قرأت لأستاذنا محمد صلاح الدين في زاويته اليومية، يوم الإثنين 28-12- 1425هـ، كلمة عنوانها: (النقد: بين الحرية والمسؤولية).. ومع موافقتي على مسؤولية الكلمة، لاسيما بعد أن تصدر عن صاحبها، إلا أن ثمة جانباً آخر مسؤولاً بجانب الكاتب، وهو مسؤولية الناشر، وأعني الذي يجيز النشر في الصحف، لأنه يمثل مركز الانضباط، ذلك أن أنماطاً من الكاتبين في حاجة إلى مطالعة مايكتبون قبل النشر، درءاً للانفلات والتجاوز، وهذا لا يدخل في إطار ما يسمى بالحرية، لأن الحرية بمفهومها الدقيق تعني الانضباط، وإلا أصبحت فوضى.. وإني أؤكد أن أكثر صحفنا المحلية تمارس هذا الانضباط والالتزام! * ورأيت في كلمة الأستاذ صلاح إطلاق التنبيه لعامة الكاتبين بمراعاة (الضوابط).. وكاتبنا يدرك، وهو يمارس ومازال يمارس الكتابة ويرقب عن كثب، أن تلك الدعوة إلى الالتزام والانضباط وعدم التجاوز، لا تكون لأمثال كاتبنا، وبالتالي لا تكون لآخرين يدركون مسؤولية قيمة الكلمة وتأثيرها، وإنما ذلك الكلام الجيد، يوجه أولاً لأجهزة النشر ولممارسي الكتابة من المبتدئين والمندفعين.. والانضباط لا يكسر قاعدة الحرية، وإنما هو التزام مؤكد، دفعاًَ للوقوع في التجاوزات والمحاذير.. وأنا أعذر أخي أبا عمرو، كاتب العمود اليومي، لأن السرعة قد تؤدي إلى تعميمات لا يريدها الكاتب، فأنا لا أستطيع أن أدعو إلى انضباط كاتب متمرس ملتزم مثل الأستاذ صلاح، وهو لا يقدم على توجيه هذا اللوم إليَّ وأمثالي من الكتاب الملتزمين الذين يعرفون ويدركون حدودهم، مع اعترافي بجموح القلم واندفاعه في مواقف شتى! *وقرأت كلام المهندس عبدالله المعلمي في تعليقه على النقد الذي تمارسه الصحافة، وهو كلام منطقي جميل ومتميز.. غير أني أستأذن أخي المعلمي في كلمة تتعلق بالنقد الموضوعي، وقد يشتط أحياناً إذا لم يصلح ما يطالب به كاتب أو كتاب، وأضرب مثلين في شوارع (جدة) وأنا أدرك غيرة وحرص الأمين من واقع مسؤوليته وأمانته! * يكتب أحدنا عن (نابشات) براميل القمامة -ليلاً ونهاراً- ويرجو ويطلب من الأمانة وجهازها وفروعها القضاء على هذه الظاهرة السلبية، وما يكاد حبر الكلمة يجف حتى يأتيه الرد من -علاقات الأمانة- بأن المتابعة والعمل جاريان بحرص واهتمام... إلخ.. غير أن الواقع خلاف ما يأتي به رد إدارة العلاقات.. ومعالجة هذه القضية ليس عسيراً لو ركز عليها بالمتابعة خارج أوقات الدوام بموظفين من الأمانة وبالتعاون مع دوريات الشرطة، لأن تلك الممارسة تسيء إلى النظافة، لاسيما بإفراغ محتوى براميل القمامة في الأرض، حيث إن ممارسات هذا العمل يأتين بأطفال معهن يدخلون في البراميل ليستخرجوا مافيها، وتأخذ النابشات ما يردن، فهل هذا العمل الهين عسير؟ أسأل معالي الأمين والأستاذ محمد صلاح الدين! * الحال الأخرى، نزف البيارات وأمواه ويكون بعضها نظيفاً في شوارع العروس، وثم أمر من إمارة المنطقة طلب تنفيذه من صفر 1425هـ بالجزاء، إلى حد قطع الماء والكهرباء عن المتسببين في ذلك، لأنه يسبب قذارة وإتلاف طبقة الأسفلت، وكل ذلك خسائر وإساءة للبلد، ولكن هذا الجانب مازال مسكوتاً عنه، أو لم يعالج بجدية توازي سرعة ردود إدارة العلاقات في أمانة جدة.. ومعالي الأمين وكاتبنا أبو عمرو يدركان قول من لاينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم-: (لا قول إلا بعمل). * وأنا أريد بكتاباتي كما يريد المخلصون التذكير فقط، إذ لسنا مراقبين ومتعقبين.. ولعلي أشير إلى غذاء الناس مما تحفل به المطاعم، إلى أي حد عليها رقابة تشمل النظافة وجودة ما يقدم.. وكذلك ما يذبح من بهيمة الأنعام بعيداً عن المراقبة الصحية، ما شأنه.. والحال نفسها ما تغص به المخازن التجارية من أغذية، شيء انتهت صلاحياته وأشياء تلفت، وأرى أحياناً، أن مسؤولي الأمانة وفرعها صادفوا سلعاً تالفة فصودرت، والذي لم يُرَ أكثر من الكثير.. وما قدرة وإمكانات الرقابة عليها في مدينة كبيرة واسعة وعاجة بما فيها وما نقدم؟ * ولعل من حسن حظ الأمانة، أن جهات رسمية عدة تشاطرها هموم مدينة كبيرة مثل جدة، لاسيما فرع وزارة التجارة، ومؤسسات أخرى تمارس مسؤولياتها بعيداً عن الأمانة.. غير أن الأمور إذا لم تحكمها دقة ورقابة صارمة تسيحت، وضاعت المسؤولية المشتركة.. معذرة فلست أريد مقولة المتنبي: أرق على أرق، ولا أن أثقل على معالي الأمين، وإنما دوري وأمثالي مذكرين، أعان الله المسؤولين لاسيما العاملين!
|