لقد ميز الخالق سبحانه أبناء آدم من البشر دون كافة المخلوقات بالعقل والإدراك، والقدرة على الفصل بين الخير والشر كي يكون نعمة لهم وتصحيحاً في مسيرة حياتهم، لا نقمة تعمل على هدم أو تشويه صورة الخلق، وتدمير قيمة الحياة. وقد أرسل سبحانه الشرائع المطهرة على قلوب الأنبياء، وقوىّ حججهم بالبينات والكتب السماوية والمعجزات، وختم رسالات السماء بالإسلام دين السلام والمحبة والعدل والرحمة، وجعلنا به خير أمة أخرجت للناس لأننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله سبحانه. وكي يستقيم ميزان العدل في حياة المسلمين والبشر أجمعين، كان دين الإسلام هو الجامع والخاتم لكل الرسالات السماوية، محفوظاً في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، (القرآن العظيم) وفي سنة رسوله محمد- صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى. وقد اتفق الفقهاء والعلماء والعارفون بالله سبحانه وتعالى أن يكون مصدر التشريع الإسلامي مستقى من مصادر أساسية وبينة هي (القرآن والسنة، الإجماع، القياس) ولا يصح ولا يجوز أن يخرج أي مفسّر أو مشرّع أو مفت عن دائرة هذه الأسس. وهي أسس واضحة ومعلنة ومكشوفة وتحت ضوء الشمس، مباحة دون تعقيد إلى كل مجتهد ودارس، وليست مختفية ومتوارية وراء ستائر مشبوهة مضلة وضالة. وعلى هذا يكون العقل والتعقل في حسن الاتباع وأخذ العلم من أولي العلم ممن يتقون الله حق تقاته، ويفتون عن علم في دائرة الأسس المشروعة، دون مغالاة ودون تفريط. وكم نحتاج في هذه الأوقات العصيبة إلى تنوير عقول شبابنا المسلم، ودعوته دعوة صادقة للتمسك بعرى الدين وتعاليم الشريعة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وأن يلجؤوا في طريقهم للمعرفة إلى العلماء الأكفاء، وأن تكون عقولهم المتفتحة بنور المعرفة الرشيدة خير حصانة لهم من السقوط في مهاوي الضلال، أو تحت سطوة المضللين الذين يعرفون حق المعرفة أنهم يسلكون دروب الضلالة من أجل أهدافهم المشبوهة. ولنا في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، وقد علمه الخالق العزيز الجبار، فكان لنا المرشد والدليل، والناصح والمحذر عندما قال عن الفئة الضالة: (حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام). وقد توالت الهوام وأصنام الخذلان، وأعداء الإنسانية في محاولات فتك وتضليل بالإسلام، وحركات خارجة عن منظومة الدين، وخارجة عن رسالة الإسلام السمحة، ولنا أمثلة في (ذي الخويصرة، ومسيلمة الكذاب وأمثالهما) منذ بدء التشريع وحتى يومنا هذا. وهذه الفئة الضالة المضللة اليوم بفعالهم المشينة أشبه بخوارج الأمس بل أضل، يأخذون الناس بالبطلان، ويخوضون في آيات الله دون علم، ويفتون بالباطل دون الحق، ويكفرون هذا وذاك دون حجّة ودون دليل، ويلجؤون من باب المواربة والخديعة إلى الاستدلال بالمتشابه، وبآيات الوعيد التي نزلت بالكفار والمنافقين ليجعلوها رياء وتضليلاً بحق من يخالف توجّهاتهم المشبوهة، وهي بطبيعة الحال والفهم لا يمكن أن تنطبق على الصالحين الأتقياء من المسلمين. قال الله تعالى في كتابه الكريم: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (85) سورة البقرة. وهم الذين دلّ عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (إن من ضئضئ(1) هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم قتلتهم قتل عاد..). وقد صدق ابن عمر رضي الله عنهما عندما قال فيهم: (انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين). إن من رحمة الله بعباده، وحفظه لبهاء الدين ورفعته وسموه، أن جعل بين ظهرانينا في كل وقت علماء ضالعين وعارفين وأتقياء يتوارثون العلم والمعرفة، جنود الله في الأرض، وهم الأكفاء في ترشيد الناس وتثقيفهم بأمور دينهم، لسعادة دنياهم وآخرتهم. ومن رحمة الله العلي القدير أن سخر لهذه الأمة أسرة مؤمنة رشيدة، أقامت حدود الله، وحرصت على تطبيق شرائعه من خلال سلوك السبيل الوسطي دون مغالاة ولا تفريط منذ أسس نشأتها الاولى جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ووصولاً عبر ملوك تناسلوا على البرّ والتقوى إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- حفظه الله-، وولي عهده الأمين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو النائب الثاني الأمير سلطان بن عبدالعزيز ورجل الأمن الأول في مملكتنا الغالية سمو وزير الداخلية الامير نايف بن عبدالعزيز- حفظهم الله جميعاً-، وكل الرجالات الشرفاء ولاة أمور المسلمين في حديقة المملكة الباهية. نسأل الله الملك الجبار أن يلهم شبابنا سبل الرشاد، وسلوك دروب الفضيلة، واستقاء العلم والفقه من العلماء الأتقياء العارفين، ليكونوا الحماة لهذا الدين الكريم، وليبارك الله في قادة البلاد وأمرائهم ويخلف عليهم بقدر ما قدموا أعمالا تساقطت علينا كالشهب فأصابت اعتزازاً في قلوبنا وفخراً في سمائنا داعين الله أن يحفظ مملكتنا وولاة أمرنا من كيد الكائدين وحسد الحاقدين، وأن يديم علينا جميعا نعمة الأمن والأمان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
|