مثلما يؤكد العديد من المحللين السياسيين فإن مجرد التفكير في دور سوري في عملية اغتيال المرحوم رفيق الحريري، يُعد جهلاً سياسياً وخروجاً على أصول التحليل العلمي نظراً للظروف الدولية الحالية؛ لأن تورّط دمشق في عملية إرهابية من هذا النوع - تطول شخصية دولية بارزة أكثر ممّا هي شخصية لبنانية قيادية - سيفتح النار على سورية، ويعيد تركيز الاهتمام الدولي المتجدّد في الساحة اللبنانية، ويسرع المطالبة بإخراج القوات السورية من لبنان. كما أن تواطؤ أو مشاركة السلطة اللبنانية في عملية من هذا النوع لا يخدمها على المديين القريب والبعيد، فإضافة إلى ما ستفرزه العملية الإرهابية من ضعضعة للاستقرار في لبنان، فإنها ستفتح الباب على مصراعيه للتدخل الدولي في الشئون الداخلية، وتفرض على بيروت فرضاً تطبيق بنود 1959، بل ستضاف بنود أخرى من خلال قرارات إضافية قد تصل إلى حدّ نزع شرعية السلطة، وهناك سوابق دولية شبيهة أجبر بعدها رؤساء دول وحكومات على التنحّي، بل وصل بعضهم إلى السجون..! وهكذا فإن الانطباع الأولي يظهر أن المصلحة الآنية لسورية والسلطة اللبنانية تتعارض مع الإقدام على ارتكاب مثل هذه الجريمة الإرهابية، بل وحتى السماح بتنفيذها، إلا أن ذلك لم يمنع أصحاب الاتجاه التحليلي من حصر التهمة في سورية وتواطؤ السلطة اللبنانية وفق مسوغات يدعمون بها تحليلهم، منها الانفعال والاندفاع الأحمق من بعض رجال السلطة اللبنانية مثل رئيس الحكومة ووزير الداخلية اللبنانية كمحرضين ومهدّدين للحريري وهو ما دفع رجال المخابرات السورية في لبنان إلى السير في طريق استنتاج مخابراتي خاطئ..!! كيف..؟ في البداية لا بد من الإقرار بأن التصريحات العلنية لعمر كرامي وسليمان فرنجية التي سبقت عملية الاغتيال بيومين أو ثلاثة والتي حملت تهديدات مباشرة وتخويناً للشهيد الحريري قد تشكل مبرراً لا يمكن إغفاله لاتهام السلطة اللبنانية كمحرضة على ارتكاب الجريمة، فالأول يشغل منصب رئيس الحكومة الذي انحدر في استعماله إلى لغة لا يمكن أن يستعملها السياسيون بقوله ما معناه موجهاً تهديداً مباشراً للمرحوم رفيق الحريري: (أنفرجيه.. شو نعمل..؟!). هذا القول سواء نفذ أم لم ينفذ فإنه لا يمكن إسقاطه عن ذاكرة السامع لهذا التهديد، سواء كان لبنانياً أو عربياً، وحتى المراقب الذي لا ينتمي إلى هاتين الهويتين. أما وزير الداخلية سليمان فرنجية فهو الآخر كان يهدد الحريري قبل العملية بيومين ويوجه تهم الخيانة؛ مما جعل الكثير من المراقبين يعدون ذلك تحريضاً وتهديداً لتخويف الرمز اللبناني الكبير وفرض السكوت أو إسكاته إلى الأبد. تصريحات من مثل هذا النوع هي بلا شك دون مستوى الخطاب السياسي العقلاني والواقعي، وتدفع الأجهزة الاستخباراتية (الأمنية) التي يتهمها الكثير من ساسة المعارضة اللبنانية بأنها هي التي تدير لبنان.. إلى ترجمة رغبة وتهديدات (واجهة السلطة) من رئيس الحكومة ووزيره المسئول عن إقرار الأمن. وهنا يقدم أصحاب هذا التوجه من التحليل الفهم الاستخباراتي لما يمكن أن تحققه جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري فهي إضافة إلى التخلص من أقوى شخصية معارضة، والقادرة أكثر من غيرها على حشد التأييد الاقليمي العربي والدولي لصالح إنهاء الوجود السوري في لبنان، إضافة إلى توقع اكتساحه هو وقوائمه في بيروت والمناطق الأخرى للانتخابات المقبلة؛ مما يشكل قوة شعبية مترجمة إلى قوة في البرلمان تعيد التوازن بل وقد تطيح بالرئيس الممدّد له. وهكذا تحركت الأجهزة الاستخباراتية والأمنية للتخلص من الحريري، لخلق واقع جديد تختلط فيه الأوراق، وتتطلب إعادة فرزها وترتيبها لاعباً جيداً لا يتوافر حالياً سوى سورية.. وهو دور - كما يقول أصحاب هذا التحليل - تجيده وسبق أن قامت به أثناء الحرب الأهلية اللبنانية..!! كيف يتم هذا، وما هي مسوغات أصحاب هذا الاتجاه في التحليل؟.. غداً نواصل.
|