Saturday 19th February,200511832العددالسبت 10 ,محرم 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

وداعاً رفيق الحريري!!وداعاً رفيق الحريري!!
ناهد بنت أنور التادفي

يوماً بعد يوم تزداد الهوة اتساعاً بين المعتدلين والمتطلعين إلى بناء بلادهم وتعميرها والإبقاء على توجهها الحضاري الإنساني، وبين المتطرفين الإرهابيين الذين يمارسون دون وازع من ضمير، ودون أدنى حسن إنساني، أبشع صنوف القتل والتخريب. وتثبت الأحداث المتسارعة أنه لا جسور تواصل بين التيارين، ولا خيوط اتصال، ولا فائدة من الحوار مع أمثال هؤلاء القتلة، الذين لا يفهمون غير لغة الحقد والكراهية.إن استهداف رجل سياسي كالرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي قدم لبلده وأمته الكثير، وكان في كل مواقفه السياسية والاجتماعية والإنسانية يمثل على الدوام الوجه الوطني المعتدل الحريص على أمن بلده، وتبوأ أرفع المناصب في أوقات الأزمات التي عصفت ببلده، فكان الربان الرشيد، والقائد الحكيم الذي قاد سفينة بلده إلى شاطئ الأمن والأمان.نسأل الله العزيز أن يرحم شهيدنا الغالي الذي قضى مؤخراً عند خروجه من مبنى البرلمان قاصداً العودة إلى بيته آمناً مطمئناً لتفاجئه ذئاب الإرهاب الحاقدة، بتفخيخ سيارة محملة بمئات الكيلوجرامات من المتفجرات، عملوا على تفجيرها وسط المدينة، وفي مكان تعوّد الازدحام بالناس الأبرياء، مما أدى إلى استشهاد الرئيس الحريري والكثير من الأبرياء، ناهيك عن حجم مرعب من الأضرار المادية والمعنوية.وعندما يصل الأمر بالإرهابيين إلى استهداف شخص مدني كالرئيس الحريري، وهو صاحب الأيادي البيضاء التي ساهمت في وقف نزيف الحرب الأهلية التي طحنت لبنان لأعوام، ودمرت بناه التحتية، وعمقت الفجوة بين الطوائف ليشارك الرئيس الحريري في العام 1982 بوقف النزيف المجنون، وكان له الدور الأثير في إعلان اتفاق الطائف في حينه.ليتنكب بعدها وبمسؤولية وطنية عالية إعادة بناء لبنان، ودعم اقتصاده، وتكريس سيادته الوطنية، والعودة به من خلال علاقاته الطيبة مع رؤساء دول العالم العربي والدولي إلى حظيرة العالم المتحضر.وكان للشهيد دور كبير في تأمين حياة كريمة للمئات من الأسر اللبنانية التي فقدت معيليها، فأقام المشاريع الاستثمارية، وبنى المدارس، وتبنى الأيتام والأرامل، ومد جسور المحبة بين اللبنانيين بعضهم مع بعضه، وبين اللبنانيين ومحيطهم العربي والعالمي، وكان الوجه النظيف الذي مثل بلاده خير تمثيل في كل المحافل الدولية، فاستحق احترام الجميع بلا استثناء، إلا تلك الطغمة الحاقدة المتعطشة لسفك الدماء والتخريب.إن استهداف شخصية مثالية كالشيخ رفيق الحريري يجب أن يجعلنا نبحث أول ما نبحث عن الجهة التي يمكن أن تفاد من هذه الجريمة، وبسهولة ويسر سنجد تلك الجهة التي تسعى على الدوام لبث الفرقة، وخلط الأوراق وزعزعة الوضع الأمني في كل مكان، وإذكاء نار التعصب الطائفي، وإشعال سعير حروب أهلية كلها من أجل تفكيك اللحمة الوطنية والقومية لتمرير مخططاتهم المشبوهة والحاقدة.وفي هذا الوقت العصيب، فإننا نحتاج أكثر ما نحتاج إلى اللجوء إلى العقل والحكمة، ومحاولة التفكير بعقلانية قبل أن نلقي بالاتهامات جزافاً على هذا الجانب أو ذاك وتحميلهم مسؤولية استهداف الحريري.وهي دعوة مخلصة إلى الركون للعقل، وعدم الالتفات إلى غوص الغواصين الانفعاليين في تفسيراتهم وتوقعاتهم وحدسهم واستعجالهم في طرح نتائج لن تكون عادلة، ولن تفيد إلا بمساعدة الإرهابيين على تمرير مخططاتهم الخبيثة.وهي دعوة ملحة لممارسة الصبر، وتكثيف الجهد للكشف السريع عن ملابسات الحادث وتحديد الجهة أو الجهات المسؤولة عنه.إن أي عاقل، لن يصدق بأن أي فرد أو مجموعة تملك حداً أدنى من المشاعر الإنسانية والوطنية يمكن أن تفكر أو تجرؤ على تنفيذ عمل مشين كهذا، والذين خططوا ونفذوا يدركون بأن هذا العمل سيترك آثاراً خطيرة ليس على الشهيد الحريري وأسرته ومحبيه ووطنه فقط، بل وعلى العشرات، بل والمئات الأبرياء الذين نالهم شر الاستهداف سواء بالقتل أو الإصابة، إضافة إلى حجم الخسائر المادية وآثارها بعيدة المدى.ومن قاموا بالتخطيط وتنفيذ هذه الجريمة لا بد أن يكونوا من فصيلة لا تنتمي إلى الجنس البشري.وهذا يستدعي من الجميع أخذ أقصى أسباب الحذر والحيطة، والوقوف صفاً متراصاً لمحاربة ظاهرة الإرهاب الآخذة بالاتساع، والبحث عن أسبابها، واجتثاثها من الجذور.نعزي أنفسنا أولاً، وأسرة الفقيد ولبنان بكل طوائفه ومؤسساته وتجمعاته، والعرب والعالم بفقد رجل من خيرة الرجال سياسياً نبيلاً ووطنياً مخلصاً وشخصية جديرة بالتقدير والاحترام، وإنساناً استطاع بحكمته وشجاعته وكرمه أن يترك بصمة مشرفة في قلوب الناس، وعلى صدر التاريخ ونسأل الله سبحانه أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه جنات الفردوس نزلاً.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved