Friday 13th May,200511915العددالجمعة 5 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

(المدرسة) عندما تكون (القراءة)!!(المدرسة) عندما تكون (القراءة)!!
خالد بن أحمد الرفاعي

قد لا أكون مبالغا إذا قلت: إن القراءة من أخطر المؤثرات الرئيسة على ذهنية الناشئة في كل الأزمنة والأمكنة والخطورة فيها تأخذ بعدين رئيسين:
البعد الإيجابي.
والبعد السلبي.
حيث إنها تحظى بمكان خالٍ من الذات المستهدفة عندما تكون ناشئة في عرف الفكر أو الجسد، وهو ما يسهل عملية تمكنها منها ومن ثم تفاعلها وربما استنساخها عملياً ..
وإنني لا أستوعب أبداً أن أمة من الأمم يمكن أن ترقى حتى تصل الذروة أو ما هو قريب من الذروة وهي أمة أمية في الفكر تستدبر الريشة والدواة وتستهين بأمر الكتاب ومخرجاته ..
ولو أننا قلّبنا صفحات تاريخنا المشرق لوجدنا أن للقراءة منها مكان الولد من أمه، حباً وحناناً، وإكبارا وإجلالا .. ويكفي أن نستدعي أول آية نزلت في كتابنا الكريم لتصرخ فينا فتبدد سحب رقادنا (اقْرَأ) ولو سرنا قليلا لاستوقفتنا آية أخرى تربط ما بين (القراءة) و(الكرم الرباني) لتمنح القراءة في ذواتنا - نحن المسلمين - بعداً جديداً تفوح منه رائحة السماء حيث يقول تعالى: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ).
وهذا نبينا عليه الصلاة والسلام يقول: (اقرأ وارتق...) ولو أخذنا هاتين اللفظتين من جملة ذلك الحديث لأمكنتانا من أن نقعد عليهما قاعدة حول أهمية القراءة في الإسلام تتجلى في الربط الوثيق بين مفردتي (القراءة) و(الرقي) .. بحيث تكون إحداهما ظلاً للأخرى في السعة أو الضيق .. والوجود أو العدم.
ولنأخذ (أحمد بن حنبل) مثلاً على ماضينا الوردي بوصفه رمزاً إسلامياً علمياً فاعلاً إذ كان يجعل للقراءة ثلثا من جزئه الليلي الذي يقسمه على القراءة والكتابة والصلاة ..
ومثله (الشافعي) حيث تجاوز عثرات مجتمعه المجخي ذي المادة الشحيحة، وأخذ يبتدع طرائق صعبة من أجل أن يقيد صيوده بالحبال الواثقة ... وعداهما كثيرون ...
ولذلك صعدنا - رغم بدائيات حيواتنا - وكان صعودنا عجيباً .. وعجيباً جداً ... ولما تأخرت القراءة في مفاهيمنا - في جملة من (التأخرات) المفزعة التي صنعناها بأيدينا - تأخرنا كيفاً رغم تقدمنا كماً، وأصبحنا عالة على غيرنا (وبات يملكنا شعب ملكناه).
من هنا أرى أن العودة إلى حيث كنا سادة للأمم لا يمكن أن تكون إلا من خلال القراءة ... وليست القراءة فقط .. بل القراءة حينما ترتبط بالمدرسة تربية وتعليماً ونشاطاً ...
تربية على حبها، والشعور بأهميتها في البناء الذاتي، ومن ثم المجتمعي ... وتعليما على طرائقها، وأبجدياتها .. ونشاطا منها وإليها ترصد له الجوائز الثمينة .. وتقام من أجله الاحتفالات البهيجة .. عسى أن تحل القراءة الجادة بوصفها نشاطا جديداً محل النشاط الوهمي أو الخرافي الذي لا يتجاوز حدود النقوش الحائطية، أو الخرق المدلاة من الأسقف المدناة!
وتعزيز القراءة بداية من المدرسة من خلال تلك المحاور الثلاثة كان سبباً فاعلا في تطور المجتمع الغربي، وأخص الولايات المتحدة الأمريكية لأنها فكرت بصوت مرتفع وتساءلت كيف تمكنت روسيا من سبقها في مضمار الفضاء - وذلك بعد أن أطلقت روسيا قمرها الصناعي الأول - وللإجابة على هذا السؤال - الذي يبدو خفيفا في ميزان مجتمعنا - أقيمت الندوات والمؤتمرات، وكتبت مئات المقالات وألفت عشرات الكتب لتكون النتيجة فيما بعد (أن المدرسة الأمريكية قد فشلت في صناعة القراءة لدى الناشئة ...) ومن يومها وأمريكا تركض في مجالات تعزيز القراءة لدى الناشئة حتى نجحت في جعل المدرسة معادلاً موضوعياً للقراءة.
ولإيمان المجتمع الغربي - عامة - بأهمية القراءة في البناء قام بغرس حبها في قلوب أطفاله قبل أن يمارسوها ففي روسيا الاتحادية والدول الإسكندنافية مثلا يبدأ في تعليم القراءة في سن السابعة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوربية يُبدأ في سن السادسة وأما في إنجلترا وإسكتلندا فيسمح للأطفال بالانتظام في البرامج القرائية في سن الخامسة .. وفي بعض الأحايين في الرابعة. وبذلك كسر أولئك الجادون عائق العمر الزمني الذي نتشبث به لإخفاء إخفاقاتنا في مجال التنشئة المعاصرة وأقاموا مقامه ما يمكن أن يسمى العمر العقلي (انظر: محمد سالم، مجلة الفيصل، ع 335).
ومع أن كثيرين منا يدعون إلى الاستفادة من منجز الآخر، إلا أن استفادتنا منه إلى اليوم لم تتجاوز حدود القشور والمظاهر إلى اللب المتناثر هناك في العمق السحيق. وليتنا نستفيد من تلك المجتمعات التي أقرت مصطلح (الاستعداد القرائي للطفل) قبل أكثر من ثمانين عاماً، في حين أنا لم نزل نغرد خارج السرب ... في تربيتنا، وتعليمنا، ونشاطنا ... أو هكذا أظن ..
ومما يجمل بنا أن نعرف أن تقصيرنا في أمر القراءة المدرسية فوت علينا فرصا كثيرة لم نفتأ نمني أنفسنا بظهورها ذلك أن القراءة غذاء أساسي لأمور كثيرة هامة منها: اكتساب الحس اللغوي، وتوسيع الحصيلة المعرفية، وتحمل الصدمات، والمشكلات الشخصية، والقدرة على التخيل وبعد النظر .. وأمور أخرى ... (أنظر: ماري لونهاردت، حب القراءة).
والذي بدا لي - وأرجو ألا أكون مصيباً - أن كل محاولاتنا المدرسية في مواد الإنشاء والأدب بل حتى في مجالات المعرفة والمجتمع ما هي إلا كبصيص من الضياء في صحراوات من العتمة ... إذ كيف يكتب التلميذ خيالا وهو لا يقرأ؟! وكيف يمتلك أدوات التفكير والنظر وهو لا يقرأ؟! وكيف يستطيع توسيع دائرته المعرفية وحسه اللغوي الشفهي والكتابي وهو لا يقرأ ..؟!
إنها الأسئلة التي تحاصرني طويلا - بعد خروجي من فصل إلى آخر - حتى صنعت في ما يمكن أن أسميه باليأس المتفائل من جدوى ما أمارسه في مدرستي من تربية، وتعليم، ونشاط ...
وها أنذا أغلف دعوتي الصادقة للتربويين الجادين - وقليل ما هم - بغلاف الرجاء بأن يصعدوا من هوامش قضايانا إلى متنها، وأن يتتبعوا أقصى أدوائنا علنا نُشفى، وأن يتركوا الرقص على نغمات المظاهر والرسوم. فما كان اليوم رسماً سيكون غداً رمسا، وتبقى صناعة الإنسان متسمة بميسم الحيوان لو كانوا يعلمون.
ومن المعلوم - ضرورة - أن صناعة الإنسان لا تقوم إلا على ركنين أساسيين هما: الإيمان بالمبدأ، والعمل لذلك المبدأ (الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ...) وستكون النتيجة جيلاً قوياً يعمل بعلم .. ويتعلم ليعمل ... ولكي ننقش مبدأً قويماً ومتنامياً في قلوب طلابنا فإننا بحاجة إلى القراءة لأنها الوحيدة من بين أركان العملية التعليمية التي لا تعرف معنى (العطلة). وبتفعيل مفهوم القراءة وطرائقها وغاياتها في نفوس طلابنا سننشىء آلاف المدارس في بلادنا دون الحاجة إلى (طوبة واحدة) وفي النهاية ستكون البداية!!
وتحقيق هذا المطلب الشائق يحتاج إلى معلمين مهرة يدورون مع المعلومة حيث دارت، كما يحتاج - من قبل ومن بعد - إلى وزارة واعية تميز بين من جاء إلى التعليم يحبو، ومن جاء إليه هرولة ... وهي لن تكون كذلك ما دام تميز المعلم في نظرها لا يعدو المثلث الرتيب (حضَر) و(حضر) و(قال: حاضر).
إن القراءة المدرسية أو المدرسة القرائية كلتيهما تحملان في طياتهما معنى الإصلاح التعددي بداية من الذات القارئة، وانتهاء إلى آخر ذات في المجتمع. ويكفي أنها ستسهل لنا الوصول إلى غايات حميدة من نشاطاتنا الآنية كدورة الصحافة، ومسابقتي الخطابة، والبحوث العلمية .. فكل تلك الأنشطة قنوات صغيرة تتفرع من ذلك البحر المهيب (القراءة). فلماذا لا نقصد البحر ونخلي القنوات؟ ونزرع في مدارسنا بذور القراءة الواعية ثم نتركها تنمو على قدر حتى يأذن الله فتنبت لنا من كل زوج بهيج ... خطبةً ومقالة وقصيدة وبحثاً علمياً ... وكل ذلك بيد ناشئة واعدة ...
ثم لو قدر لنا أن ننظر إلى القراءة بعين تربوية ثاقبة لتمكنا من الاستفادة من فرضية ليست عن الحق ببعيدة مؤداها أن القراءة ستساهم في حل عدد من المشاكل التربوية والنفسية في مدارسنا ربما لأن القراءة إذا أخذت طريقها السريع إلى قلب الناشئة فإنها ستجعلهم في منأى عن التأثر بالفضائيات أو - على الأقل - بسيل فضائحياتها الجارف ... ومستندنا في هذا تلك الدراسات التي يضيق بها الرحب والتي توصلت إلى أن القراءة دواء ناجع في القضاء على ثلة من الأدواء الإنسانية .. إنها القراءة ... المشروع الذي لا يعرف الفشل .. والنشاط التعددي الذي لا يعرف الواحدية أو الهيمنة ... إنها القراءة ... طريق العودة إلى الأمام ... ولكن بعد أن يكون شعر تربويينا: المدرسة عندما تكون القراءة!!

الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved