Friday 10th June,200511943العددالجمعة 3 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "أفاق اسلامية"

د.سعد البريك في حوارات تنشرها ( الجزيرة ).. (1)د.سعد البريك في حوارات تنشرها ( الجزيرة ).. (1)
الحسبة صمّام الأمان الذي تستقيم معه الحياة .. وبه يتحقَّق الأمن والسلام

* حوار : محمد بن إبراهيم السبر
في حوارات متعدِّدة مع فضيلة الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك ننشرها في صفحة الرسالة، يتحدث فيها فضيلته عن الحسبة والاحتساب والدعوة إلى الله والقضايا المعاصرة، وكذلك توجيهات فضيلته الاجتماعية والدعويَّة .. حيث يتحدث فضيلته في هذا اللقاء عن (الحسبة وكونها ضرورة بشريَّة، وعن أثر الاحتساب على الأفراد والمجتمعات، وأنّه لا يتعارض مع الحريات، وأهمية الحوار للمحتسب وظاهرة الشائعات وتواصل الهيئة مع الناس).
وفضيلة - ضيفنا - عَلَمٌ واسم غني عن التعريف، فهو داعية إسلامي وخطيب عصامي ووجه إعلامي، وقد كشفت أطروحاته عن فكر ثاقب ومنهج متَّزن، مما أوجد للشيخ قبولاً وصدى، خاصة لدى شريحة الشباب.
وحرصاً على الاستفادة من علم الشيخ، فإنّ صفحة الرسالة يسعدها أن تستضيف على صفحاتها الشيخ سعد البريك طارحة بعض التساؤلات في الحسبة وما يتعلق بها .. فإلى الحوار
********
ضرورة بشريَّة
* فضيلة الشيخ .. بداية ما أهمية الحسبة ومكانتها في الدين؟
- الحسبة صمّام الأمان الذي تستقيم معه حياة الفرد والمجتمع، وبه يتحقق الأمن والسلام بين الناس، فضلاً عن نزول البركات من السماء والأرض لامتثال أمر الله تبارك وتعالى، وقلّة الخبث في المجتمع وكثرة الصالحين.
والحسبة ضرورة بشريّة وحاجة إنسانية، فلا بد للإنسان من أمر ونهي، ولا بد أن يأمر وينهى حتى لو أنّه لوحده لكان يأمر نفسه وينهاها.
وهي من أخص خصائص هذه الأُمَّة .. قال تعالى: { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} بل هي الواجب كما في قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه: (من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فقلبه، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) .. رواه مسلم.
وقد أوضح الله جلّ وعلا في كتابه العظيم منزلتها في الإسلام، حتى إنّه سبحانه قدّمها في بعض الآيات على الإيمان، الذي هو أصل الدين وأساس الإسلام، كما في قوله تعالى: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} وسر هذا التقديم هو عِظم شأن هذا الواجب، وما يترتب عليه من المصالح العظيمة العامة، ولا سيما في هذا العصر، فإنّ حاجة المسلمين وضرورتهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شديدة؛ لظهور المعاصي، وانتشار الخبث وشيوع المنكرات.
أثر الاحتساب
* هل بالإمكان بيان أثر الاحتساب على الفرد والمجتمع؟
- أمّا بالنسبة للفرد، فإنّ الاحتساب من أسباب تكفير الذنوب، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (فتنة الرجل في أهله وما له ونفسه وولده وجاره، يكفِّرها الصيام والصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .. رواه مسلم وابن أبي شيبة في المصنف.
وأمّا بالنسبة للمجتمع: فبتحقيقه والقيام به تصلح الأُمَّة ويكثر فيه الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر، وبإضاعته تكون العواقب الوخيمة والكوارث العظيمة والشرور الكثيرة، وتتفرق الأُمَّة وتقسو القلوب وتظهر الرذائل وتنتشر، ويعلو صوت الباطل ويفشو المنكر .. وفي الاحتساب إعذار للأُمَّة أمام الله: {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وفيه حفظ للضرورات الخمس: (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) .. كما أنّ ترك الاحتساب (النهي عن المنكر) يؤدي إلى أمر خطيرة منها:
أولاً: وقوع الهلاك والعذاب، عن عبيد الله بن جرير قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يعمل بينهم بالمعاصي هم أعز وأكثر من يعملونه، ثم لا يغيِّرونه إلاّ عمَّهم الله بعقاب) .. أخرجه أحمد وأبو داود وهو صحيح.
ثانياً: عدم إجابة الدعاء، قالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم).
ثالثا: تسلُّط الفسّاق والفجّار والكفار وتزيين المعاصي وشيوع المنكر واستمراؤه.
رابعاً: انتشار الجهل وقلة العلم.
الحرية والحسبة
* ما تعليقكم على من يقول بأنّ تطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخُّل في الحريات الشخصية؟ ولماذا؟
- تطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس تدخُّلاً في الحريات الشخصية، بل إنّه قيام بالواجب الذي يحقق أمن وسلامة وعافية المجتمع كله، ومن المعلوم لدى العقلاء أنّ حريتك تنتهي حيث تبدأ حقوق الآخرين، فالأمر يتعلق بالمجتمع كلِّه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلاّ فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) .. رواه ابن ماجة والبزار والبيهقي واللفظ له. ولقد أخبر الإمام أحمد عمر بن صالح بمثل ذلك. قال عمر بن صالح: قال لي أبو عبدالله - يعني الإمام أحمد -: يا أبا حفص يأتي على الناس زمان المؤمن بينهم مثل الجيفة، ويكون المنافق يشار إليه بالأصابع، فقلت: وكيف يشار إلى المنافق بالأصابع؟ قال: صيَّروا أمر الله عز وجل - يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - فضولاً. قال: المؤمن إذا رأى أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر لم يصبر حتى يأمر وينهى، فقالوا: هذا فضول. قال: والمنافق كل شيء يراه، قال بيده على أنفه، فيقال: نِعْمَ، الرجل ليس بينه وبين الفضول عمل. وكلُّنا نعلم أنّ كلَّ الدول صغيرها وكبيرها والقوية والضعيفة لا تسمح لحريات الأفراد أن تمس النظام العام ومصالح الدولة العليا، مهما كانت هذه الدولة تغالي في مسألة الحريات وتعظمها، فالحريات الشخصية تقف عن حدود مصلحة الأُمَّة والمجتمع، وكذلك الشأن في الإسلام فلا وجود لحرية تهدد مصير الأُمَّة والبلاد والعباد.
إنّ ما دفع هؤلاء لاعتبار الحسبة تدخُّلاً في الحريات هو الغلو المقيت والمبالغة الخاطئة في مفهوم الحرية الشخصية والخصوصية الفردية في مقابل حق الجماعة ودور المجتمع .. لقد جربت بعض الدول الحرية بكلِّ أشكالها؛ وكانت النتيجة التي انتهت إليها غالبيتهم ولا زالوا ينحدرون فيها؛ أن تفككت المجتمعات على نحو مخيف وذابت الأُسر بشكل مروع وذهب رونق الحياة ونضارتها وسوف تعصف بكل الجهود الكبيرة التي تبنى بها الحضارات ويقوم عليها بناء الأمم.
سلاح الحوار
* ما من شك أنّ لغة التخاطب وطريقة الحوار من أسلحة المحتسب، فماذا يحتاج المحتسب في لغته وحواره ليحقق رسالته؟
- الرفق والحلم .. فالمحتسب ليس فظّاً ولا غليظاً بل غايته نصح الناس لترك المنكر، لذا وجب عليه أن يأخذهم بالرفق والحلم، قال صلى الله عليه وسلم: (إنّ الرفق لا يكون في شيء إلاّ زانه، ولا نُزع من شيء إلاّ شانه) .. وقال تعالى واصفاً رسوله صلى الله عليه وسلم: { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }وقال تعالى آمراً موسى وهارون لمّا بعثهما إلى الطاغية فرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، فإذا كان الله تعالى قد أمر باللين مع فرعون فغيره أولى وأحرى. وهكذا فالمحتسب يأمر وينهى بالرفق والموعظة الحسنة، كأن يقول: يا قوم اتقوا الله، يا إخواني اتقوا الله، صلّوا وأدوا الزكاة، اتركوا هذا المنكر، افعلوا كذا، دعوا ما حرّم الله، بِرُّوا والديكم، صلوا أرحامكم، إلى غير هذا، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر برفق، ويعظهم ويذكرهم، ويعاملهم بالأسلوب الحسن .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله يحب الرفق في الأمر كله). جاء جماعة من اليهود، فدخلوا عليه صلى الله عليه وسلم: فقالوا: (السام عليك يا محمد)، يعنون الموت، وليس مرادهم السلام، فسمعتهم عائشة رضي الله عنها، فقالت: عليكم السام واللعنة. وفي لفظ آخر: ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال صلى الله عليه وسلم: (مهلاً يا عائشة إنّ الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله). قالت ألم تسمع ما قالوا؟ قال: (ألم تسمعي ما قلت لهم؟ قلت لهم وعليكم فإنّه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا) .. رواه البخاري ومسلم وابن حبان. هذا وهم يهود رفق الرسول بهم، لعلهم يهتدون، ولعلهم ينقادون للحق، ولعلهم يستجيبون لداعي الإيمان، فكيف بالمسلمين؟!! .. فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الموفق، يتحرى الرفق والعبارات المناسبة، والألفاظ الطيبة عندما يمر على من قصر في ذلك، في المجلس أو في الطريق أو في أي مكان يدعوهم بالرفق والكلام الطيب، حتى ولو جادلوه في شيء خفي عليهم، أو كابروا فيه يجادلهم بالتي هي أحسن، كما قال سبحانه: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }وقال سبحانه: { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فما دام المقام مقام تعليم ودعوة وإيضاح للحق، فإنّه يكون بالتي هي أحسن لأنّ هذا أقرب إلى الخير، قال سفيان الثوري رحمه الله: ينبغي للآمر والناهي أن يكون رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه. وهذا معنى كلام السلف - رحمهم الله -، تحري الرفق مع العلم والحلم والبصيرة، لا يأمر ولا ينهى إلاّ عن علم، لا عن جهل. ويكون مع ذلك رفيقاً عاملاً بما يدعوه إليه تاركاً ما ينهى عنه، حتى يقتدى به.
ظاهرة الشائعات
* ترويج الشائعات وتلقيها ظاهرة منتشرة عند البعض وخاصة عندما يكون الحديث عن رجال الهيئات مع ما يصاحبه من حبكة قصصية وتضخيم للأخطاء، فما بواعث ذلك في نظركم، وكيف نعالج ذلك؟
- لما كان رجال الهيئة في جهود عظيمة ومهمات جليلة، فقلّ أن تغمض جفونهم أو تستريح أبدانهم، وكم من خير نشروه، وكم من منكر في مهده قتلوه، وكم من حرمات حالوا دون انتهاكها، ولما قطعوا على أهل الباطل باطلهم بدأ هؤلاء ينفثون سمومهم عليها فليصقون الأكاذيب، ويهولون الأخطاء، ويطالبون بإلغائهم.
إنّ وقوع شخص أو أشخاص في خطأ عفوي أو متعمّد ليس مبرراً للتجريح والتشهير، فلو أخطأ رجال من قوات الأمن، فهل يُعَدُّ ذلك مبرراً للتنقص والشتم والمطالبة بتحجيم أجهزة الأمن أو إلغائها؟ .. ولو أخطأ طبيب أو ممرض في عملية جراحية أو أساء معاملة المرضى، فهل يُعتبر ذلك مسوغاً للتشهير به في الصحف والمجلات؟ .. ولو أخطأ قاض أو قضاة، فهل يقول عاقل بوجوب حل الجهاز القضائي كاملاً لأخطاء فردية بسيطة؟ .. ولو أخطأت صحيفة ما في نشر معلومة دون التوثُّق من صحتها أو قامت بتحقيق يخالف الأنظمة، فهل يُعتبر هذا مبرراً لإغلاقها أو إغلاق الصحف كافة؟.
الجواب طبعاً لا .. إذاً، الواجب التناصح عند وقوع الأخطاء والتواصي بما يرفع الأداء ويحقق مستوى مهنياً أعلى بدلاً من السباب والشتائم وتلفيق الأكاذيب التي لن يعود شؤمها إلاّ على أصحابها.
التواصل مع الناس
* ما هي السبل المعينة على تفهُّم الناس لدور رجل الحسبة؟
- هي أن ينظروا إلى الدور الكبير الذي يقوم به وأثر ذلك على أمن المجتمع وأخلاقه، وقد بيّنا ذلك في سؤال سابق .. وأقترح أن تكون للحسبة صفحة يومية في كافة الصحف اليومية لبيان دورها وإنجازاتها .. وكذلك برنامج أسبوعي في التلفاز.

* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved