رحل شوقي ضيف بهدوء.. رثته الصفحات الأدبية على استحياء.. ونقلت بعض المحطات مسيرة جنازته في دقائق معدودة.. ولم تشفع له رفقته لكل دارس للأدب والبلاغة ومناهج البحث العربي ولم تعطه كتبه العلمية وموسوعته الشهيرة بقاءً طويلاً في ذاكرة الإعلام المرئي والمقروء.. ومنذ شهور والإعلام مشغول بوفاة الفنان المبدع أحمد زكي المرتقبة وتنقل من أجله المؤتمرات الطبية.. والصحفية والتصريحات الرسمية وتفاصيل آخر أفلامه التي يجسد فيها شخصية المطرب عبد الحليم.. ولك أن تتساءل ما الذي يجعل الممثل الذي يتقمص ويجسد ما تخطه أنامل القصاصين والروائيين أكثر شهرة منهم؟ هل لأن الناس شغوفون بمن يلتقي بهم دائماً.. وشغوفون بمن ينقل لهم الإبداع أكثر من حبهم لمن يصنع الإبداع ذاته.. ** أتابع الآن البحث في العمل الروائي واختلافاته حين يتحول إلى عمل ممثل.. وكيف تغيب شخصية الروائي الحقيقي وعوالمه التي صنعها وسط صخب وضجيج العوالم الجديدة التي أحدثها الممثل في الشخصيات حين جسدها.. وهذا ما جعلني.. أدرك أخيراً.. أن الجمهور مفتون بالحركة والتجسيد والتشخيص.. والأعمال التي بقيت في ذاكرة الناس هي الأعمال التي وجدت من يحيلها إلى عالم متحرك ومشاهد ومسموع ومحسوس.. ** ولئن كنا نتمنى أن يكون لأولئك الذين بحثوا ورصدوا وأثروا المكتبات بزاخر أعمالهم - أن يكون لهم - حضور قوي في ذاكرة الناس ومشهد حياتهم اليومية وأن يكون لهم احتفالية في حياتهم مثلما هي في مماتهم.. وألا يرحل هؤلاء بصمت موارب أو اهتمام قليل يعكس الفراغ القائم في ذائقة الناس وعدم اكتراثهم بالبحاثة والمؤلفين.. ** وفي ذات الوقت لا يمكنك أن تلوم الناس فيما يحبون وعلى من يبكون.. فتلك مشاعرهم ولن يحركها إلا الصدق والعطاء فقد عرفنا طه حسين وجمال عبد الناصر والسادات معرفة توشك أن تكون شخصية من خلال قدرة أحمد زكي على التشخيص والتجسيد والتقاط أدق التفصيلات والتعابير التي لا يمكن أن يوصلها إليك خيال الكاتب أو الروائي.. ** وحين يخرج مئات الألوف في وداع أحمد زكي فإنهم يسيرون خلفه، تتداخل في ذاكرتهم جنازة عبد الحليم ويستيقظ فيهم جميعاً الحس الإبداعي وتتبدى القدرة على المشاركة من جديد في جنازته للمرة الثانية.. حيث سيكونون جميعاً ختاماً للفيلم الأخير الذي لم يستطع أحمد زكي أن يكمله.. ** ولك أن ترقب كيف تتحول الحقيقة إلى دراما يشترك فيها الناس بدموعهم الصادقة.. ** رحم الله شوقي ضيف الذي رحل بهدوء مورثاً ذكراً باقياً عند الدارسين في حقول اللغة لأزمنة طويلة.. ورفق الله بأحمد زكي الذي يستعد لأداء المشهد الأخير في فيلمه الأخير.. والله أعلم!!
|