Friday 10th June,200511943العددالجمعة 3 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

الجزيرة العربية.. من طرد السكان إلى جذبهمالجزيرة العربية.. من طرد السكان إلى جذبهم
د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني (*)

أعرض الغزاة قديماً عن الزحف على الجزيرة العربية لكثرة مجاهلها، واتساع صحاريها، وصعوبة تضاريسها، ولقلة ما يمكن أن يعود عليهم من نفع جراء غزوها.. يضاف إلى ذلك أن تلك البيئة القاسية طبعت سكانها بقسوتها وعنفوانها وصلابتها، فأصبح الغزاة يخشون منازلتهم والاصطدام بهم.. وقضى سكان الجزيرة العربية حياتهم قبل الإسلام في الغارات والحروب القبلية، وفيما يشبه العزلة عن العالم الخارجي فجاء الإسلام فوحدهم، وأسس لهم دولة ضمت جميع أقطار الجزيرة العربية قبل موت الرسول الكريم صلى الله عليه عليه وسلم. وبدأت الجزيرة تأخذ مكانة مرموقة في قلوب المسلمين، وفي مسار الحضارة العالمية، وبدأ سكانها يسهمون في صناعة التاريخ بعد أن صقلهم الإسلام، ووحد صفوفهم، وغرس في أنفسهم قيماً رفيعة، وأخلاقاً نبيلة وحملهم أمانة نقل رسالة الإسلام إلى الشعوب والأمم الأخرى.. وبعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم حمل أصحابه الأمانة وبلغوا الرسالة، فحاربوا المرتدين وأعادوهم إلى واحة الإسلام، وبدأوا في مقارعة الفرس والروم وانتصروا في حروبهم ونشروا دعوة الله في الأرض، وبقيت الجزيرة العربية وعاصمتها المدينة المنورة، محور ارتكاز الحضارة العالمية في ذلك الوقت، ومحل إشعاع لنور الإسلام.. واستمرت الجزيرة العربية تقوم بذلك الدور المركزي إلى نهاية خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث انتقل مركز الخلافة إلى دمشق ومن بعدها إلى بغداد ثم إلى أماكن أخرى في الشرق والغرب وفرغت الجزيرة من أبنائها حيث هاجر أعداد كبيرة من سكانها إلى المناطق الجديدة التي دخلت في دين الله، ولم تبق لها من الأهمية الحضارية إلا مكانتها في نفوس المسلمين، وما يقوم به الحجاج والزوار كل عام من زيارة لها لأداء النسك، وما يقوم به المصلون في صلواتهم من استقبال للقبلة.. وما عدا ذلك لم تحظ الجزيرة العربية بعد الخلافة الراشدة بدور قيادي ولم تبن فيها مشروعات حضارية كبيرة مثل تلك التي بنيت في دمشق، وبغداد وقرطبة والقاهرة وسمرقند، واستنبول وغيرها من المدن.. ولم تكن بعد الخلافة الراشدة قبلة لطلبة العلم، ومقصداً للشعراء والأدباء إلا في حالات نادرة وقليلة.
بقيت الجزيرة العربية على هذا الحال إلى أن وحد معظم أجزائها الملك عبدالعزيز رحمه الله وتكونت المملكة العربية السعودية تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، واتخذت من القرآن دستوراً ومن الشريعة نظاماً للحكم.. ففتح الله على سكانها بركات من السماء والأرض فعم فيها الأمن والاستقرار، وتفجرت فيها خيرات الأرض، وبنيت فيها الصروح الحضارية العملاقة فالحرمان الشريفان شهدا أكبر توسعة لهما في التاريخ، وبنيت المعاهد والمدارس الجامعات والمستشفيات، والطرق، وغيرها من المنشآت التي يفخر بها كل مواطن.. وبدلاً من أن تكون الجزيرة منطقة طرد للسكان، كما كان حالها بعد الخلافة الراشدة إلى أن وحدها الملك عبدالعزيز رحمه الله، أصبحت منطقة جذب للعاملين.. ففيها الآن أكثر من خمسة ملايين عامل ينتمون إلى أكثر من سبعين دولة، وأصبحت منطقة جذب لطلاب العلم، والباحثين عن الدواء من جميع أقطار العالم وأصبح لها مكانتها العالمية، وأصبح لها وزن وثقل في سياسة العالم، واقتصاده، وأمنه واستقراره، باعتبارها تضم قبلة أكثر من خمس سكان العالم، ويؤمها الملايين كل عام للحج والعمرة والزيارة وهم آمنون مطمئنون على انفسهم وأموالهم وأعراضهم لقد استعادت الجزيرة العربية جزءاً كبيراً من الدور الذي كانت تقوم به خلال عصر صدر الإسلام.. وحق لكل فرد يعيش فيها أن يفخر بهذا الإنجاز وأن يبذل كل ما يستطيع في المحافظة عليه, وحمايته ولله الأمر من قبل ومن بعد.

(*) رئيس مجلس إدراة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
فاكس 01228368

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved