Monday 30th May,200511932العددالأثنين 22 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

شبابنا بين الإفراط والتفريطشبابنا بين الإفراط والتفريط
د. محمد بن علي آل خريف

حينما نتكلم عن الشباب فإننا نتكلم عن ثروة الأمة الحقيقية وعماد قوتها وتقدمها فبالشباب تنهض الأمم وترتقي؛ لأنهم يشكلون زاد مسيرها عبر الحقب والسنين يتوارثون المسؤولية والأمانة في الحفاظ على المكتسبات وتنميتها جيلاً بعد جيل. وإذا أردت معرفة مدى قوة أمة من الأمم ومنعتها وريادتها فانظر إلى حال شبابها ومستواهم الخلقي والمعرفي وتوجههم الحضاري واهتماماتهم وميادين نشاطهم. وابتداء ونحن نعالج هذا الأمر المهم لن نختزله بنفس تشاؤمي ولا بنظرة سوداوية وإلا فقد نساهم من حيث لاندري وبفعل حماس عاطفي واندفاع علاجي في تكريس المشكلة وتعميق جذورها بهزيمة نفسية لا تنفك خطورتها أن تحل بأي أمة تعاني من العجز والتخلف! وإنما نقول: إن من أمتنا وشبابنا على وجه الخصوص خير كثير وقدرات وثابة نحو العمل والإنتاج المثمر يصحبه حماس واندفاع متزايد للمساهمة في رقي الأمة وقوتها فكثير من شبابنا قد جمع بين الحسنيين بالتمسك بالثوابت والقيم سلوكاً وحياة مع الأخذ بأسباب العلم والتقنية فأبدع أيما إبداع وحقق لنفسه ولمجتمعه منجزات رائدة فشارك في البناء والتنمية كخير عنصر بشري في مجتمعه. وهذا الصنف من الأجيال هو الذي ينبغي على محاضننا التربوية أن تسعى لصناعته وتكثير سواده عن طريق البرامج والخطط المتوازنة التي تجمع بين الديني الثابت الشامل وبين الدنيوي المتحرك من أجل بناء شخصية واثقة منسجمة من ذاتها ومع الآخرين مستقرة في نظرتها للأمور بوعي وإدراك دون اضطراب أو تناقض بين السلوك والنظر وفق منهج قويم بين التلقي العلمي والديني والممارسة العملية عن طريق تقدير التخصص وتنميته وفهم الدين بشمولية ووعي. ولكننا مع الأسف إذا نظرنا إلى كثير من مؤسساتنا التربوية ابتداء من المنزل والمسجد وانتهاء بالمؤسسات التعليمية المختلفة نجد أن هذا التصور التربوي الشامل يكاد يكون مفقودا بها. والملاحظ أنه إما أن يغلب التوجيه الديني الضيق الأفق على التوجيه الدنيوي بالتزهيد في الأخير وازدرائه أو يتم التركيز على العلوم المادية دون أدنى ربط بالجوانب الدينية التي تعمق القيم والسلوك وترسخ التوافق القائم بين العلمي والديني في شريعتنا الإسلامية دون أي تعارض أو تناقض.
ينبغي أن ندرك أن ديننا دين للحياة وللآخرة ولا تعارض بينهما فهو بقدر ما يدعو إلى العمل والاستعداد للآخرة فلا تعارض بينهما. وما أتيت الأمة بالضعف والهوان وسيطرة العدو إلا عندما دب فيها الفهم الناقص الذي يكرس التعارض بين هذين الأمرين اللذين يشكلان عماد النهضة والاستخلاف. وحينما كانت الأمة قوية مهابة كان هذا الفهم متلاشيا وضعيفا لا يكاد يرفع به رأس إلا لدى فئة قد استحوذ عيها ورع بارد وزهد منكوس أو عمالة وارتباط خبيث بالعدو المتربص ولكن أثر هذه وتلك بقي ضعيفا إزاء تزايد قوة الأمة ومنعتها. ولكن مع مرور الزمن وتآكل هذه القوة بفعل عوامل داخلية وخارجية ازدهرت هذه المفاهيم الخاطئة التي قد يكون دافع كثير منها دافع تبريري لإيثار الخنوع والدعة والتسليم بالواقع الضعيف فتشربت الأجيال مع مرور الزمن هذه النظرة القاصرة للكون والحياة فساهمت في الإعاقة والتخذيل. لايمكن حل هذه المشكلة بتقليص التعليم الديني أو الحد من أثره بدعوى القضاء على مصادر الغلو وفق دعوة من لا خلاق لهم ممن أصبح صوته صدى لأهداف وسياسات العدو المتربص الذي يكرس الدين في سياساته وتعليمه ومؤسساته بشكل مكثف وغير مسبوق. لأن ذلك سيعمق المشكلة بدل أن يسهم في حلها وسيولد لدينا مشكلات أخطر وأطم نحن في غنى عنها وقد برزت بوادرها ظاهرة للعيان في سلوكيات لفئات من شبابنا رائدها التمرد السلوكي والفكري على كل ما هو سماوي من العقيدة والقيم والثوابت بقصد تحطيمها والتفلت من قيودها حتى أضحى لدينا شباب تائه ضائع فلا دين رعى ولا دنيا حفظ. فخسرته الأمة أيما خسارة وخسرت عليه خسارة مضاعفة حينما أصبح كبئر معطلة لاتسقي الزرع ولا تروي الظمأ بل قد يشكل مصدر ضرر وإيذاء بما يقوم به من أفعال وسلوكيات مخالفة تهدد أمننا الفكري والأخلاقي والاجتماعي ثم إذا اشتد عوده واستعصى على الحل تضاعف خطره وصعب علاجه وقد كان بمقدورنا التدارك يوم كانت المشكلة تحت السيطرة. ينبغي أن تكون مناهجنا وخططنا التربوية مبنية على أسس سليمة بعيدا عن ردات الفعل المتسرعة والمؤثرات الخارجية. فما أحسن ما تكون مسيرتنا إذا توافقت مع واقعنا وانسجمت مع قيمنا وثوابتنا وصنعت على أعين مربينا وحكمائنا المخلصين في جو هادئ ومستقر رائده السير بهذا المجتمع إلى التنمية الشاملة التي تركز جل همها على صناعة الفرد ذي الشخصية المتكاملة التي تجمع بين الديني والدنيوي وفق بوتقة متوافقة منتجة تحقق لهذه المسيرة تكاملاً بين الروحي والمادي وفق ما أراد لنا ربنا وهو خالقنا والعليم بما يصلحنا في دنيانا وأخرانا وما سوى ذلك فهو حرث في بحر وقبض هواء كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. فلنحسن الركض في ميدان فسيح بائن المعالم حتى نصل لأهدافنا السامية بأقرب الطرق وأقل التضحيات والجهود.. والله الموفق.

ص.ب 31886 /الرياض 11418

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved