمن، فقد شهد عقد السبعينيات أكثر حالات الاغتيالات السياسية في العالم، حيث وصلت في هذا العقد الزمني وحده أكثر من ثلاثين في المائة من حالات الاغتيالات منذ الحرب العالمية الثانية، ويليه في العقود الزمنية عقد الستينيات، حيث وقعت في هذه الفترة حوالي عشرين في المائة.. ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الانقلابات السياسية ليست مشمولة في هذه الأرقام والنسب.. فماذا تعني هذه الأرقام، خاصة لمنطقة الشرق الأوسط؟إن المراقب سيجد أن هذه الاغتيالات الكثيرة في منطقة الشرق الأوسط تعكس حالة من عدم الاستقرار السياسي، ومحاولات أفراد أو مجموعات لاستخدام العنف لإحداث التأثير السياسي أو التغيير الاجتماعي في مجتمعات هذه الدول.. وتترجم هذه الأرقام النزعة إلى العنف التي تتسم بها هذه المنطقة.. وتبني الفكر الإزاحي كحل للمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ما شهدناه يوم الاثنين الماضي لرئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يجسد حالة أخرى من العنف السياسي، والذي يحاول أن يفرض أجندته على الوضع الداخلي والخارجي في منطقة الشرق الأوسط.. إن محاولة إزاحة الحريري وما يمثله من تاريخ فاعل في الحياة السياسية للمجتمع اللبناني من الساحة السياسية اللبنانية يهدف إلى التأثير على مجريات الشأن اللبناني، وخلط الأوراق الداخلية بأوراق إقليمية من أجل نثر أوراق جديدة من شأنها أن تعيد موروث الحرب الأهلية التي تفجرت في لبنان منتصف السبعينيات الميلادية.. ويعد السيد رفيق الحريري شخصية لبنانية مثلت وجهاً حضارياً للبنان ما بعد الحرب الأهلية.. وأراد العنف أن يفرق وحدة الصف، ويشتت جهود الوفاق، ويلغي مساحة الاستقرار والحرية التي عاشها اللبنانيون خلال العقدين الماضيين.. هذا الحادث المخطط له بإتقان وجرأة يريد أن يعيد لبنان إلى المربع رقم واحد، وهي مرحلة ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية..
إن اغتيال رفيق الحريري هو بمثابة قفزة في الهاوية لكل الأطياف والجماعات والأحزاب السياسية والدينية وللمؤسسات السياسية إذا لم يتم التعقل في ردود الأفعال، فما شاهدنا من ردود فعل كانت في مجملها عاطفية ومتشنجة وغير مدروسة.. وهذه مرحلة خطرة جداً ربما تجرف بالأحداث إلى نهايات غير محمودة، ونتائج غير متوقعة.. إننا في المملكة العربية السعودية بل في العالم العربي ننظر إلى لبنان بلداً ثانياً لكل العرب.. وهذا الشعور هو إحساس تولد لدينا جميعاً، حتى ولو لم يحضر أو يزر أحدنا الأرض اللبنانية.. لأننا نشعر بارتياح عام وعلاقات طيبة ومشاعر نبيلة من قبل كل اللبنانين تجاه كل العرب.. كل الخليجيين.. كل السعوديين.. ولهذا فإن اللحظة التي يعيشها اللبنانيون الآن هي لحظات حاسمة في تاريخهم السياسي.. وينبغي عليهم الحرص على عدم المبالغة في ردود الفعل، وعدم الانجراف وراء فرضيات بعيدة، وعدم إصدار أحكام عامة جداً دون التعقل في مضامينها..نخشى أن تكون النفسيات التي يعيشها اللبنانيون في الوقت الراهن هي نفس النفسيات التي كانت قبل حوالي ثلاثين عاماً، وهي نفسيات ولدت عداءات كبيرة واقتتلات عنيفة وقلبت أوضاعهم المستقرة في حينها رأساً على عقب، وبذرت روحاً تتسم بالقتل والتدمير، وأتت هذه الحرب على كل الإيجابيات التي كانت موجودة، والإنجازات التي كانت متحققة. لبنان اليوم في منتصف هذا العقد قد يكون هو لبنان منتصف عقد السبعينيات.. ونخشى أن تتوالى الأحداث الحالية لتفرز أحداثاً مشابهة لتلك التي أفرزتها حربهم الأهلية.. ونحن السعوديين والعرب نناشد حكماء لبنان أن يقفوا وقفة وطن، قبل أي وقفة حزبية، وأن يقفوا وقفة عقل قبل أن يقفوا وقفة عاطفة.. لينظروا إلى هذه الأحداث بمنظار متعقل، وبميزان مدروس.. قبل فوات الفوت، وقبل ذهاب الصوت..غاب رفيق الحريري، ولكن يجب أن يبقى لبنان.. يبقى لبنان متماسكاً، صلباً.. متماسكاً في الداخل وصلباً أمام التيارات الخارجية.. نعلم أن لبنان اليوم يعيش أزمة حقيقية وكبيرة، فقد تكون هذه الحادثة في بداية الشرارة التي تنطلق لتحرق من حولها.. وهذا ما لا نأمله أبداً.. فقد حقق لبنان خلال مرحلة ما بعد الحرب الأهلية قفزات كبيرة من النجاحات السياسية، والإنجازات الاقتصادية، والاستقرار الاجتماعي، والأوضاع النفسية التي يعيشها أبناؤه في الداخل والخارج.. وهذا ما نريده أن يستمر بإذن الله.. ولكن تبقى مسألة أخرى مهمة، وهي التحرك العربي والدولي السريع لاحتواء هذه الأزمة، وتنفيسها وفق مخرجات قانونية، وإجراءات جنائية تطمئن أهل الفقيد وأهل لبنان، والعرب جميعاً..

رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved