Wednesday 27th April,200511899العددالاربعاء 18 ,ربيع الاول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "زمان الجزيرة"

13 رجب 1392هـ - الموافق 22 أغسطس 1972م العدد (405)13 رجب 1392هـ - الموافق 22 أغسطس 1972م العدد (405)
كلام عن أمهاتنا
بقلم: عبدالله حسن الأسمري

إليك أيتها الأم الفاضلة في أي مكان وعلى أي ثرى من بلاد الله الواسعة أكتب لك صك اعتراف بجميلك وبالغ جهدك.. لقد سهرت على راحة طفلك وكنت له الحصن الحصين، ومَنْ ينكر فضل أمه أو يجحده فليس من البشر، وأكاد أظلم معظم الحيوانات إن نسبته إليها؛ فمنها ما تعترف وتُعَبِّر بفضل أمها عليها ليس بالكلام فهي لا تنطق، وإنما بالأفعال والأعمال. لقد امتدح القرآن الكريم موقف الأم من طفلها فقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.. نعم نقر ونعترف بأن فضل الأم على طفلها فضل كبير، ويكفي أن تحمله في بطنها قبل الولادة وتحمله على ظهرها وقت التربية بعد الرضاعة، ويتخذ من حجرها مكانا رحبا دافئا أثناء الرضاعة وبعد الفطامة. وفي حديث عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) عندما سُئل عن أولى الناس بالصحبة قال: أمك. قال السائل ثم مَنْ قال: أمك. ثم كرر السائل السؤال، فأجاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) للمرة الثالثة أمك، وفي الرابعة أجاب ثم أبوك. ومن هنا نعرف أن فضل الأم يفوق فضل الأب لأنها ترعى ابنها حنينا ورضيعها وطفلا صغيرا، ومن ثم تأتي رعاية الأب له متأخرة عندما يكون الطفل متهيأ للحياة مستكملا قواه ويملك الدوافع الغريزية التي تساعد الأب في رعاية ابنه وحسن توجيهه.
قلب الأم كبير لا تعرف مساحته ولا تقدر أبعاده.. قلب الأم مدرسة من أكبر المدارس بل جامعة لا تنضب علومها؛ لأن الطفل لا يستغني عن الحنان والعطف والرعاية حتى عندما يبلغ مبلغ الرجال.. وإذا صح المثل القائل (وراء كل عظيم امرأة).. فمَنْ يا تُرى تكون هذه المرأة؟ أيقصد بها الزوجة؟، فالزوجة - مع احترامي لكل الزوجات - لا يعتقد أن يَكُنَّ المعنيات بهذا المثل وهذا النعت؛ نظراً لأن المرء إذا كان عظيما فلابد أن تظهر بوادر عظمته منذ صغره، وعندها لا يزال طفلا صغيراً لا يعرف النساء إلا خيالاً، وربما ينعت وجودهن بأنه لا مبرر لوجودهن بجانب أمه، فهو في تلك اللحظة أثناء فترة صغره لا يحتاج من النساء إلا أمه فقط، فهو معذور على حد عقليته المبكرة التي لا تلبث أن تتطور وتؤمن فيما بعد بضرورة تكافؤ العدد من رجال ونساء في المجتمع. إن الأم مدرسة يتأثر الطفل بها، والطفل في حد ذاته إنما هو صورة دقيقة وأمينة بنفس الوقت ينقل إلى الشارع صورة لما يوجد بمنزله الصغير، فتراه يتكلم بما يسمع في منزله من كلام، وكثيراً جداً تتسرب على لسان الطفل أسرارا منزله الداخلية يتكلم بها بلا تحفُّظ.. وفي هذا يقول المثل الشعبي في الجنوب (تلقى كلامهم مع سفانهم).
يجب على الأم وهي تدرك أن الطفل الصغير كالعجينة بين يديها أن تكون مثالاً حسناً للأخلاق والأمانة، ويجب أن تربي في طفلها كل الصفات الطيبة وأن تجعل من هذا الطفل مشتلا زراعياً خصباً تزرع فيه بالجملة الإيمان بالله وتغرس فيه العقيدة الصادقة وتربي فيه الشجاعة والصدق وتعلمه قدر المستطاع بما يجب عليه حيال ربه ونبيه ودينه ووطنه ومجتمعه حتى تقدم للمجتمع لبنة صالحة قوية تضاف إلى اللبنات الصالحة القوية الأخرى فيقوم بناء المجتمع على أساس سليم لا يبالي بالأعاصير ولا يتأثر بالأباطيل والأقاويل الكاذبة. إن أول ما يفتح الطفل عينيه يجد أمه أمامه، وهذا يدل على أن الأم أقرب جسماً وقلباً بنفس الوقت بالطفل منذ أيامه المبكرة.. وصدق روسو عندما قال: الرجل من صنع المرأة فهي بلا شك تستطيع أن تجعل منه ذلك الرجل العظيم أو ذلك القزم اللئيم، فهي تربيه فيسير على خطواتها.. يقلدها في أعمالها ويتقيد بنصائحها فإذا صلحت صلح، وإذا فسدت فسد.. ومن جملة ما سبق نجد أن الرجل لا يستطيع وحده أن يجعل ابنه رجلاً، فيجب على الأم أن تأخذ نصيبها من ذلك وأن تشعر بمسؤوليتها، مع ملاحظة أنها لن تستطيع أن تعمل شيئاً إلا إذا تعلمت الفضيلة وعظمة النفس. والجميع لا يجهل دور الأم، فليس بالأمر الهين، فدورها مهم جداً في رعاية الأبناء والبنات على السواء، فهذه الأم إذا كانت صالحة فابنها خير من يقدم جيلا صالحا لأمته التي تعتمد في تقدمها على سواعده الفتية.. ومن هنا تظهر أهمية الأم في العمل على تقدم المجتمع ورقيه.. ولقد قرأت في ذيل إحدى المحاضرات، فاتني ذكر عنوانها وقائلها، أن أحد المؤلفين الفرنسيين كتب في أحد مؤلفاته قائلاً إنه انهزم في الجزائر على يد المرأة الجزائرية لا على يد رجالها، وبيّن كلامه بأن المرأة الجزائرية استطاعت أن تصنع جيلا مدربا يجيد الكفاح ويتوقد حماسا ووطنية وحبا لبلاده، والذي فادى بمليون شهيد وجبة رخيصة في سبيل عزة وطنه وليرفع من شأنه ويعلي ذكره كغيره من الأوطان.. ورحم الله حافظ ابراهيم شاعرنا الكبير حين قال:


الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى
شغلت مآثرهم مدى الآفاق
الأم روض ان تعهده الحيا
بالري أورق أيما إيراق

وبجانب هذا كله، فإن الأم خير مأوى لطفلها، يجد في أحضانها السعادة والراحة، ويشعر كما قلت بأنه في عالم لا حدود له.. وصدق شكسبير عندما قال: (لا توجد في العالم وسادة أنعم من حضن الأم، ولا وردة أجمل من ثغرها) تبتسم الأم لطفلها فتذيب جبالا متراكمة من أحزانه، ويشعر لحظة ابتسامة أمه له بأن العالم بأسره من ورائها يضحك له.. ولا جدال فالطفل بابتسامته البريئة عندما يبادل أمه فهي الأخرى تفقد ما في يدها لتستجمع معاني تلك البسمة وترسمها في قلبها لتتذكرها عندما تفقدها من طفلها أو تبتعد عنه مكرها أخاك لا بطل.. وقيل في هذا الشأن: يكون الرجل في كبره كما هيأته أمه في صغره.
من هنا وجب على الأم أن تواصل رسالتها السامية وألا تتقاعس عنها، فقد عودتنا على طول تاريخنا الطويل بأنها مربية الأبطال ومدربة الرواد ومدرسة للأجيال، ولها منا حيال ذلك الاعتراف بهذا الجميل والبر بها كما حثنا رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - وما أجمل أن تقوم الأم بدورها على علم ودراية، فالكثير من الأمهات يحرصن على أطفالهن من غير أن يَكُنَّ متعلمات كالحاصل في عصرنا الماضي.. أما وقد أصبحت الأم متعلمة فهذا مما يجعلنا نستبشر بظهور جيل متعلم من أساسه من القاعدة إلى القمة، ولا شك أن للأم شأنها في إعداد وسائل الاستقلال في الوطن لأنها هي التي ترضع ولدها حب الوطن وحب العمل وحب الحرية، وهي التي تغذيه بمبادئ الشرف واحترام النفس.. وكلمة قصيرة قالها قاسم أمين (الأم تصنع الأمة).. وقال غيره أم الكرام قليلة الأولاد لأنها بلا شك تشعر بعظمة مسؤوليتها في التربية فلا تكثر من الأولاد ولا تهمها الكمية بقدر حُسن الكيفية.. وعلى هذا فإنه خير للأم أن تنظر في شأن منزلها وأطفالها من أن تبحث في أمور لا شأن لها بها.
أعزائي القراء.. إن للأم مزايا لا يمكن أن يحتويها قلب غير قلبها، فهي تؤثر ابنها على نفسها، وتود لو تفنى في سبيل سعادته وراحته، وتدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة، حتى ان هذه المخلوقة لا تلبث أن تتحول إلى لبوة تدافع عن ابنها إذا ما شعرت بيد تحاول أن تمتد إليه بسوء.. إليك يا أمي دمعة حارة أسكبها من بعيد تأسفاً على فراقي إياك، يشاركني في تلك الدمعة أخوة لي يدينون لك بالجميل ويعترفون بجزيل فضلك.. رحمك الله وأبقى لنا والدنا عزاً لنا في غيابك، ونرجو أن يجمعنا الله بدار السعادة الأبدية، ويجمع بنا من أخفى وجهه عنا ستار القدر.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved