Sunday 20th February,200511833العددالأحد 11 ,محرم 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

يا صاحب (الوِكاد).. دعك من العناد!يا صاحب (الوِكاد).. دعك من العناد!

قرأتُ رد الأستاذ محمد بن ناصر الأسمري على مقالي (الشعراء والمرشحون)، ذلك الرد الذي نُشر في عدد يوم الأحد الموافق 4 من المحرم الجاري، فسعدت كثيراً لكون مقالي قد وجد تجاوباً من أحد المرشحين، واستبشرت بقيام حوارٍ فكريٍّ وثقافيٍّ على صفحات الجزيرة حول الموضوع الذي طرحته، ولكنني فوجئت بكاتب المقالة - صاحب الملامح الهادئة والقسمات الوديعة- يندفع في كيل الاتهامات وإلصاقها بي دون أن يناقش الأفكار التي طرحتها مناقشة علمية هادئة، حيث شكك في انتمائي إلى الوطن وولائي له، زاعماً أنني أريد تشويه صورة الانتخابات البلدية المشرقة، كما قدح في أمانتي العلمية، وتعجب من أن يؤتمن مثلي على تدريس الطلاب الجامعيين، وهمَّش الجامعة التي أنتمي إليها!.. كل تلك الدعاوى والاتهامات لا لشيء إلا لكوني قد اختلفت معه فكرياً، فعلمتُ - إذ ذاك - أن الأمر قد أصبح انتصاراً للذات أكثر من كونه بحثاً عن الحقيقة، كما أيقنتُ أن قسوة نتيجة الانتخابات البلدية عليه بعدم فوزه بمقعد في المجلس البلدي قد كان الدافع الرئيس إلى ذلك الهجوم المتجرد من أبجديات أدب الحوار والاختلاف - وهو صاحب المؤهلات العليا في الإعلام وأشياء أخرى!- فكان الأجدر به بدلاً من كتابة ذلك الرد أن يلحق بركاب الطاعنين في نتائج الانتخابات البلدية!.
ترددت كثيراً في الرد على ما قاله الأستاذ الأسمري خشية تحول الحوار إلى مماحكات وجدال عقيم لا طائل تحته، ولافتقار مقالته إلى العلمية التي يمكن أن تكون منطلقاً للحوار والنقاش، بيد أن الأمانة العلمية أوجبت عليَّ التوقف عند أخطاء وردت في مقالته لا تقل فداحة عن خطئه في صياغة شعاره الانتخابي.
إن من يقرأ عنوان مقالة الأستاذ الأسمري (دفاعاً عن شعارات المرشحين...) يعتقد أنه قد نصب نفسه متحدثاً رسمياً باسم المرشحين، ومحامياً يريد الدفاع عن شعاراتهم الانتخابية، بيد أن ذلك الاعتقاد النبيل سرعان ما يزول حينما يكتشف القارئ أن الاستاذ الأسمري قد كان شغله الشاغل هو الدفاع عن شعاره الانتخابي فحسب، وإثبات فصاحته بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، حتى لو اضطُر إلى تأليف معجم لغوي جديد يتضمن استعمال قبيلة من قبائل العرب العاربة أو المستعربة لكلمة (الوَكاد) بفتح الواو لا بكسرها، ولم يلتفت إلى الشعارات الانتخابية الأخرى إلا بتمتمات عامة لا تمثل فكراً واضحاً يستحق الرد أو المناقشة.
لعل صاحب المؤهلات العليا يعتقد أن الرد على مقال من المقالات لا بد من أن يكون مماثلاً لحجم المقال المردود عليه، بغض النظر عن طريقة العرض والمناقشة والإقناع والتحليل، مما دفعه إلى تكرار الألفاظ والأفكار والمعاني بطريقة سطحية، والإكثار من النقول الطويلة التي جعلته يستشهد ببيت يخدش الحياء، ويتنافى مع الذوق السليم، وأعني بذلك بيت الطرماح بن حكيم الذي تضمن لفظ (الزنا) ولعل هذا الأمر يعكس ضعف بضاعته في اللغة والشعر، مما جعله ينقل بيتاً شعرياً دون أن يفهم مضمونه.
ويبدو أن الأستاذ الأسمري لم يدرس في (أمريكا) - التي يحصل على مؤهلاته العليا منها- منهج الاقتصار على ذكر المهم عند الاستشهاد أو الاستدلال، إذ لا يُلزم الكاتب والباحث حينما يستشهد بنص من النصوص على فكرة يناقشها أن يورد ذلك النص كاملاً، بل الواجب عليه هو الاقتصار على إيراد الموضع الذي يعالج فكرته من ذلك النص، ولو أن الأسمري أدرك ذلك جيداً لأمكنه حذف نصف مقالته دون أن تختل الفكرة التي أراد أن يعبر عنها، وإن لم تحمل مقالته فكرة ذات بال وخطر.
ومن سوء حظ الأسمري أن إطالته في الرد قد شكلت مرتعاً خصباً للأخطاء والعثرات، وهي أكثر من أن تُحصى، فصياغته اللغوية لمعظم العبارات والجمل قد كانت ركيكة جداً، حتى إنك قد تنتهي من قراءة بعض تلك الجمل دون أن تدرك ما يريد صاحب المؤهلات العليا أن يعبر عنه، إلا إذا اعتمدت منهج الحدس والظن في فهم ما يرمي إليه، ومن تلك الجمل قوله: (بل حتى من وعد بتحويل جنوب الرياض لتنافس دبي فقد كان شعاراً خارج المألوف من التفكير الأحادي المنغلق وهذا تفكير إبداعي)!!، ولا أدري هل عمد الأستاذ الأسمري إلى أسلوب الألغاز والأحاجي في صياغة هذه الجملة؟!... الحقيقة أنني لم أفهم شيئاً من هذه الجملة حتى عندما اعتمدت منهج الحدس والظن في القراءة، فكيف يكون التفكير أحادياً منغلقاً ثم ينقلب - بقدرة قادر- إلى تفكير إبداعي؟!.
أما الأخطاء اللغوية التي وقع فيها صاحب المؤهلات العليا فحدث عنها ولا حرج، إذ تتوالى تلك الأخطاء ابتداءً من عنوانه (الوَكاد عربية فصحى...) والصواب أن يقول: عربية فصيحة - والكلمة أبعد ما تكون عن الفصاحة!- ؛ لأن استخدامه صيغة التفضيل (فُعْلى) توحي بوجود مستويين للغة من حيث الفصاحة، لغة فصيحة ولغة فصحى (أي أكثر من السابقة فصاحة)، والذي أعلمه علماً يقيناً هو إما أن تكون الكلمة فصيحة أو أن تكون عامية، أما إذا كان في لغة الأسمري غير هذين المستويين فليأتِ ببرهانه ونكون له من الشاكرين.
جاء في مقال الأستاذ الأسمري ما نصه (لم يتخط إلى عالم الخيال)، والصواب أن يقول: لم يتخط عالَم الخيال؛ إذ أذكّره بحديث الجمعة المشهور أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس...، ولم يقل: يتخطى إلى رقاب الناس، ولكن يبدو أن صاحب المؤهلات العليا لا يفرق بين الأفعال اللازمة والأفعال المتعدية!.
ثم في موضع آخر من مقاله يقول: (ولعل هذا خلل معيب أن يأتي من محاضر في كلية لغة عربية لا يفرق في زمن الأفعال)، فعلى الرغم من رداءة أسلوبه في صياغة هذه الجملة وضعف سبكها، إلا أنه قد كان يمكنه التقليل من تلك الرداءة ومن ذلك الضعف باستخدام (بين) بدل (في) لتصبح الجملة (لا يفرق بين زمن الأفعال)، فقد قال الشاعر:


نظرت فاحترقت أحشاي من نظري
فمن ألوم وقد أحرقتها بيدي
الشوق يجمعني والهم في قَرَنٍ
جمعاً يفرق بين الروح والجسد

ولعل الأسمري لا يعرف - أيضاً - أن صيغ الأفعال تتناوب في الدلالة على الأزمنة، فقد تأتي صيغة الفعل المضارع - مثلاً - للدلالة على الزمن الماضي، ومن ذلك قول الشاعر الذي أتمنى من الأستاذ الاسمري أن يصغي إليه جيداً:
ولقد أمرُّ على اللئيم يسبني
فمضيتُ، ثُمَّتَ قلت: لا يَعنيني
فعلى الرغم من أن الفعل (أمرُّ) هو فعل مضارع في صياغته، إلا أنه يدل على الزمن الماضي؛ لأن معنى البيت: ولقد مررت على اللئيم الذي سبني فمضيتُ...!، ولعل صاحب المؤهلات العليا يستفيد من هذه الدروس اللغوية فيما تبقى له من سني حياته في الكتابة والنشر والإعلام.
