Thursday 7th April,200511879العددالخميس 28 ,صفر 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

جازان.. طلَّان.. عبق المكانجازان.. طلَّان.. عبق المكان
عبدالحفيظ الشمري

الوطن بهي بأهله، ومحبته رمز جميل يدهشنا دائماً، فسيبقى هذا الشموخ حينما تزول كل الأشياء، وسيرقى رغم التحول المنحدر والتبدل المؤذي، فمن المهم أن تتفاعل مثل هذه التأملات، لنعرف أن في الوطن مناطق جذب فاتنة كثيرة.. جبال شامخة، ورامزة لأشياء شجية في الوجدان، ك(طلان)- مثالنا الآن- ذاك الذي يعانق السحاب بشكل مدهش،
فطلان وغيره من الجبال في جهات الوطن جميعها تحتاج منا إلا تعريف أكثر واهتمام أكبر في الخدمات التي ستساعدنا أكثر في الوصل إليه، ليكون مساحة أرحب للجمال الذي تفوق أحياناً مساحات خضراء مترامية في بلاد أخرى.
قد نكتشف وبعد أعوام أن في الوطن أماكن جميلة قصرت يد التواصل عنها وكَبَت هالة التعريف بها كجبل (طلان) قرب جازان.. ذاك الذي يعانق الغيم ويصافح السحب ويشمخ في أرض الوطن، فهاكم بعض مما لديهما من جمال وبهاء:
(إضمامة وجوه رائعة تطالع الزائر الذي يلقي عصا الترحال في (مطار جازان الإقليمي).
جازان قطعة من الوطن، لا تكتشف عذوبتها وبهاءها إلا عندما تصافح الدكتور حسن الحازمي والأستاذ أحمد البهكلي وهما يخضلان للقادم بتراسل ودهما:(أرحبو).
هي أمنية أن تكون في أقصى الوطن إن كنت شمالياً، وأدناه إن كنت جنوبياً، فلا فرق..
هو جازان، صاهل الصيت مكاناً، وذائع العبق كالفل والكادي وداً، والمهيل على رفرفات الأغنية مناهل الشجن الحاني.
في النُزل الهادئ أطلت أكاليل الفل على سواعد الرفاق، ومنها إلى أعناقنا، لَكَم خجلت أعناقنا من فل الجنوب لاسيما ما انتظم على هيئة قلب أبيض.. ومن معابر نُزل (الحياة) حيّانا إبراهيم شحبي وعلى فايع بتحية الجبال الأمعية المحاذية: (مرحبا ألف)، فكانت إلى جوار (أرحبو) جمالا إلى جمال، ومودة أخرى..
الوقت نتواضع عليه في وصف أمسية قصصية، رُتِّب لها بشكل جيد، ليصافح مقيمو الأمسية الوجوه في مسرح النادي، وليقولوا القليل مما تختزنه قرائح هؤلاء الذين يخضلون إبداعاً ويضوعون معرفة، فكنا مع الأستاذين خالد اليوسف وعبدالعزيز الصقعبي كجالبي الشعر إلى جازان، أو التمر إلى هجر.
بعد الأمسية توافد الصحب على المقهى محافظين على تقليد يعكس ولع البعض به..
يظل البعض يجاريهم عليه.. ركن تختلط فيه أصواتهم باصوات الأراجيل، أقوال واستدراكات على الأمسية، لا بأس يا رفاق أن تعزفوا ما تشاءون فإني لكم مصغ حتى نرحل ونأوي إلى نُزلنا على وعد بغداة سنذرع فيها مساحات وطن الفل والكادي، قبل أن نأوي ظل على زعلة وأحمد القاضي يمهدان رؤية البحر بيننا، لنتوه بجمال شاطئ يكاد يغفو على أنغام مويجات هادئة.
****
في صباح متأخر، لا يشبه بكارة الوقت حينما يصعد الجبليون معارج جبالهم صحونا، وظل الحضريون وأشباههم حتى منتصف النهار يسألون عن أشياء في المدينة وعن تفاصيل الأمسية، يتجاذبون خصومتنا حول القصص المقروءة ليل البارحة.. ظل فهد المصبح، ناصر الجاسم وسعد العتيق محتمين في جمال هدوئهم يتهيؤون لرؤية وطن الفل، والشعر.
هُبوا إلى (جبران المالكي).. وهببنا صوب جبال فيفا الساحرة، مروراً بالظبية والعيدابي وصبيا، وقرى وأودية تقاوم سطوة التحول الذي لا يرحم وداعة الماضي وبقاياه، ها هي تجاهد من أجل أن تبقى مسحة ذلك البرء من أسقام الآتي، منعرجات جبل فيفا الصاعدة نحو الغيم تكسوها الخضرة، وتطالع فيه جمال الحياة ونضرتها.
في الظهيرة هبطنا نحو (الدائر)، وحيّانا على الغداء شيخ بني مالك (يحيى الكبيشي)، لنسير معاً صوب جبال طلان، لنصبح جميعاً في ضيافة الغيوم والضباب الفاتن، لتدور بيننا حكايا أهل جازان عن مجد جبلهم الأشم، أرأيتم شموخ جبل تقبل هامته الغيوم؟!، كيف نأتي في معية الرذاذ والعذوبة والبهاء.. ما أجمل أن نلتقي لنتداول في قمة طلان أحاديث كثيرة عن الحب والوطن، حتى هجم الحديث عن (التعدد الزوجي) كذئب علينا، فلم نصل- رغم طراوة الأمثلة وسخونتها- إلى حل لهذا النقاش بيننا.
هبطنا طلان وتركناه يعانق المطر بعد أن أكد لنا وقاره بأنه المجد الباقي لنا، وأنه الرمز العالي في ذواكرنا، فلا خوف علينا طالما أننا ننتمي إلى مثل هذه الجبال والمغاور وبطون الأودية وعلى ضفافها، في الغروب ظل (الدائر) يحافظ على وقاره، بعد تسابيح صلاة المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ظلت أحاديث الشيخ الكبيشي ترتق الفارق بيننا وبين الماضي.
عشية (أحد المسارحة) استقبلنا حسن الحكمي محافظ الشقيق في أحضان مدينته، وبعد عشاء شاركنا فيه الرفاق جميعهم، لذنا بمزرعة تذيع الليالي المقمرة بعض أسرارها.. تداخل الشعر في الغناء فتحركت قرائح الشعراء، الدكتور محمد حبيبي وحسن الصلهبي وسعد العتيق بقصائد جميلة فيما تواضع السمار على أن السرد وأهله أخذوا حقهم فكانت قصيدة أمل دنقل هي المعاضد للشعراء في شعرهم، ولكي تزدان ليلة الخامس عشر من شهر صفر 1426هـ بعذوبة الوجد الشجي شدا الفنان حافظ عطيف بأغان شجية وحزينة، ليدوزن لنا مقدار حبه للأرض، وليكشف للسمار حجم وقار الوطن وجمال أغانيه البيضاء..
جاءت كلمات الشاعر حسن الصلهبي ترسم مقدار ولعه بحب الجنوب الغائر في الوجدان:
(أخاف أقول أحبك
تمطرني غيمة البرتقال
وتتركني في جفاف السنين
رهين السؤال)
ويضيف الشاعر الصلهبي على دندنات (حافظ)، و(العباس) بعض ما قاله في الوطن:


يا موطني أنت في قلبي وأشعاري
حتى وإن باعدتني عنك أقداري
يا موطني في حنايا القلب في ورقي
وفي الدموع وفي أنغام قيثاري

فالشعر والغناء ظل هو العطر الذي يحرك الليل بمودة، لتلوك همم بعضنا خضرة الأشياء الجميلة وعد بأن تخضر دروبنا في ليل جازان البهي، ظل العود يتوارد عذب العزف بين (حافظ) و(العباس).. عوادين رائعين يسكبان نغم الشدو على مسامع الرفاق ليأتي الحديث بين فينة وأخرى محركاً للصمت الذي نحسبه يرنو إلا أنه من ضرورات سمر الليالي التي تنشد الهدوء والتميز في حضرة الليالي المضيئة بالمودة..
(الجمعة) صباحاً تطل وجوه الرجال الرائعين حجاب الحازمي وأحمد البهكلي والدكتور حسن حجاب الحازمي من جديد، يتحسسون مقدار نشوتنا بهذا الجمال الفاتن، وبمقدار ما حبرنا به الرفيقان على زعلة وأحمد القاضي، وبقية الرائعين حولنا من جمال وبهاء لا نستطيع تجسيده أو تحديده.. كبير حب أبي شادن ووفاء (القاضي).. كما البحر بهاؤمها أو يزيد..
وبأكثر مما استقبلنا به تم وداعنا، هجسنا بمحبة لهؤلاء الذين يزينون الوطن بأكاليلهم كل يوم، لماذا لا يبقى جازان في القلب ويبقى أهله في الوجدان؟ هم مناهل الحب والجمال، فلا خوف على بلاد تداوم عليه وتنتجه وتصدره للعالم مثل الفل والكادي والمانجو وأشياء جميلة أخرى).

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved