يهب الله من يشاء من عباده صفات تكسبه قلوب كل من عرفوه، ومتى كسب هذه القلوب فاز بما يأمله كل إنسان نبيل، ذلك أن الناس شهود الله في أرضه، ومودَّتهم لواحد منهم دليل من أدلة محبة بارئهم له. والوجيه الأديب الأستاذ عبدالمقصود خوجة في طليعة من كسبوا أفئدة الكثيرين.. لطفه جم، وثقافته واسعة. رسم قلمه ساحر التعبير، وبلاغة كلامه أخَّاذة الوقع. ولقد وفَّقه الله بأن جعل كل هذه الصفات النبيلة عوناً له على إظهار أريحيته الجذابة بزيها الجميل أمام عشاق الأدب ومقدِّري الفكر. في اثنينيته المتألقة بصفاء جو الألفة والبشر تلتقي الأفكار وتتعانق الآراء. أدامها الله اثنينة عامرة متألقة، وجزى الله عامرها ومبدع تألقها ما يجزي به الخيِّرين المخلصين له، ولمجتمعهم وأمتهم. وقبل أسبوعين هبَّت نسمة من أريحية ذلك الوجيه الأديب الأستاذ عبدالمقصود خوجة لتغمر بسعادتها المقصِّر كاتب هذه السطور، فجعلته مكرَّماً محتفى به في الاثنينية العامرة المتألقة. وأنَّى لمقصِّر مثله أن يستطيع التعبير عن شكره وتقديره على لطف التكريم ونبل الاحتفاء. كانت سعادتي في مساء تلك الاثنينية لا حدود لها. أتاحت لي تجديد لقاء بأحبَّة طالما غمروني بمودَّتهم، وهيأت لي فرصة معرفة إخوة طالما تقت إلى معرفتهم والالتقاء بهم. وبين التحليق في سماء النشوة بتجديد اللقاء بالأحبَّة وفرصة اكتساب مزيد من معرفة الإخوة إنهالت ذكريات المقصِّر وتداعت خواطره. وهيهات له أن يتمكَّن من التعبير عن شكر الذين تحدَّثوا واللاتي تحدَّثن عنه في رحاب الاثنينية العامرة المتألِّقة!. كان من المتحدثين الدكتور محمد عبده يماني.. عرفته شاباً يتدفق حيوية عندما سعدت بمعرفته في رحاب جامعة الملك سعود قبل أكثر من أربعين عاماً. كنت معه في سنة واحدة: هو في كلية العلوم، وأنا في كلية الآداب، وكان الطالب المثالي المثقف المتحدِّث بفصاحة وجرأة فائقتين. وما كان أسعد أيام الطلب عندما كان عدد الطلاب في الجامعة محدوداً ولقاءاتهم غير محدودة. ثم مرَّت الأيام لأسعد بمعرفته عالماً مجيداً، وإدارياً خبيراً، تولى مسؤوليات كبيرة، وترك في كل مكان تحمَّل المسؤولة فيه ما ترك من أثر يذكر فيشكر. لكني فوق هذا كلّه عرفت فيه الرجل الذي تحلَّق فيه عاطفته الدينية لعمل الخير أينما حلَّقت؛ آملاً المثوبة ممن لا تعد نعمه ولا تحصى. وكان من المتحدثين الدكتور رضا عبيد. وقد سعدت بمعرفته حينما عاد إلى الوطن العزيز حاملاً شهادة الدكتوراه في العلوم. وكنت حينذاك سكرتيراً لأستاذي الكريم، الذي علَّمني منهج البحث التاريخي، وأسبغ عليَّ من نعماء معرفته التاريخية والأدبية ما طوَّق به عنقي، الدكتور عبدالعزيز الخويطر. وقد عرفت في الدكتور رضا الرجل المخلص في عمله، محلَّ الثقة بين من عملوا معه، المتحلي بالنبل والتواضع. ثم ازدادت معرفتي به توطداً عندما سعدت بتولِّي الأمانة العامة لجائزة الملك فيصل العالمية. وكان في طليعة المتعاونين مع تلك الأمانة. وكان من المتحدثين رجل لم يعرفه أحد إلا سعد بمعرفته، ولم يرافقه إنسان؛ حضراً أو سفراً، إلا تفيَّأ ظلال رفقته؛ لطفاً في المعشر وسباحة في نهر الثقافة العامة؛ لا سيما الأدبية التراثية منها، وعوناً في كل مسألة كبيرة وصغيرة بحيث يدلِّل رفيقه تدليلاً متواصلاً. ذلك هو الصديق العزيز، والرفيق الحبيب، اللواء عبدالقادر كمال، الذي له من اسمه أوفى نصيب. فقدرته على اسعاد أحبته عجيبة، وكمال نبل تعامله معهم أعظم ما يكون. ومنذ أن عرفته قبل سنوات وسنوات عرفت فيه أخاً لم تلده أمي. ومع أني ولدت معه في سنة واحدة فإن كهولته المتدفقة حيوية ونشاطاً تأبى دائماً إلا أن تحنو على كهولتي المتشحة وهناً وشيباً. وكان من المتحدثين أخي الكريم، وصديقي العزيز، الدكتور حسن الهويمل، وهو من هو في ميدان الأدب والنقد؛ تدريساً، وتأليفاً وحضوراً فاعلاً في كثير من المحافل والندوات الفكرية. وكم يتمنَّى كثيرون لو رُزقوا كما رُزق قلماً سيَّالاً، وأسلوباً جميلاً مستوحياً، أحياناً، ألفاظاً قرآنية تضيف إلى إبداعه جمالاً ورونقاً. ومنذ أن عرفته عرفت فيه حرصه المقدَّر على التروّي من ينابيع الفكر، وأنهار الثقافة، وعرفت فيه طيب مجالسه الخاصة الممتعة بخفة دمها ونكتها المرحة. وكان من المتحدثين الأخ الحبيب، الصديق الوفي، الأديب الكاتب، مدير الأمسيات والحوارات المشهور، أبو بدر حمد القاضي، الذي حباه الله صفات غاية في الجمال تأسر قلوب عارفيه، وتبلُّهم بفيض إخلاصه في صداقته، وتغمرهم بصيِّب تفانيه في كل عمل صالح مفيد يقدم عليه. كم سعدت بإدارته الرفيقة الجميلة لأمسيات شعرية شاركت فيها مع أخوي الكريمين الدكتور منصور الحازمي، والأستاذ عبدالله القرعاوي. وكان من المتحدِّثين الأخ الكريم، والصديق العزيز، الكاتب المفكر، الدكتور عبدالله منَّاع، الذي يعرف المهتمون بالشأن الثقافي والفكري في وطننا العزيز اسهاماته الواضحة في تصوير هموم الوطن والأمة. وكان من المتحدثين الأخ الكريم، والصديق العزيز، النشيط في مجال الكتابة وميدان اللقاءات الفكرية والثقافية، الدكتور مصطفى عطار. ومن آثار نعمة الله على هذا الأخ الصديق أنني لم أقابله إلا وأضفى عليَّ من السعادة ما يبث في نفسي المرح ويزيل عنها الحزن. أما أبو طلال، الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، الذي تحدَّث عني من خلال رسالة بعثها إلى الوجيه المكرِّم، فلا أدري كيف أتحدث عنه. تربط أسرته بأسرتي أواصر القربى والرحم، وتجمعني به مراتع الطفولة والصبا وزمالة الدراسة -وإن كان أصغر مني سناً بطبيعة الحال- وسجايا أبي طلال كثيرة.. اطلاع معرفي واسع، وثقافة متعددة الجوانب، وإنتاج علمي وثقافي غزير قدَّره المتابعون التقدير اللائق به، وحضور اجتماعي لا يملك القدرة على تحقيقه إلا أمثاله. وهو إلى جانب ذلك كله إذا كتب شعراً أجاد، وإذا قرأ شعراً قوَّمه أدقَّ تقويم. ولقد تعطَّر مساء الاثنينية بحديث الأخت الكريمة، والزميلة العزيزة، الدكتورة وفاء المزروع، وأخواتها الكريمات عبر الشاشة، وأحاديث جميعهن عجز كاتب هذه السطور أن يعبِّر عن شكره لهن عليه، وتقديره لكل رأي أبدينه. وإذا كنت أزجي الشكر والتقدير لكل الإخوة الكرام الذين تحدثوا والأخوات اللاتي تحدَّثن عني في اثنينية المكرِّم الأستاذ الفاضل عبدالمقصود خوجة فإني أزف آيات الشكر والتقدير لكل من حضرها من العلماء والمفكرين والأدباء والشعراء؛ سائلاً الله أن يجعل ليالي الجميع كأيامهم وارفة بظلال السعادة حافلة بثمار العطاء والود.
|