*طهران -رويترز: انهمرت الدموع على وجنتي الرئيس الإيراني محمد خاتمي عندما تقدم لترشيح نفسه لفترة رئاسة ثانية في عام 2001م. وبعد أربع سنوات شهد خلالها وزراءه يعزلون ويسجنون وصحفا ليبرالية تغلق وطلابا مؤيدين للإصلاح يضربون ويسجنون اقتنع الرجل حقا أنه لن يتمكن أبدا من التغلب على مقاومة المتشددين للإصلاح..وهذا ما تبين. وها هو خاتمي (62 عاما) الذي جاء للسلطة بعد أن حقق فوزا ساحقا في عام 1997 وسط موجة من التفاؤل بين ملايين الإيرانيين ينسحب بلباقة وبهدوء من السياسة وبقليل من الحفاوة والثناء على جهوده. ولخصت صحيفة إيران ديلي اليومية الليبرالية ذلك في مقال افتتاحي مؤخرا بقولها (لا شك في أن لخاتمي المحبوب العديد من الانجازات التي تضاف إلى رصيده). لكنها مضت تقول: إنه (بات واضحا أنه (خاتمي) كرئيس فيلسوف ومثالي لا يقدر على أن يتواءم مع سياسات القوة المنافية للأخلاق والقانون). وبينما لم يتأثر النظام السياسي الإيراني بعد ثماني سنوات من جهود خاتمي فقد حدثت تغيرات اجتماعية مهمة وإن كانت محدودة منذ انتخابه في عام 1997 . فقد أصبحت المناقشات السياسية أكثر حرية وأصبح الناس العاديون أقل خوفا من زعمائهم في التعبير عن مطالبهم وأصبح القضاء ووزارة المخابرات خاضعين لقدر أكبر من المساءلة، وتلعب المرأة دورا أكثر نشاطا في المجتمع والاقتصاد. ويتمتع الشبان بشكل خاص بقدر أكبر من الحرية في اختيار ملابسهم والموسيقى التي يستمعون إليها والتفاعل مع الجنس الآخر من الأجيال السابقة. قال سعيد ليلاظ مدير المبيعات في شركة لتصنيع سيارات النقل تديرها الدولة (عندما كنت طالبا كان يتعين على من يتحدث إلى فتاة أن يقف على مسافة عشرة أقدام وأن يتحاشى كلاهما النظر للآخر). واستطرد قائلا (عندما أذهب للجامعات اليوم أرى أولادا وبنات يجلسون معا يتحادثون ويتبادلون الموسيقى، إنه عالم مختلف). وكثيرا ما يقول خاتمي في تواضع شديد: إن أعظم إنجاز له هو أن كثيرا من المتشددين السابقين يتبنون الآن لغة الإصلاح وهي حقيقة أكدتها البرامج الانتخابية لمعظم الطامحين لخوض الانتخابات هذا الشهر. قال المرشح محسن رضائي الذي قاد الحرس الثوري الإيراني المتشدد فيما بين عامي 1981 و1997 لرويترز (أعارض تدخل الدولة في الحياة الخاصة للناس). ومضى يقول (أريد ترسيخ الحريات والديمقراطية في البلاد). وجسد قرار خاتمي المتردد لترشيح نفسه لفترة رئاسة ثانية رغم إحساسه بمصيره الذي ينتظره ما يقول مساعدون مقربون: إنه إحساس بالواجب والتضحية تطور بشدة. لكن حرص خاتمي الشديد على تجنب الصدام خصوصا إذا كان سيؤدي إلى إراقة الدماء كان نقطة ضعف لديه سارع خصومه المتشددون الذين لا يتمتعون بهدوئه لاستغلالها. وعانى عدد لا حصر له من الحلفاء السياسيين والصحفيين والصحف المؤيدة للإصلاح من القضاء المتشدد بينما لم يفعل خاتمي شيئا سوى الشكوى. وقال خاتمي في واحدة من المرات القليلة التي عبر فيها عن غضبه (هؤلاء المتعصبون الساعون للسلطة الذين يتجاهلون مطالب الشعب ويعارضون الإصلاحات مدينون لي، الذين يدمرون صورة إيران في العالم مدينون لي). ولا يستطيع طلاب الجامعات بشكل خاص أن يغفروا لخاتمي تقاعسه عن حمايتهم من الاعتقال والاعتداء خلال المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في 1999 و2002 و2003م. ويتحدث كثير من الإيرانيين الآن عن شعور بالإحباط من خاتمي الذي كان بعيدا عن الأضواء نسبيا كرئيس للمكتبة الوطنية وحقق فوزا عاصفا في انتخابات الرئاسة في عام 1997م قال علي رضا (37 عاما) ويعمل مهندس كمبيوتر (خدعنا وعدنا بالتغيير لكننا أدركنا أنه رجل دين آخر يريد حماية النظام). جتى محمد رضا خاتمي الشقيق الأصغر للرئيس الإيراني والأكثر دفاعا عن الإصلاح انتقد الرئيس هذا الشهر لإذعانه للتلاعب الصارخ في الانتخابات البرلمانية في عام 2004 عندما حرم المتشددون مئات الإصلاحيين من خوض الانتخابات. لكن الإصلاحيين أصبحوا أكثر راديكالية في مطالبهم عندما سرق المحافظون الكثير من شعارات خاتمي في محاولة لرفع شعبيتهم المتدنية. وكثير من الزعماء السياسيين وزعماء الطلبة الذين كانوا يؤيدون رؤية خاتمي للإصلاح التدريجي من الداخل يؤيدون الآن مقاطعة الانتخابات ويصرون على اجراء استفتاء على الدستور لتحدي سلطة رجال الدين غير المنتخبين. ويجمع النظام السياسي الإيراني بين هيئات منتخبة مثل الرئاسة والبرلمان التي يعلوها من حيث المكانة شخصيات دينية تتولى مناصبها بالتعيين مثل الزعيم الإيراني السيد علي خامنئي ومجلس صيانة الدستور. ويقول هؤلاء المشاركون في الانتخابات إنه يجب إصلاح نظام حكم رجال الدين بأسره. قال خاتمي الشقيق الأصغر الذي يخوض الانتخابات مع مرشح الرئاسة مصطفي معين وزير التعليم العالي الأسبق (يتقلص عدد الذين كانوا يعتقدون إنه يمكن لهذا النظام أن يتطور). وأضاف (يعتقد كثيرون أنه لا يمكن أن يتغير هذا النظام من الداخل، ومن ثم فإنه لا بد من تحديد سلطة الهيئات غير المنتخبة). ومن المرجح أن يأمل الرئيس خاتمي وهو ينسحب بهدوء من دائرة الضوء ويعود لكتبه المحببة أن ينتصر مد الإصلاح في النهاية رغم الغموض المحيط بمستقبل إيران السياسي في المدى القريب.
|