Saturday 19th March,200511860العددالسبت 9 ,صفر 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

ابن حميد في خطبة الجمعة في المسجد الحرام:ابن حميد في خطبة الجمعة في المسجد الحرام:
الإسلام دين الفطرة يصلح به كل زمان فهو دين عقيدة وشريعة يعالج شؤون الحياة كلها

* مكة المكرمة - عمار الجبيري:
أوصى معالي رئيس مجلس الشورى وإمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله عز وجل وان يحركوا الهمم الى الخير وحث العزائم الى الجد.
وقال معاليه في خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام:
الإسلام دين الفطرة يصلح به كل زمان ويعمر به كل مكان فهو دين عقيدة وشريعة وتهذيب وسلوك وحق وجمال وتراث ومعاصرة يعالج شؤون الحياة كلها في سلفية لا تتوقف عند عصر بل تتجدد لتعالج اوضاع كل عصر وتفتي في كل شأن ومن اجل هذا لم يكن الاسلام ليتغاضى عن نوازع النفس البشرية وما جبلت عليه من الاقبال والادبار والجد والنشاط والسآمة والانشراح والكآبة.
خلق الله الناس فوضع فيهم ما وضع من الخصائص والطبائع وبث في الحياة والكون ما بث وسخر ذلك كله للبشر وقد علم سبحانه انهم بشر لهم اشواقهم القلبية وحظوظهم النفسية وطبائعهم الانسانية فلم تأت التكاليف والتشريعات لتجعل كل كلامهم ذكرى وكل صمتهم فكرا وكل تأملاتهم عبرا وكل فراغهم عبادة لكنه مكنهم ليجعلوا بنية القربى وصحيح العمل كل اعمالهم ذكرا وفكرا وعبادة وعبراً.
لقد اقر دين الاسلام ما تتطلبه الفطر البشرية من سرور وفرح ولعب ومرح ومزاح ومداعبة واشواق وجمال محاط ذلك بسياج من ادب اسلامي رفيع يبلغ بالمتعة كمالها وبالمرح غايته بعيدا عن الحرام والظلم والعدوان والغل وهدم المبادئ والاخلاق لقد خلق لنا ربنا ما خلق ووهب لنا ما وهب وسخر لنا ما سخر وشرع لنا ما شرع في انفسنا وفي ارضنا وفي سمائنا وفي كل ما حولنا واذن لنا في الجمع بين الانتفاع والاستمتاع بالمنافع والمناظر اقرأوا ان شئتم قول الله تعالى:
{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ {5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ {6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } واقرأوا قوله سبحانه:
{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} واقرأوا قوله سبحانه:
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ}.
بل لقد جاء التكليف بأن ننظر ونتأمل في مناظر الجمال ويانع الثمار:
{أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ}
وقوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ}.
{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ}.
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17) وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}
انه نظر وتفكر يجمع بين الايمان والفائدة والجمال والابتهاج بل لقد امروا بنو ادم باتخاذ زينتهم أمراً مباشراً ولا سيما في مواطن العبادة:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد}
ولمزيد من التأمل والتفصيل في هذا الباب يا عباد الله فإن في ابن ادم عورتين وكلتاهما تحتاج الى ستر بل ان في سترهما الجمال غاية الجمال أما العورة الاولى فعورة الجسم وسترها يكون بلباسين لباس الستر ولباس الزينة وقد بينهما ربنا عز وجل في قوله:
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا}
فالأول يواري السواة ويخفيها ويسترها أما الثاني فهو الريش يجملها ويزينها. قال أهل العمل واختار التعبير بالريش لان اجمل ما كسيت به المخلوقات ريش الطير بألوانه الزاهية ورقته ونعومته وجاذبيته قالوا فهو اجمل وارق من الشعر والصوف والوبر وان كان في كل هذه من الجمال ما لا يخفى اما العورة الثانية فعورة النفس وسترها بالخلق الجميل وحسن العبادة والطاعة لرب العالمين وهو ما ذكره عز شأنه في قوله:
{وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} والجمال لا توصف به الاشياء الماديات والاجساد فحسب بل توصف به الأخلاق والمعاني من الصبر الجميل والصفح الجميل والهجر الجميل.
معاشر الاخوة والاحبة واذا كان الفن في المراد المعاصر هو تذوق الجمال وصناعته فإنه في دين الاسلام وحاضرته ليس لمجرد التذوق بل لمقاصد كبرى وجمال التعبير هو اوسع أنواع الفنون وأكثرها اثرا في حياة الناس وتعاملاتهم خطابا واسلوبا وامرا ونهيا ودعوة وتوجيها وتعليما وتربية ونحن امة كتابها الهادي هو مثلها الاعلى في جمال التعبير ونبيها محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي اوتي جوامع الكلم فالقول الحسن والوعظ الحسن والجدل بالتي هي احسن واحسن القصص كل ذلك تنبيه وتوجيه لاهل العلم والدعوة والتربية والتثقيف ان يقصدوا الى الجاذبية في الاسلوب والجمال في التعبير كيف وهم يقرأون التوجيه الرباني للرحمة المهداة محمد صلى الله عليه وسلم:
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} ما أوضح هذا وما اجمله لو كان محمد صلى الله عليه وسلم فظا غليظ القلب وحشاه عليه السلام لو كان كذلك لما قبل قوله احد ولنفر الناس من حوله وانفضوا
لماذا؟ لان الناس فطرت على حب الرفق وطلاقة الوجه وبشاشة الاستقبال والخلق العالي وجمال اللفظ والاستماع اليه والانجذاب اليه وقبوله وحبه واحترامه ان المعلم والموجه والمرشد والناصح والمحتسب والداعية والكاتب والمثقف كل اولئك هم اهل القول الجميل والصبر الجميل والصفح الجميل والهجر الجميل.
أيها المسلمون وهذا الجمال الجميل والفن البهيج لا يمكن ان يكون فوق الحق فلا يكون الجمال بالكذب ولا الفن في الفسوق بل لا يمكن ولا يجوز ان يستر الكفر والفسوق والظلم باسم الفن والعمل الفني بل لقد وصل ببعضهم ليقول:
ان الفنان لا يحاكم بالمعايير التي يحاكم بها غيره ولا يجوز ان يتخذ جمال الفنون مسوغا لقول الزور وهدم الفضيلة وسوء الأخلاق ولا يجوز ان يستساغ في جمال التعبير اختلاق الاباطيل والمجاهرة بالسوء من القول والتزوير.
ان الجمال والزينة حين يكونان مظنة لان تتخذ وسيلة لهدم الحق واهدار القيم والاستطالة على الاخلاق يجب ايقافها ومنعها.
لقد أُمر المؤمنون والمؤمنات بغض أبصارهم ونهيت النساء ان تضرب بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ونهيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن اكرم النساء واشرفهن واعفهن واطهرهن نهين ان يخضعن في القول مما يثر مرضى القلوب ويجر الى الممنوع:
{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}.
وان من لطيف التأملات يا عباد الله ما نبه اليه القرآن العظيم من علاقة بين كشف السوءة وبين الشيطان واوليائه اقرأوا قوله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}
ان الشيطان واولياءه واتباعه السالكين مسالكه يأمرون بالوقوع في رذيلة كشف العورتين عورة الجسد بالتعري والتفسق والتهتك في الابدان وعورة النفس في ارتكاب مساويء الاخلاق والاعمال.
أيها المسلمون ذلكم هو الجمال وتلك هي الزينة وذلكم هو الفن والابداع في ظاهره وباطنه وحسنه ومذمومه فاختر لنفسك ايها المتبصر اجمل الجمالين واحسن الصورتين ولا يستهوينك الشيطان واولياؤه فحسن الوجه لا ينفع الفتيان اذا كانت الاخلاق غير حسان وشرف الانسان في تربيته لا في تربته واذا تزينت بثيابك وتجملت بلباسك وهذا حق لك مشروع فلا تفرط في التزين في افعالك والتجمل في اخلاقك فمن الحماقة ان ترى بعض الناس حسن الهندام حريص على جمال الصور بينما هو في لفظه وحديثه وسلوكه قبيح العبارة ذميم الذوق سليط اللسان غليظ التعامل.
{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
وقال فاستمع وفقك الله الى هذه المقارنة يعقدها الإمام ابو محمد بن حزم - رحمه الله - جديرة بالتفكير والنظر يقول رحمه الله:
طالب الخير والآخرة متشبه بالملائكة وطالب الشر متشبه بالشياطين وطالب الصيت والغلبة متشبه بالسباع وطالب اللذات متشبه بالبهائم وطالب المال لغير مصلحة ومنفعة اقل من ان يكون له في شيء من الحيوان شبه بل يشبه الماء الذي في الكهوف الوعرة لا ينتفع به شيء من الحيوان. قال: فالعاقل من لا يرتبط بصفة يفوقه فيها سبع او بهيمة او جماد فمن سُر بشجاعته فليلعم ان الذئب والنمر أجرأ منه ومن سُر بقوة جسمه فليعلم ان الجمل اقوى منه ومن سُر بحمل الاثقال فليعلم ان الفيل احمل منه ومن سُر بسرعة عدوه فليعلم ان الخيل اسرع منه ومن سُر بحسن صوته فليعلم ان كثيرا من الطيور واصوات اخشاب المزامير الذ واطرب منه فأي فخر واي سرور فيما تكون فيه هذه البهائم والجمادات متقدمة عليه اما في قوي تمييزه واتسع علمه وحسن عمله فليرتبط بذلك فإنه لا يتقدمه في ذلك إلا من كان اعلى همة واكثر عملا من خيار الناس.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved