الثلاثاء:
الجزيرة توشك أن تصير جريدة يومية.. خبر جديد وطريف في الوقت نفسه، إن ذلك ربح كبير للصحافة، وللأمة ولجمهور المثقفين في هذا البلد الأمين. كل صحيفة جديدة هي ربح مؤكد، ومنبر رفيع لحرية الكلمة، وحرية الرأي والفكر، وما دامت الصحيفة ملتزمة بمبادئ الدين والأخلاق، وبمبادئ الصحافة الهادفة الرفيعة، فهي مصدر خير في الأمة. في عام 1946 ظهرت جريدة (أخبار اليوم) في القاهرة أسبوعية، وظلت عامين صحيفة أسبوعية تظهر كل سبت، ثم تحوَّلت إلى جريدة يومية، وظلت كذلك جريدة يومية ناجحة حتى اليوم. وأذكر عام 1936، إذ أعلن العقاد عن جريدة يومية يصدرها باسم الضياء، كل يوم ثلاثاء وفي المطبعة شهدت مولد الجريدة إذ كنت أطبع فيها كتاباً لي، وظهر العدد الأول والثاني والثالث، ثم أعلن العقاد إفلاس الجريدة، ذلك لأن جمهور الوفد المصري حاربها حرباً شديدة، إذ كان العقاد قد خرج على الوفد، وأعلن عليه حرباً شعواء، وبدأ الوفد يحارب جريدة العقاد، فلم تظهر أعدادها في السوق، وكدَّستها شركة التوزيع في مكاتبها، ولم تظهر منها إلا أعداد قليلة، امتنع باعة الصحف عن توزيعها.. وأفلست (الضياء) آنذاك. نرجو للجزيرة كل نجاح في مشروعها الجديد، ولا خوف على أية صحيفة من التوسع، إن التوسع في الصدور إذا صحبه توسع في قدرات المحررين، وفي عدد المحريين أتى بكل خير. الأربعاء:
الجماهير الكثيرة تقف أمام مكتبات توزيع الصحف تنتظر وصولها، ظاهرة جميلة، وإن كان أغلب الواقفين هم من طلاب المدارس الذين يتطلعون إلى رؤية أسمائهم في قوائم الناجحين. وتستطيع الصحيفة الناجحة أن تجتذب زمام جمهور قرائها فتجعلهم يقفون يوم صدورها، لينتظروا وصولها إلى أيدي القراء في زحام كهذا الزحام الذي نشاهده اليوم. بالأمس البعيد وكان ذلك في 15 يناير من عام 1933، بدأت مجلة الرسالة تظهر، وكانت من أكبر المجلات التي صدرت في مصر تأثيراً على قرائها، إذ أصبح العقاد وطه حسين والزيات وأحمد أمين وزكي مبارك وعبد العزيز البشري وعبد الوهاب عزام وأمين الخولي ومنصور فهمي وغيرهم من كتَّابها. وكانت الرسالة تصدر كل يوم إثنين، وكنا ننتظر وصولها بمثل هذه اللهفة التي شاهدتها على وجوه التلاميذ في الرياض، وإذا كنا في الريف في الصيف، بعثنا إلى المدن في طلبها، والسعيد هو الذي كان يظفر بعدد منها. وبمثل هذه اللهفة كنا نستقبل مجلة (أبولو) الشعرية الشهرية التي أصدرها الدكتور أحمد زكي أبو شادي في سبتمبر عام 1932.. وحيا شوقي قبل وفاته بشهر ونصف الشهر صدورها بقصيدة ظهرت في صدر العدد الأول منها، وجاء في صدر القصيدة أو الأبيات: أبولو، مرحباً بك يا أبولو فإنك من شعاع الشمس ظل وفي هذه الفترة كان الدكتور طه حسين يشرف على إصدار العدد الأسبوعي الأدبي من صحيفة (كوكب الشرق) اليومية، وكان هذا العدد يصدر كل ثلاثاء، وكانت مادته الأدبية من أهم ما كان ينشر في صحفنا الأدبية في ذلك الحين. الخميس:
سِرت في المساء في شوارع الرياض لأشتري ما جدَّ من صحف ومجلات، وهزتني الرياض إذ كانت شوارعها خلاء، إنه الصيف والحر، وأهلوها قد غادروها إلى الطائف أو لبنان والقاهرة أو أوروبا.. وليس ذلك طلباً للاستجمام فحسب، بل انه ضرورة نظراً لجوها الحار في الصيف، إن الناس لا يملكون إلا أن يصنعوا هذا الصنيع، ما دام جو الرياض يقسو عليهم في الصيف. والرياض مدينة تنمو كل يوم، وأنا أقف متسائلاً دائماً: هل يستطيع المخزون من الماء في جوف الأرض في الرياض ما حولها ان يفي بحاجات هذا العدد الكبير من الناس؟ قد يكون في الإمكان نقل هذا التوسع العمراني إلى مدن أخرى عن طريق إقامة بعض المنشآت فيها، وحسناً فعلت الدولة إذ جعلت المبنى الجديد لجامعة الرياض في الدرعية، ويا حبذا لو أن بعض المعاهد الجديدة المزمع إنشاؤها اختيرت لها أماكن أخرى لإقامتها فيه.. تقديراً لمختلف الظروف. وإن كنا دائماً نؤمن بان الله خالق كل شيء، ورازق كل شيء، ولكنها الأسباب. الجمعة:
قرأت في بعض المجلات قصيدة من الشعر الحر والشعر الحر لا يثير قراءه لأن موسيقاه ضعيفة لا تهز النفس، إن الشعر هو القيود، وكان نيتشه الألماني يقول: الفن هو القيود، وهناك مثل فرنسي يقول: لا يحيا الفن بغير قيود. إن فقدان الموسيقى والنغم الموسيقي في الشعر الحر يجعله ضعيف التأثير، ولذلك سماه كثيرون من النقاد الشعر المنثور وكان أرسطو يقول: الفنون الشعرية الكبرى تستخدم كل أدوات المحاكاة، وهي الإيقاع والانسجام والوزن. وقد صاحب قيام الشعر الحر دعوة كثيرين من أتباعه إلى تحطيم عمود الشعر العربي، كما صنع (لويس عوض) وغيره وكذلك كان ينادي سلامة موسى وأتباعه، وحركة الشعر في العالم العربي عمرها ربع قرن، وفي أوروبا سبقتنا حركة الشعر الحر فيها بربع قرن أيضاً، وكان من مقدماتها مايكوفسكي الروسي، ثم شعراء المدرسة التعبيرية الألمانية الذين أظهروا ديواناً من الشعر سموه (فجر الإنسانية). وعزيز أباظة يتنبأ في المقدمة التي كتبها لديوان (أصداء الحرية) لعبد الله شمس الدين بانهيار دعوة الشعر الحر، وتقول نازك الملائكة في صدر ديوانها الرابع (شجرة القمر) الصادر عام 1388هـ - 1968م (إن تيار الشعر الحر سوف يتوقف في يوم غير بعيد وسيرجع الشعراء إلى الأوزان الشطرية بعد ان خاضوا في الخروج عليها). السبت:
التراث الإسلامي العربي يجهل كثير من المثقفين كل ما يتصل به، إن ذلك أمر محزن. أولى بنا أن تصبح مادة (التراث العربي) مادة مقررة في كل مناهج الدراسة.. وأن يتوسع الشباب في الإطلاع على عيون تراثنا القديم، وعلى كل ما يتصل به من نظريات وآراء وأفكار. إن تراثنا الذي حمل كل أفكار أسلافنا المسلمين لجدير منا بكل اعتزاز وتكريم وتقدير.. وتراثنا العلمي والأدبي صرح شاهق نهلت منه الإنسانية جمعاء، وما زالت تنهل من معينه حتى اليوم. الأحد:
العلم الذي يملك زمام العالم اليوم، ونفتن به كل الفتنة، ونراه معجزة من المعجزات، ما يصيرنا نحن فيه إذا ما قادنا إلى حرب نووية تفني البشر، هل ستكون نظرتنا إليه يؤمئذ على أنه معجزة. إن العلم ومنجزاته اليوم شيء محير حقاً، إنه لم يمنحنا السعادة ولا الطمأنينة، بل منحنا القلق والحيرة، إن منجزات العلم اليوم تقف لتحمي العدوان في بلادنا، ومهما تسلحنا بسلاح العلم، فعدونا يتسلَّح كل يوم به كذلك. إن العلماء المسلمين كانت نفوسهم تتألم إذا ما وصل أحد العلماء منهم إلى ابتكار شيء يمكن أن يكون ضاراً بالإنسانية ولكن العلم والعلماء اليوم صارت قلوبهم من حجارة، لا تهتز لمصير العالم جميعه اليوم، وكان أسلافنا المسلمون يهتزون لأقل من ذلك ويشفقون من ابتكار دواء قد يكون ضاراً حتى بالحيوان. الإثنين:
كل النظم العالمية الحديثة لم تستطع أن تلغي الفقر من الحياة.. ولكن نظاماً واحداً هو الذي ألقى الفقر، وجعله في عداد الأشياء التي لا وجود لها، وهو النظام الإسلامي، والشريعة الإسلامية، حينما تنفذ تنفيذاً كاملاً. إن الاقتصاد الإسلامي شيء معجز حقاً، وقد اهتز به وشهد له علماء الاقتصاد في العالم. ومن عجب أن كليات التجارة والاقتصاد في بلاد الإسلام والعروبة لا تسمع شيئاً عن الاقتصاد الإسلامي، ولا تعيره التفاتاً ولا تصيخ بأذنيها لسماع آراء العلماء الغربيين فيه. متى نرى مادة الاقتصاد الإسلامي مادة دراسية في جميع كليات التجارة والاقتصاد؟ ومتى نرى أعلام الاقتصاد في الإسلام تدرس مذاهبهم الاقتصادية فيها دراسة علمية جادة.
|