في صفحة الرأي من العدد (11922) يوم الجمعة 12-4- 1426هـ نشر لي قصيدة عنوانها (أتيتك)؛ سوى أنه ساءني كل مساءة خلوها من الشكل، وقد كنت أرسلتها مشكولة؛ وهذا يوقع القارئ في إلباس، ويجعل القصيدة تحتمل كل وجه من وجوه القراءة؛ سواء أكانت صحيحة أم خاطئة. على أن ما عناني من ذلك كله هو تحريف للفظ من الألفاظ من قبل المشرف على الصفحة؛ إذ كان البيت الأول:
أتيت وخلفي ألف ألف خطيئة أُجرّرُها جر الملاء المذيَّل |
وكنت شكلت (أُجرّرُها) كما ترى؛ ولكن المشرف غيَّرها إلى كلمة لها معنى آخر وهي (أجرجرها) مع أن شكلي لها ينفي شبهة الخطأ الطباعي، ولست أدري أفعل المشرف هذا جهلا بفرق ما بين المعنيين، أم هو استجهال للشاعر؛ إذ كأنما ينكر عليه هذا اللفظ؛ مع أن ما أنكره هو المنكر! وليس هذا التغيير - في رأيي - بالأمر الهيِّن؛ حيث إنه لن يتحمل مسؤولية ما نُشِر إلا أنا وحدي! وأنا مُبيِّن الآن فرق ما بين اللفظين صرفاً ودلالةً: الأول: (جرَّرَ) على زنة (فعَّلَ)، من مزيد الثلاثي، مضعف من (جرَّ) على زنة (فعَلَ) للمبالغة. ومعناه معلوم. الثاني: (جرْجَرَ) على زنة (فعْلَلَ) عند البصريين؛ من مجرد الرباعي. وعلى زنة (فعْفَلَ) عند الخليل وبعض الكوفيين؛ من مزيد الثلاثي. أصله (فعَلَ) فزيد بعد عين الكلمة حرفٌ من جنس فائها، وهذه الزيادة للإلحاق. ولكن من المعلوم أن الزيادة للإلحاق لا تطرد في إفادة معنى، والذي رأيناه (فعْفَل) اطراده في إفادة معنى حصول الفعل مرة بعد مرة؛ ولهذا يكثر فيما كان دالاً على صوت؛ نحو: قوقى وصرصر وجرجر وثرثر، أو كان دالا على اضطراب؛ نحو: زلزل ودمدم. فإن يكن كذلك فهو خارج عن الإلحاق المجرد، ثم لِمَ وجدناهم لم يبتوا على (فعفل) - في الغالب - إلا فيما كان حصول الفعل فيه مرة بعد مرة؟! أو ليس هذا دالاً على اطراده في معاني خاصة؟! ثم ألا ترى أن ليس كل (فعْفل) له فعل من معناه على وزن (فعَّل)، وليس كل (فعل) له فعل من معناه على وزن (فعفَلَ)؛ فتبين إذن أن هذه الصيغة مستقلة غير متفرعة من صيغة أخرى، وأن توافقهما في المعنى أحيانا لعلةٍ نذكرها - إن شاء الله -.والرأي الذي رأيته حسناً سهلاً سليماً - إن شاء الله - من الاعتراض؛ هو أن يكون ما أوله وثالثه من جنس واحد، وثانيه ورابعه من جنس واحد، من الأفعال، سواء فهم معناه بسقوط ثالثه أم لم يفهم - أن يقال: هو على وزن (فعْفَلَ) من الصيغ التي لها معان تختص بها؛ ك(فعَّلَ) و(فاعل) و(أفعلَ) ونحوها، وهذه المعاني هي - مثلا -: 1- الدلالة على حصول الفعل مرة بعد مرة؛ كالدلالة على الصوت؛ نحو: جرجر، ثرثر، صرصر. ولعله مقيس. وكالدلالة على الاضطراب؛ نحو: زلزل، دمدم. 2- يكون أحيانا مرادفا ل(فعَلَ)؛ نحو: دمّ ودمدم. 3- يكون قليلا مرادفا ل(فعَّل) - مضعف العين- ؛ نحو: كرَّر وكَرْكَر. وإنما يجيء على المرادفعة ل(فعَلَ) و(فعَّلَ) - غالبا - فيما يحصل فيه الفعل مرة بعد مرة، وهو مع ذلك يحمل معنى من معاني (فعَّلَ) كالدلالة على المبالغة، أو (فعَل) المتعددة المعاني.وأمَّا معنى (جرجرَ) فيقال: جرجرَ البعيرُ: إذا ردَّد صوتا في حنجرته، وجرجرَ فلانٌ الماء: إذا تجرَّعه جرعاً متتابعاً له صوت.وأيا ما يكن فقد تبين مباينة (جرجر) ل(جرَّر)؛ إذ إن إتيانه بمعنى (فعَلَ) و(فعَّلَ) غير مطرد، وفي هذا رد على من أجاز في (فعّلَ) (فعفل) ك(جرر وجرجر) و(نعش ونعنش)؛ إما بإطلاق؛ كصاحب كتاب (أضواء على لغتنا السمحة) أو بتفصيل؛ كصاحب (تطهير اللغة).
فيصل بن علي المنصور/بريدة |