Sunday 3rd April,200511875العددالأحد 23 ,صفر 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "زمان الجزيرة"

28 جمادى الثانية 1392هـ - الموافق 18 أغسطس 1972م - العدد (403)28 جمادى الثانية 1392هـ - الموافق 18 أغسطس 1972م - العدد (403)
فلسفة العقاد في المرأة

* بقلم - حسن الفهد الهويمل :
. . قدمت رجلاً . . وأخرت أخرى وأنا أفكر بجد وصدق في الحديث عن موضوع يمس المرحوم عباس محمود العقاد . . وقلت في نفسي هل لي أن أبيح لها الارتماء في خضم متلاطم ضاع في أمواجه رجال أشداء . . ثم عدت إلى نفسي لأذهب عنها الروع وأسكن من ثورتها المتوحشة . . وأبرهن بما لايدع مجالاً للشك أنني إنما أتحدث عن العقاد في جانب شاع وانتشر . . ودخله الناس جماعات وحديثي وإن كان يتناول موضوعاً قتله الكتاب بحثاً واستقصاء . . وصال في ساحته مفكرون وعباقرة أنفقوا في سبيل الانتصار مجهوداً وعرقاً. لا يتناول ذلك الصراع . . وانما يعرض فكرة تلخص رأي العقاد في المرأة . . وبالتالي رأي الكتاب الكبار في هذا التحامل والاندفاع الجارف الذي كان ظاهرة بارزة في مسيرة العقاد.
وكان بودي أن أوفي الموضوع حقه لولا قلة الزاد وضعف الراحلة
لقد مات العقاد وباستطاعة أي كاتب ناقد أو حاقد أن يقول فيه ما يشاء بعد زمان كان الكاتبون والناقدون يخافونه ويهابون حماه ويودون لو أتيح لهم أن يفضوا برأيهم أو معارضتهم فيما يقوله أو يراه. إلا أن صرامته وقوته وعمق نقده ورده تحول دون تحقيق أمنيات الكثيرين من رواد الأدب وعمالقة الفكر.
عرف العقاد بالصرامة . . عرف بأنه لايعرف الوسط في شيء . . وعرف فوق كل ذلك وبعد كل ذلك بالاصرار على رأيه ولو تحمل في سبيل ذلك كل شيء . .
يقول عنه عامر العقاد في ندوة اذاعية سمعتها عن ذكرياته عن العقاد. إن الاذاعة حددت معه موعداً لإجراء مقابلة . . ووافق على ذلك وحددت الاذاعة الساعة الخامسة لوصول وفد الاذاعة وكان أن جلس لانتظار الموعد . . وكان ان تأخر الوفد نصف ساعة فغضب العقاد . . ورفض إجراء المقابلة . . وحاولت مندوبة الاذاعة أن تقنع العقاد فالتفت إليها بشيء من الثورة والغضب قائلاً:
- اسمعي إن العقاد إذا قال - لا- فهي إلى الأبد . . وخرج الوفد يحمل أجهزته وأشرطته دون جدوى.
فهذه حكاية تعطي أوسع الأدلة وأشملها على صراحة العقاد . . وعلى إصراره. ولهذا يقول عن نفسه ما معناه ليس لدي وسط في المعاشرة أو في الوفاق . . فاما صداقة لا وسط فيها . . واما عداوة لا وسط فيها فلهذا لا يؤمن بأنصاف الصداقة ولا بأنصاف العداوة هكذا كان . . وهكذا عرفه الحاقدون والناقدون المنصفون والمنحازون ولولا صرامته . . وصراحته وعنفوانه لطرحته الآراء المتكالبة وطمرته الأقلام الحاقدة.
ولعل من الآراء التي كانت أكثر جدلاً . . وأكثر شهرة . . وبالتالي أخذت على العقاد . . أو قل الآراء التي تلفت النظر . . وأما أكثر ما يلفت النظر في العقاد . . رأيه في المرأة . . في خصائصها . . في أخلاقها . . في تكوينها . . في مهماتها ووظائفها . . ولست أعرف هل أساء العقاد إلى المرأة بقدر ما أساءت إليه. وهل كان بين الاساءتين تكافؤاً . . هذا إذا صح أن نسمي رأي العقاد وفلسفته في المرأة اساءة على حد تصور الآخرين . . وخاصة من ينادون بإنصاف المرأة أو اعطائها بعض حقوقها إن لم يكن كلها.
الذي نعرفه جميعاً أن العقاد لم يتزوج. يقول في ذلك الأستاذ محمد طاهر الجبلاوي في كتابه (في صحبة العقاد).
(سألني سائل لماذا لم يتزوج العقاد؟ فألقيت عليه هذا السؤال فأجابني: بأنه لا يكره الزواج ولا يأباه فهو سنة الحياة والطريق الطبيعي لقيام الأسرة. ولكنه طبع على أن لا يشاركه أحد في حياته ولا يطيق هذه المشاركة التي يراها عليه وعلى من تشاركه هذه الحياة).
طبع على أن يتحمل آلامه وحده وما أكثر تلك الآلام طبع على أن يغامر في الحياة وحده وما أكثر تلك المغامرات. ويقول العقاد: إنني لا أريد أن أعذب امرأة معي ولا أريد أن تعذبني امرأة معها ص135.
ذلك هو التعليل المنطقي لعدم زواج العقاد أو هكذا علل هو . . فهو ضد المرأة في ثكير من شؤونها . . وفي كثير من مطاليبها . . وهو ضد المرأة حينما تريد أن تخرج عن طبيعتها . . وهو ضد المرأة حين تريد أن تزاحم الرجال في خصائصهم ووظائفهم ومع ذلك لم يكن السبب في عزوف العقاد عن الزواج ذلك المذهب الذي يذهبه في معالجة بعض شؤون المرأة . . كان عزوفه بدافع انساني . . لايريد أن يعذب المرأة معه. ولا يريد من المرأة أن تعذبه.
ورأي العقاد في المرأة ثابت لا يتغير، يقول في ذلك عامر العقاد في كتابه (لمحات من حياة العقاد المجهولة ص 175 واننا لنجد رأي العقاد في المرأة هو بعينه منذ سنة 1912 في خلاصة كتابه اليومية ثم يقول: فيما عدا تطوراً يسيراً لا يمس الجوهر).
ويقول الدكتور شوقي ضيف في كتابه (مع العقاد) طبع دار المعارف بمصر ص 72 (وقد ظل من قديم يردد آراء في المرأة لايتحول عنها) ويقول (وقد خفت هذه الحملة في كتابه (المرأة في القرآن الكريم).
إذاً فالعقاد كان له رأي شديد وصارم ضد المرأة نلمس هذا واضحاً في كتابه (هذه الشجرة أو الإنسان الثاني . . ولكن هل كان رأي العقاد في المرأة وليد تجربة عملية . . أو وليد اقتناع ناتج من القراءة لآراء الآخرين . . الحقيقة التي أؤمن بها والتي أرجو أن يكون القراء معي فيها أن التجربة العملية هي التي دفعته إلى أن يقول عن المرأة الشيء الكثير وأن يستخلص آراءه في المرأة مزيجاً من القراءة لآراء الآخرين ومن تجاربه العملية مع بنات حواء. ولعل هذا الرأي يؤيده أو يؤيد جانباً منه ما ذهب إليه الدكتور شوقي ضيف في كتابه (مع العقاد ليقول في ذلك) وهي آراء ترجع في جوهرها إلى ما قرأه عند شوبنهور من القدح فيها قدحاً شديداً ونراه يجمع من هذا القدح شعباً ويضيف إليها شعباً جديدة).
وشوبنهور الذي يؤيده العقاد . . وينقل بعض آرائه ويزيد عليها في المرأة يرى أن جمال المرأة إنما يقوم على الغريزة الجنسية وحدها. وإنه ليس لها مهمة سوى حفظ النوع . . وأن الذي تسعى إليه وتهتم به هو السيطرة على الرجل وأن أخلاقها تقوم على الغدر والحيلة والمكر ويخرج بعد هذا بنتيجة واحدة وهو أنه من الخطأ أن تسوى بينها وبين الرجل في الحقوق . . ومع أن العقاد يصف شوبنهور) بالغلو في ذم المرأة ويصف تحامله بالقسوة. . إلا أنه وحسب رأي الدكتور ضيف (لا يلبث أن يتناول منه معوله ليقوم بدوره في ثلب المرأة وذمها وبيان أنها ضعيفة الحول قصيرة العقل وأن من العبث أن يسوى بينها وبين الرجل في الحقوق).
. . وبعد أن خف رأي العقاد وحملته ضد المرأة نجد أن للقراءة أثرها في ذلك التحول يقول الدكتور شوقي ضيف في كتابه (وقد خفف هذه الحملة متأثراً في ذلك بالصورة السامية التي رسمها القرآن لشخصيتها الإنسانية) ويقول (وكأنه أقر لها أخيراً أن تخوض معركة الحياة مع الرجل على قدم المساواة على أنه عاد يقول إن المجتمع الأمثل ليس هو المجتمع الذي تضطر فيه المرأة إلى الكدح لقوتها وقوت أطفالها).
فلسفة العقاد
لعل ما مضى يبرهن على أن للقراءة أثرها في تكوين رأي العقاد في المرأة. بقي أن نبرهن على جانب آخر وهو التجربة العملية . . وإذا كان العقاد لم يتموج فهل كانت تجاربه العملية تبرهن بوضوح عن أثرها في آرائه في المرأة. هذا ما يجد فيه بعض الكتاب صعوبة . . وأرجو ألا ألاقي هذه الصعوبة. الحب هو طريق التجربة . . وطريق العلاقة . . وبالتالي هو مصدر الرأي المدعوم بالتجربة.
لقد أحب العقاد في صباه وذاق حلاوة اللقاء وعذاب الحرمان وفي ذلك يقول:


يا من أحب لقاءه
سراً وأنأى عنه جهراً

وكان هذا الحب في رأي معارفه حب وقف به عند البراءة والعفة وهو حب فتى سلمت طويته واستسلمت للحب. ثم أحب العقاد حباً ثانياً وهو في الخامسة والثلاثين من عمره وهذا الحب من نوع جديد . . حب يشمل محبوبين.
أحب (سارة) . . والتي من أجلها ألف قصته المشهورة (سارة).
وأحب (مي) الكاتبة المشهورة. ويقوم حبهما على الإعجاب والعاطفة اللينة البريئة.
وأحب للمرة الأخيرة وهو الحب الأخير (لقد شاء أن يعلق قلبه بحب فتاة سمراء دعجاء العينين كانت في العشرين من عمرها وكان قد جاوز الخمسين وفيها نظم ديوانية (أعاصير مغرب) يقول في هذا الحب:


نفض النعاس فؤاده وصبا
وصحا فمال فهام فاضطربا
وجرى الذي ما كان يحسبه
يوماً يكون وطالما حسبا
في توية الخمسين يشغله
وجه ويملأ صدره رغبا

والنتيجة الحتمية للتجربة . . أو ماهي الأشياء التي كانت سبباً في دعم رأيه في المرأة . . لعل أبياتاً ثلاثة نستطيع بواسطتها أن نحدد هذا المفهوم الذي ظل غريباً عن بعض الناس يقول العقاد:


خذي عشيقين مثلي
لا بل خذي الناس طراً
يلقاك هذا بليل
وذاك يلقاك ظهراً
أن تخدعي رب نبل
يخدعك نذلان مكراً

لقد خدع في الحب . . وهو رب نبل ولهذا هدد تلك المحبوبة التي خانته وتكشفت له عن ذواقة لا تحب من أجل الحب وقداسته. وإنما تحب من أجل هوى في النفس، ولهذا قال لها إن خدعتي صاحب نبل وشرف وحب بريء فإن الأنذال الشهوانيين سوف يخدعونك مكراً وحيلة.
هذا في نظري ما تكونت منه آراء العقاد في المرأة . . القراءة والتجربة ولقد أدركنا أثر ذلك في آرائه . . وربما أن التجربة سبقت القراءة لأنه في آرائه السابقة كان قاسياً متحاملاً . . يقول شوقي ضيف (وينبغي أن نخلص في ذلك كله إلى أن العقاد كان عدواً للمرأة في نهضتها المعاصرة).
ومع أن العقاد ضد المرأة . . ومع أنه ضد المطالبين بحقوق المرأة نجده يثني على بعض الكتاب . . ويتهكم في البعض الآخر . . خذ مثلاً قوله في قاسم أمين في كتابه خلاصة اليومية (المرأة المصرية مدينة لقاسم أمين لأنها كانت سجينة فأطلقها وكانت أمة فأعتقها. والأمة المصرية مدينة لقاسم لأنها كانت شلاء فأبرأها من ذلك الشلل الذي أمسك شقها عن الحركة دهوراً وأعواماً. والإنسانية مدينة لقاسم لأنه أنقذها من رق لا تجرأ مصلحة الرقيق على مطاردته).
وهذا القول وإن كان يوحي بداهة بتناقض العقاد إلا أنه يندفع بشيء واحد ذلك أنه لم يكن رجعياً في أسس تفكيره . . أي أنه يقول رأيه بدون أن يكون له ارتباط تبعي في السابقين. ويقول أيضاً عن قاسم أمين في كتابه الكبير (بين الكتب والناس صفيحة 421) (قاسم أمين من رجالنا القلائل) ويقول (من تمام التقدير لقاسم أمين أن نذكره مرة أو مرات لغير تلك المناسبة التي تقترن باسمه على الدوام وهي مناسبة تحرير المرأة فهو أكثر من مصلح وأكثر من قاض: هو مصلح وقاض وفنان).
هذا رأيه في قاسم أمين وهو رأي فيه التقدير والاعظام مع أنه على النقيض حسبما أعرف مع قاسم فهذا يطالب بحرية المرأة وهذا يحارب المرأة ويحمل عليها.
وهناك رآي آخر . . في كاتب آخر. فالذي نعرفه عن الدكتور أحمد أمين بك أنه من المطالبين بحقوق المرأة وهو غير الكاتب المعروف أحمد أمين فهذا مستشار بمحكمة الاستئناف وذاك أستاذ بمدرسة القضاء الشرعي يقول العقاد وقد قرأ مقالاً عن المرأة في كتاب (حياتي) للدكتور أحمد أمين ختمه أمين بقوله (فويل للناس من النساء إذا انتقمن) ويقول (إن العقل أسخف وسيلة للتقاهم مع أكثر من رأيت من السيدات).
يقول العقاد (ثم قرأتها وأنا أعلم رأي الأستاذ في حقوق المرأة فكتبت تعليقاً عليها. لست أكتم الأستاذ أنني شعرت بشيء من الشماتة به حين قرأت قصة تلك المرأة السليطة التي كادت أن تسوقه ظلماً إلى محكمة الجنايات . . وتجددت شماتتي به حين رأيته يقول بعد ذلك عن التفاهم مع السيدات (إن العقل أسخف وسيلة للتفاهم مع أكثر من رأيت من السيدات).
والقصة التي رواها أحمد أمين في كتابه (حياته) لذيذة للغاية فلمن أرادها فليبحث عنها في مضانها.
فالعقاد هناك يسرف الإسراف كله في الثناء على قاسم أمين . . وهو هنا يتشمت ويزيد في الشماتة حين يسمع من يناصر المرأة يحمل عليها ويذمها ويروي عنها بعض قصص التسلط التي وقعت عليها.
يتبع: - حسن الفهد الهويمل

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved