تحت عنوان (الصناعة البنكية في دول مجلس التعاون الفرص والتحديات) ألقى الدكتور عبدالله بن إبراهيم القويز سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مملكة البحرين محاضرة أمام المؤتمر السابع للبنوك في دول مجلس التعاون الذي عُقد في مقر معهد الدراسات البنكية التابع لمؤسسة النقد العربي السعودي، وفيما يلي نص المحاضرة: ******* مقدمة عندما بدأت عملي كمسؤول بنكي قبل أكثر من ثماني سنوات تلقيت هدية متواضعة من إحدى الشركات الاستشارية العالمية وكانت عبارة عن بوصلة مثبتة بعلبة صغيرة من الورق المقوى ومكتوب حولها عبارة تقول إن ثلث مسؤولي البنوك في دول مجلس التعاون يعرفون الطريق التي تسلكها بنوكهم. وقد هزتني تلك العبارة بسبب أن الثلثين اللذين لم تشر إليهما لا يعرفون الطريق التي سيسلكونها. هناك أكثر من 210 بنك تعمل في دول المجلس وهذا الرقم يتضمن الوحدات المصرفية، البنوك الإسلامية، والبنوك المتخصصة من ضمنها حوالي 63 بنكاً تجارياً وإسلامياً مركزها الرئيسي في دول مجلس التعاون. خلال العشر سنوات الماضية تتزايد أرباح البنوك الخليجية بمعدلات تتراوح بين 5% إلى 20% سنوياً بينما العائد على مجموع الأصول ينمو بمعدلات تتراوح بين 2% إلى 10% سنوياً. وقد وصل متوسط العائد على حقوق المساهمين إلى ضعف مثيله في أوروبا كما وصل متوسط العائد على مجموع الأصول إلى أربعة أضعاف ما تحصل عليه البنوك الأوروبية. إلا أن السؤال الكبير يظل: هل تستطيع بنوك مجلس التعاون المحافظة على هذه النتائج الجيدة ناهيك عن تحسينها؟ في محاولة للإجابة عن هذا التساؤل سوف ألقي نظرة فاحصة على الصناعة البنكية بشكل عام في دول مجلس التعاون دون أن أدخل في تفاصيل كل سوق على حدة. وسوف أبدأ أولاً بإبراز بعض خصائص الصناعة البنكية وبعد ذلك سأتناول قضايا محددة لها علاقة بالأعمال البنكية بالتجزئة والأعمال البنكية الخاصة بقطاع الأعمال والبنوك الإسلامية وتمويل النشاطات البنكية بشكل عام. الخصائص العامة للصناعة البنكية بدول مجلس التعاون - تعمل البنوك في دول المجلس في إطار اقتصاديات منفتحة وعملات ذات أسعار صرف ثابتة مع عدم وجود أية قيود على أسعار الصرف أو التحويلات. ومعظم دول المجلس تتمتع بتصنيفات ائتمانية جيدة من مؤسسات التصنيف الدولية. كما تتمتع الجهات الرقابية بدول المجلس باحترافية عالية وتطبق أحدث القواعد الإشرافية الدولية. كما أن معظم البنوك في دول المجلس لن تصادفها أية صعوبة للوفاء بمتطلبات قواعد بازل الثانية فيما يخص كفاية رأس المال. وتتمتع معظم هذه البنوك بتصنيفات تدعو للإعجاب من قبل مؤسسات التصنيف الدولية. كما أن لدى هذه البنوك مستوى مقبول من أنظمة وأجهزة حديثة لتقنية المعلومات. - وعند النظر إلى إمكانيات التوسع في تقديم المزيد من الخدمات للعملاء والقدرة الاستيعابية لاقتصاد دول المجلس لمزيد من الخدمات البنكية، فإنه يمكن القول بأنه لا يزال هناك مجال رحب للتوسع، فعلى سبيل المثال توجد أعلى نسبة لمجموع الأصول إلى مجموع الناتج المحلس الإجمالي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تبلغ 128 كما توجد أقل نسبة في سلطنة عمان حيث تبلغ 68.5. ويمكن مقارنة هاتين النسبتين مع مثيلاتها في كل من بريطانيا، حيث تبلغ 178، وفي فرنسا حيث تبلغ 245. من جهة أخرى فإن أعلى نسبة لمجموع القروض منسوبة إلى الناتج المحلي الإجمالي توجد في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث وصل إلى 72 كما أن أقل نسبة موجودة في المملكة العربية السعودية حيث بلغت 27 (وبمتوسط للدول الست مقداره 51) يمكن مقارنة هذه الأرقام مع مثيلاتها في كل من المملكة المتحدة 123 وفرنسا 148. إن هذه الأرقام تظهر أنه لا يزال هناك مجال واسع لتقديم المزيد من الخدمات البنكية في دول مجلس التعاون. - معظم البنوك في دول مجلس التعاون تركز عملياتها على السوق المحلية الموجودة فيها. وأغلبها ليست لديها أية إستراتيجية واضحة ومنسجمة تجاه العمل في المنطقة ككل أو التوسع عالمياً، ويُستثنى من ذلك بعض الوحدات المصرفية في مملكة البحرين. - جميع البنوك في دول مجلس التعاون صغيرة بالمعدلات العالمية. فمجموع الأصول لكل بنوك مجلس التعاون لا يصل إلى 400 بليون دولار، ومجموع رؤوس أموال هذه البنوك لا يتعدى 50 بليون دولار. وإذا أخذنا في الاعتبار عدد السكان ومجموع الناتج المحلي لدول المجلس يمكن الاستنتاج أن هذه الأرقام لا تزال متواضعة، أخذاً في الاعتبار مثيلاتها في الدول المتطورة حيث لا توازي أصول ورأسمال بنك دولي رئيسي واحد. - عدد لا بأس به من البنوك الكبيرة في مجلس التعاون، إما مملوك للحكومة أو تسيطر عليه الحكومة لذلك نجد أن أكثر الأعمال الحكومية توجه لهذه البنوك. - معظم البنوك في مجلس التعاون بدأت عملها بتقديم الخدمات البنكية التجارية العادية ثم وسعت هذه الخدمات جزئياً لتشمل الأعمال البنكية بالتجزئة والأعمال البنكية الإسلامية. - ونظراً لصغر حجم هذه البنوك ومحدودية إمكانياتها وعدم دخولها في مجال الاستثمار البنكي، فإن قدرة هذه البنوك على الدخول في تمويل المشاريع الكبيرة في المنطقة ما زالت محدودة. القضايا المحددة التي تواجهها الصناعة البنكية في دول مجلس التعاون في هذا الجزء سوف أركز على قضايا محددة تواجهها الصناعة البنكية في مجالات الخدمة البنكية بالتجزئة (للأفراد)، وتوفير الخدمة البنكية للأعمال والصناعة البنكية الإسلامية، وتمويل الأنشطة البنكية بدول مجلس التعاون. و لن أتناول أي من الاستثمار البنكي وإدارة الاستثمار لأن نشاط البنوك الخليجية في هذين المجالين لا يزال محدوداً. أ) الخدمة البنكية بالتجزئة (للأفراد) Retail : في مسقط رأسي يعمل عدد من أقاربي في مجال توفير التمويل (الدين) لطالبيه منذ عقود طويلة حيث يقدمون القروض لمن يتأهل لذلك، وفي زيارتي الأخيرة لبلدتي سألت بعضهم عن نشاطهم فاشتكوا بحسرة منافسة فروع البنوك التجارية الموجودة في البلدة إلى درجة أن بعضهم بدأ يبحث عن عمل آخر. عندها أدركت أن البنوك الوطنية بدأت تلامس الحياة اليومية للمواطنين. أصبحت الخدمة البنكية بالتجزئة تنمو بسرعة هائلة في دول مجلس التعاون حيث يقدر هذا النمو في حدود 20% سنوياً. وبما أن معدل نمو السكان في دول مجلس التعاون هو في حدود 3.5 وهو واحد من أعلى نسب النمو السكاني في العالم وحيث أن أكثر من 60% من السكان هو دون العشرين عاماً، فإن المتوقع أن يستمر نمو الخدمات البنكية بالتجزئة خصوصاً عندما يصاحب ذلك تسارع في النمو الاقتصادي. إن هذا التطور في الأعمال البنكية في الخليج تجاه الأفراد (التجزئة) ظاهرة ينبغي الترحيب بها للأسباب التالية: * ساهم في تنويع الخدمات البنكية. * يعتبر مصدراً قوياً لتنويع الدخل للبنوك. * ساهم في زيادة ربحية البنوك. * خفف تذبذبات الدخل الناتج عن النشاطات البنكية الموجهة للأعمال. * برهن على أنه مصدر إضافي لعمليات التمويل البنكية. * إنه يوفر عائداً بمخاطر أقل طالما أن البنوك تركز في إقراضها على الموظفين ذوي الدخل العالي نسبياً. ومع ذلك فإن هناك عدداً من المخاطر ينبغي أخذها في الحسبان ومنها: 1 - قد تتسبب شدة المنافسة بين البنوك على هذا النوع من النشاط إلى إقراض ذوي المرتبات المنخفضة أو من ليست لديهم مرتبات في الوقت الذي ليس لدى البنوك معلومات كافية حول هؤلاء المقترضين أو ليست لديها الخبرات الفنية لتحليل مثل هذا النوع من المخاطر. 2 - قد تتعرض سوق الأسهم أو سوق العقارات إلى هزات مما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الأصول التي تم على أساسها تقديم القروض. 3 - وهناك مخاطر إضافية قد تنشأ مستقبلاً بسبب عدم مواءمة توقيت القروض مع مدد الودائع. وعليه فإن المقترح هو اتخاذ عدد من الخطوات من قبل البنوك والجهات الرسمية المسؤولة عن النشاط الاقتصادي في دول المجلس للتغلب على هذه المخاطر وتشجيع البنوك على المزيد من التوسع في مجال الخدمات البنكية بالتجزئة مثل: 1 - تقوية القواعد والإجراءات القانونية ذات العلاقة بهذا النشاط خصوصاً في المملكة العربية السعودية. 2 - توسع البنوك في مجالات الإقراض العقاري بعد حل الجانب القانوني الخاص بالرهن العقاري وبالتعاون مع مؤسسات الإقراض التي أنشأتها الحكومات لهذا الغرض وذلك لكي تشارك البنوك في تحمل المخاطر. 3 - الدخول في مجالات جديدة مثل التأمين. 4 - إنشاء المكاتب المركزية الخاصة بجمع المعلومات حول ملاءة المقترضين. 5 - ومن الأهمية بمكان أن تكون البنوك العاملة في مجلس التعاون مستعدة لمنافسة البنوك الأجنبية عندما يسمح لها تقديم الخدمات البنكية بالتجزئة. ب) الخدمات البنكية لقطاع الأعمال: تعتبر خدمات البنوك لقطاع الأعمال هي المجال الذي بدأت فيه هذه البنوك نشاطها في المنطقة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تباطؤاً في هذا النشاط وصلت نسبة النمو فيه في بعض الدول إلى أقل من 4% وفي دول أخرى كان سالباً. وأحد أسباب هذا التباطؤ هو المنافسة الحادة التي دفعت العائد إلى مستويات منخفضة وصلت إلى 25 نقطة فوق سعر الفائدة فيما بين البنوك (Libor) ومددت فترات القروض إلى مستويات وصلت إلى 20 سنة. وقد ساهمت البنوك في المنطقة إضافة إلى البنوك الدولية في احتدام هذه المنافسة حيث إن اقتصاديات دول المجلس تعتبر مفتوحة والبنوك الدولية تسعى لتنويع المخاطر الإقليمية لأصولها. وهناك عدد من التحديات تواجه الخدمات البنكية لقطاع الأعمال من ضمنها ما يلي: 1 - يعتبر حجم البنوك في دول المجلس أحد القيود الرئيسية التي تحول دون توسعها في مجال هذه الخدمات حيث إن البنوك ما زالت صغيرة ما عدا بعض البنوك السعودية. 2 - طالما أن الوحدات المصرفية في البحرين ليست لديها سوق محلية في مجال الخدمات البنكية بالتجزئة، فإنها تبذل جهوداً إضافية لاقتناص الفرص المتاحة في مجال قطاع الأعمال. 3 - بعض الجهات الرقابية تفرض قيوداً كمية على البنوك في مجال الإقراض لقطاع الأعمال ففي إحدى دول مجلس التعاون لا يستطيع أي بنك أن يقرض لعميل واحد أكثر من 2.5% من رأسماله. 4 - وهنا تحدٍ إضافي آخر قد لا يكون مقصوراً على قطاع الأعمال لكنه قد يصبح أكثر إزعاجاً في المستقبل وهو عدم الانسجام من حيث التوقيت بين القروض والودائع. وهذه الظاهرة قد تخلق مشكلة تمويل سأتناولها لاحقاً. النتيجة المرة التي يمكن الخروج بها من هذا الاستعراض هي أن ترتيب تمويل المشاريع الكبيرة يذهب إلى البنوك الدولية التي تقوم بدورها بدعوة البنوك المحلية للمشاركة بالصفقة كممولين. أي أن الرسوم لترتيب هذه القروض تذهب إلى البنوك الدولية بينما التمويل ذاته مع أخطاره تتحملها البنوك المحلية. بالرغم مما ذكر أعلاه إلا أن دول المجلس لا تزال تزخر بالفرص المغرية في مجال الخدمات البنكية لقطاع الأعمال: 1 - فالمنطقة تتمتع باستقرار سياسي ومعظم دول المجلس لديها تصنيف استثماري جيد من مؤسسات التصنيف الدولية. 2 - التحسن الذي تشهده حالياً سوق البترول. 3 - جميع دول المجلس تنفذ حالياً برامج طموحة للإصلاح الاقتصادي وتقوم بتخصيص العديد من الهيئات الإنتاجية والخدمية. 4 - لا تزال المنطقة تخطط لإنشاء العديد من المشاريع الكبيرة التي تتطلب التمويل، فقد قدرت مجلة ميد احتياجات تمويل المشاريع الكبيرة لهذا العام بما يصل إلى 45 بليون دولار (كما أن البنك الأهلي التجاري السعودي يقدر المشاريع الكبيرة التي ستنفذها دول المنطقة خلال الخمس سنوات القادمة بـ 235 بليون دولار). 5 - بروز أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة حيث إن لدى البنوك الحلية خبرة في التعامل معها. وهذا النوع من النشاط مدعوم بشكل جيد من حكومات المنطقة حيث يؤكد المخططون أن هذا النشاط يحظى بأولوية خاصة من قبل الحكومات، بل أكثر من ذلك عمدت حكومة المملكة العربية السعودية إلى تخصيص مبالغ من ميزانية الدولة لتشجيع هذا القطاع. 6 - طالما أن بنوك الاستثمار لا تزال تجربة حديثة ومحدودة في كل دول المجلس، فإن هناك مجالاً كبيراً أمام دول المنطقة لاقتحام هذا النشاط الذي سيساهم في حال تطويره لجعل جزء مهم من دخول البنوك يأتي من الرسوم بدل الفوائد. ج) الصناعة البنكية الإسلامية: هل البنوك الإسلامية وجدت لتبقى وهل تشكل فرصةً أمام بقية الصناعة البنكية في المنطقة أم تهديداً لها؟ قبل تناول هذين السؤالين يمكن التمعن ببعض الأرقام. يقدر مجموع أصول البنوك الإسلامية في جميع أنحاء العالم بـ 250 بليون دولار (عام 2005م) وهذه الأصول تنمو بمعدل 15% سنوياً. ويوجد حوالي 25% من هذه الأصول بدول مجلس التعاون وهي تنمو بدورها بمعدل 10% سنوياً وتغطي هذه الأصول الخليجية بحوالي 4 بلايين دولار كرؤوس أموال. وتذهب التقديرات المحافظة إلى أن حوالي 15% من أصول البنوك السعودية تعود للعمليات البنكية الإسلامية، وتقل هذه النسبة نوعاً ما في بقية دول المجلس. يمكن تلخيص السمات الرئيسية للعمليات المصرفية الإسلامية بدول المجلس بما يلي: 1 - تعتبر ربحيتها أعلى من البنوك التقليدي وبعض أسباب ذلك هي رخص التمويل ودخولها في مجال الإقراض الإستهلاكي، كما أن أرباحها أقل تذبذباً من أرباح البنوك التقليدية. 2 - حصولها على ودائع رخيصة ومستقرة، كما يعد زبائنها أكثر ولاءً. 3 - تعتبر البنوك الإسلامية عادة صغيرة بحيث لا تستطيع المنافسة مع البنوك الدولية الرئيسية. كما أن البنوك الإسلامية تواجه عدداً من التحديات التي لا بد من معالجتها: 1 - تشتمل الأصول في دفاترها على نسبة كبيرة من العقار التي قد لا يسهل تسييلها عند الحاجة. 2 - إن المنتجات البنكية التي تعرضها البنوك الإسلامية هي صورة مشابهة لتلك التي تقدمها البنوك التقليدية لكن تم عرضها بعد حين، ولكن ليست هناك منتجات إسلامية جديدة بالمعنى الحرفي للكلمة. 3 - حيث إن البنوك الإسلامية حديثة النشأة فإنها لم تخضع لاختبار لمدى قدرتها على التعامل مع أية أزمة مالية قد تحدث. 4 - على البنوك الإسلامية أن تراعي عدداً من الجوانب المهمة التي ما زالت محل تساؤل مثل عمليات الإفصاح وفق الأسس المتعارف عليها في البنوك التقليدية وطريقة عرض الحسابات وتطوير أدوات وقواعد الرقابة من قبل الجهات الإشرافية. لقد استجابت كل من البنوك الخليجية والبنوك الأجنبية العاملة في الخليج للرغبات التي أبداها زبائنها تجاه تفضيلهم للعمليات البنكية الإسلامية وذلك بتغيير نوعية بعض الرخص البنكية إلى إسلامية، أو بإنشاء شركات تابعة تعمل وفقاً للشريعة الإسلامية أو بتحويل بعض فروعها إلى فروع إسلامية، أو بفتح نوافذ تعمل وفقاً للشريعة الإسلامية. كما أنشأت صناديق استثمار إسلامية وفقاً لرغبات هؤلاء الزبائن وعليه يمكننا الاستنتاج دون تردد أن العمليات البنكية الإسلامية وجدت لتبقى وأن البنوك العاملة في المنطقة يجب أن تتعامل معها بكل إيجابية على اعتبار أنها تمثل فرصة سانحة جديدة لمزيد من تنويع الخدمات البنكية. د) تمويل النشاطات البنكية: تذهب التقديرات إلى أن ما بين 30% إلى 40% من الودائع لدى بنوك الخليج لا يتقاضى مودعوها أية فوائد مقابل إيداعها وأن هذه النسبة ظلت مستقرة لمدة طويلة. فلم تتغير مع تغير الظروف ولا مع زيادة المنافسة ولا مع تقديم المزيد من الخدمات المتطورة. فهناك أعداد كبيرة من زبائن البنوك في دول المجلس يعزفون عن أخذ الفوائد لأسباب دينية، وتشهد أسواق دول المجلس هذه الأيام زيادة في السيولة بسبب زيادة الدخول راء تحسن السوق البترولية. كما أن معدلات سعر الفائدة منخفضة ومستقرة نظراً لأن جميع عملات دول المجلس مربوطة بالدولار الأمريكي. إلا أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر لعدة أسباب: أولها أن أسعار الفائدة بدأت بالصعود، وثانيها أن المنافسة وتقديم المزيد من الخدمات المتطورة والمنسجمة مع الشريعة الإسلامية لاستغلال واستثمار السيولة، ستؤدي إلى تخفيض الودائع بدون فوائد، وثالثها أن التجارب السابقة علمتنا أن السيولة الناتجة عن تصدير مادة خام مثل البترول هي بطبيعتها متذبذبة وتعتمد على عوامل خارجية لا تخضع لسلطة الدولة المصدرة. وبالإضافة إلى ذلك فإن التوسع في تقديم المزيد من القروض الاستهلاكية وزيادة نشاط البنوك الخليجية في مجال تمويل المشاريع ستساهم جميعها في بروز وتفاعل مشكلة عدم المواءمة بين الودائع وبين القروض من حيث التوقيت. وهذا الوضع يتطلب اللجوء إلى أدوات تمويل طويلة الأمد ومبرمجة. وقد لجأت إلى ذلك بعض بنوك المنطقة في كل من البحرين ولبنان واكتسبت خبرة لا يستهان بها في هذا المجال. ويجب النظر إلى هذا النوع من التمويل على أنه مساعد وليس منافساً للتمويل عن طريق الودائع التي لا يتقاضى مودعوها فوائد. وهناك أربعة مصادر يمكن اللجوء إليها لتوفير المزيد من التمويل: 1 - تشجيع الودائع الإسلامية عن طريق تقديم المزيد من الطرق المتطورة والمبتكرة مثل ما عرضته بعض البنوك البحرينية على هيئة (حسابات الاستثمار المعتمدة على المشاركة في الأرباح) أو إصدار الصكوك الإسلامية. 2 - إصدار سندات دين طويلة الأجل في الأسواق المحلية وخصوصاً في المملكة العربية السعودية بعدما توضحت الصورة بالنسبة للجوانب القانونية والمؤسسية نتيجة لإنشاء هيئة السوق المالية الجديدة. 3 - رهن بعض أصول البنوك (مثل الديون) للحصول على التمويل أو إصدار أدوات استثمار مدعومة بأصول البنوك للحصول على التمويل. 4 - اللجوء إلى السوق الدولية. ومع أن هذا الطريق عادة عالي التكاليف إلا أنه ضروري لكي تتمكن البنوك المحلية من إيجاد سابقة يمكن اللجوء إليها في الأيام الصعبة. ملاحظات ختامية من المتوقع أن تزداد خطوات التكامل بين دول المجلس وأن تصبح السوق الخليجية أكثر ارتباطاً ببعضها بعد أن تتعزز خطوات الاتحاد الجمركي وبعد أن تصبح الوحدة النقدية حقيقة واقعة في عام 2010م. كما يتوقع أن تصبح اقتصاديات دول المجلس أكثر انفتاحاً عند دخول جميع دوله منظمة التجارة العالمية وباستقراء الظروف التي مرت بها التجمعات الاقتصادية الأخرى مثل أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وبدرجة مختلفة الاتحاد الأوروبي، يمكن القول بأن البنوك الخليجية مقبلة على تطورات هامة ستجلب معها فرصاً جيدة. وقد برهنت التجارب السابقة أن هذه البنوك على استعداد لمواجهة هذه التطورات والاستفادة من هذه الفرص. فالبنوك في دول المجلس تتطور مع الزمن وتطبق أحدث المفاهيم البنكية وتقدم منتجات جديدة، إلا أن التحدي كبير للغاية يتمثل في المحافظة على المستويات الحالية من الأرباح، التي تعتبر عالية حسب المعدلات الدولية. وهذا لن يتحقق إلا بالمزيد من الاقتراب للزبائن عن طريق تصميم وتقديم المزيد من المنتجات البنكية المتطورة. وعليه فإن المتوقع أن تشهد المرحلة التالية من مراحل نمو النشاط البنكي في دول مجلس التعاون عدداً من التطورات منها: - مزيد من التطوير والتنسيق والتكامل بين أجهزة الإشراف والرقابة على البنوك بدول المجلس. - مزيد من التكامل والتعاون داخل السوق البنكية الخليجية بما في ذلك بعض الاندماجات والشراء لبعض البنوك الصغيرة من قبل البنوك الكبيرة والمزيد من امتداد أنشطة هذه البنوك من السوق الوطنية إلى السوق الإقليمية. - البروز التدريجي للبنوك المتخصصة. - المزيد من دخول البنوك الدولية لأسواق دول مجلس التعاون بما في ذلك الأنشطة البنكية بالتجزئة. - المزيد من وعي الزبائن ومطالبتهم بمنتجات بنكية أكثر تطوراً. - المزيد من تطور الأسواق المالية الوطنية والإقليمية بما سيتيح للبنوك التحول تدريجياً من مؤسسات توفر القروض إلى بيوت خبرة تقدم النصائح المالية لزبائنها وبالتالي تصبح دخولها معتمدة على رسوم هذه الخدمات بمخاطرة أقول وليس على القروض المعتمدة على استغلال الفرق في أسعار الفائدة ذات المخاطر العالية.
|