وأعجب أشد العجب حينما يجرؤ الأستاذ الأسمري على تقديم بعض الاقتراحات اللغوية التي تتعلق بالصياغة والأسلوب على الرغم من ضعف أسلوبه وركاكته، وأترك الحكم فيها للقارئ ذي الذوق السليم، يقول الأستاذ الأسمري: (فلو استخدم كلمة إقناع بدلاً من اقتحام)، والعبارة التي يشير إليها الأسمري هي قولي: (وتثير فيه عدداً من التساؤلات المهمة التي تدفعه إلى اقتحام المقر الانتخابي، والتفاعل مع هذا المرشح أو ذاك)... فيا صاحب المؤهلات العليا هل يصح أن أقول: إقناع المقر الانتخابي بدلاً من اقتحام المقر الانتخابي؟!!.
وبعد إيراد هذه الأخطاء اللغوية والهنات الأسلوبية التي تعد غيضاً من فيض، وقليلاً من كثير، هل يجدر بي أن أدافع عن أسلوبي وصياغتي وقد انتُقدتُ من شخص يجهل كثيراً من قواعد اللغة العربية وأصول الكتابة السليمة؟!.. لا أقول إلا سامح الله الأسمري الذي أتعب المصححين في جريدة الجزيرة وأرهقهم ليخلصوا مقاله من الأخطاء النحوية والإملائية والأسلوبية.
لقد انتهت الانتخابات البلدية ولم يَجُلْ في خاطري أن أياً من المرشحين يجهل أسماء الجامعات السعودية وما تضمه بين أسوارها من كليات، وإذا بي أفاجأ بالمرشح البلدي الأستاذ الأسمري يتساءل في مقالته عن الجامعة التي تنتمي إليها كلية اللغة العربية بالرياض!، ومن العجب أن يجهل صاحب المؤهلات العليا كلية من أعرق الكليات في المملكة العربية السعودية وهي كلية اللغة العربية بالرياض التي أُنشئت عام 1374هـ، أي قبل أكثر من خمسين عاماً، وهي ضمن كليات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حالياً، ولعل الأستاذ الأسمري يعتقد أن جامعة الملك سعود تضم كلية بالمسمى نفسه - أي كلية اللغة العربية -!، فأفيده بأن جامعة الملك سعود تضم كلية الآداب ويأتي قسم اللغة العربية وآدابها تابعاً لهذه الكلية التي أُنشئت عام 1388هـ، ولعل كل ما سبق يجعل وزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في لجنة الانتخابات العامة تراجع الأسئلة التي طُرحت على المرشحين لتستبدل السؤال عن صانع الطائرة - مثلاً-، أو عن مكان وقوع نيوزيلندا، بالسؤال عن عدد الجامعات السعودية، وأسماء الكليات التي تتبعها!، وذلك قبل أن يجاهر أحد المرشحين في صحيفة واسعة الانتشار بعدم معرفته بأعرق الكليات في جامعاتنا السعودية.
لقد تعلمتُ في جامعتي - يا أستاذ أسمري - عدداً من المبادئ الراسخة، والقيم النبيلة التي أهديها إليك مصحوبة بباقة ورد، وذلك لعلمي بأن دراستك خارج المملكة ردحاً من الزمن قد حالت دون أن تتمكن من إدراكها والظفر بها:
1 - أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
2 - أن علو مكانة المرء وسمو منزلته لا تقاس بالشهادة التي يحملها، بل على تمكنه من أن يكون إنساناً فاعلاً في مجتمعه بأخلاقه قبل علمه.
3 - أن الخلاف مع الآخرين لا يعني تجريدهم من وطنيتهم، وتهميشهم، وتحقيرهم، والتقليل من شأنهم، والقدح في أمانتهم وذمتهم وعلميتهم.
4 - رأي من يخالفني خطأ يحتمل الصواب، ورأيي صواب يحتمل الخطأ.
5 - يتحتم الأخذ برأي من يخالفك إذا كان يمتلك الحجة والبرهان والدليل القاطع، وأن المكابرة والمجادلة دون وجه حق هي انتصار للذات أكثر من كونها بحثاً عن الحقيقة.
لذلك أقول للأستاذ الأسمري بأمانة وتجرد: إنني حينما انتهيت من قراءة ردك ازددت قناعة بأن كلمة (الوِكاد) هي مفردة عامية يستخدمها العامة في أحاديثهم وحواراتهم، فيقولون: (هذا علم وِكاد) أي علم يقين ثابت، ولم أجد أحداً من فصحاء العرب ولا من عامتهم من استخدم (الوَكاد) بفتح الواو، وليس أدل على ذلك من أن النص الطويل الذي اقتبسته من لسان العرب لم يتضمن إشارة واحدة إلى أن العرب قد استخدمت صيغة (الوَكاد) بفتح الواو للدلالة على الخبر اليقين المؤكد، ناهيك عن أن جميع المعاجم اللغوية لم تورد تلك الصيغة ابتداءً من معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، مروراً ب (أساس البلاغة) للزمخشري، و (لسان العرب) لابن منظور، (والصحاح) للجوهري، و (مختار الصحاح) للرازي، و(القاموس المحيط) للفيروز أبادي، ووصولاً إلى المعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية في القاهرة... وغيرها من المعاجم اللغوية التي قد يكون الأسمري لم يسمع بها من قبل!.. أقول: إن من يرجع إلى تلك المعاجم اللغوية التي قد يكون الأسمري لم يسمع بها من قبل!.. لا يظفر بإشارة واحدة تؤكد استخدام العرب لصيغة (الوَكاد) بفتح الواو.
وأقول للأستاذ الأسمري: حتى لو سلّمنا - جدلاً - بأن (الوَكاد) كلمة فصيحة على افتراض ظهور معجم لغوي جديد يضم هذه الكلمة بين دفتيه!، فما معنى أن يكون الوكاد شعارك ومسارك وعملك؟.. أتقصد اليقين؟.. ولكن اليقين بمن؟.. وبماذا؟.. ألا تعتقد أن كل المرشحين لديهم اليقين بأفكارهم وأطروحاتهم وبرامجهم الانتخابية؟.. إذن ما الذي يميزك عنهم؟! وما الذي يميز شعارك عن شعاراتهم الانتخابية؟!.
ما أردت إيصاله في مقالة (الشعراء والمرشحون) فكرة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار - كما يقال - إلا أن الأستاذ الأسمري على رغم مؤهلاته العلمية العليا في التدريب والتخطيط والإدارة وتنفيذ الحملات الدعائية لم يتمكن من الظفر بها، وهي أن الشعار الانتخابي أشبه ما يكون بعنوان الكتاب الذي إما أن يكون دافعاً لقراءة ما يحتويه، والاطلاع على أبوابه وفصوله، ومراجعة قضاياه وموضوعاته، أو أن يكون ذلك العنوان سبباً في تجاهله والانصراف عنه.
وفي نهاية المقال أعجب من الأستاذ الأسمري - صاحب المؤهلات العليا في الإعلام - أن يلوم رئيس تحرير صحيفتي الجزيرة والرياض لسماحهم بنشر مقالي، وهو الذي يجب أن يكون أكثر تحرراً وانفتاحاً وتقبلاً للرأي الآخر، ولعله نسي - وهو المتخصص في الإعلام - أن صحفنا منابر تمكن الجميع من طرح رأيه ووجهة نظره إذا كانت مدعَّمة بالحجج والبراهين المقنعة، وإذا كان الأستاذ الأسمري قد وجه اللوم إليهما فإنني أزجى إليهما أوفر الشكر وأجزله على إتاحة الفرصة أمامي للمشاركة في هذا العرس الانتخابي ولو من خلال إبداء الملحوظات على بعض الشعارات الانتخابية، لعلمهم أن هذا الأمر إنما هو من باب المشاركة والإسهام في إنضاج التجربة الانتخابية وتقويمها والسعي إلى إبرازها بأروع صورة وأبهى حلة، كما أثني على الحس الصحفي الذي يتمتعانِ به لنشرهما المقال في يوم الإعلان عن أسماء الفائزين بالانتخابات البلدية، وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه.
عبدالله إبراهيم الجريفاني

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved