|
|
انت في
|
أعرض الغزاة قديماً عن الزحف على الجزيرة العربية لكثرة مجاهلها، واتساع صحاريها، وصعوبة تضاريسها، ولقلة ما يمكن أن يعود عليهم من نفع جراء غزوها.. يضاف إلى ذلك أن تلك البيئة القاسية طبعت سكانها بقسوتها وعنفوانها وصلابتها، فأصبح الغزاة يخشون منازلتهم والاصطدام بهم.. وقضى سكان الجزيرة العربية حياتهم قبل الإسلام في الغارات والحروب القبلية، وفيما يشبه العزلة عن العالم الخارجي فجاء الإسلام فوحدهم، وأسس لهم دولة ضمت جميع أقطار الجزيرة العربية قبل موت الرسول الكريم صلى الله عليه عليه وسلم. وبدأت الجزيرة تأخذ مكانة مرموقة في قلوب المسلمين، وفي مسار الحضارة العالمية، وبدأ سكانها يسهمون في صناعة التاريخ بعد أن صقلهم الإسلام، ووحد صفوفهم، وغرس في أنفسهم قيماً رفيعة، وأخلاقاً نبيلة وحملهم أمانة نقل رسالة الإسلام إلى الشعوب والأمم الأخرى.. وبعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم حمل أصحابه الأمانة وبلغوا الرسالة، فحاربوا المرتدين وأعادوهم إلى واحة الإسلام، وبدأوا في مقارعة الفرس والروم وانتصروا في حروبهم ونشروا دعوة الله في الأرض، وبقيت الجزيرة العربية وعاصمتها المدينة المنورة، محور ارتكاز الحضارة العالمية في ذلك الوقت، ومحل إشعاع لنور الإسلام.. واستمرت الجزيرة العربية تقوم بذلك الدور المركزي إلى نهاية خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث انتقل مركز الخلافة إلى دمشق ومن بعدها إلى بغداد ثم إلى أماكن أخرى في الشرق والغرب وفرغت الجزيرة من أبنائها حيث هاجر أعداد كبيرة من سكانها إلى المناطق الجديدة التي دخلت في دين الله، ولم تبق لها من الأهمية الحضارية إلا مكانتها في نفوس المسلمين، وما يقوم به الحجاج والزوار كل عام من زيارة لها لأداء النسك، وما يقوم به المصلون في صلواتهم من استقبال للقبلة.. وما عدا ذلك لم تحظ الجزيرة العربية بعد الخلافة الراشدة بدور قيادي ولم تبن فيها مشروعات حضارية كبيرة مثل تلك التي بنيت في دمشق، وبغداد وقرطبة والقاهرة وسمرقند، واستنبول وغيرها من المدن.. ولم تكن بعد الخلافة الراشدة قبلة لطلبة العلم، ومقصداً للشعراء والأدباء إلا في حالات نادرة وقليلة. |
![]()
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |