الدعوة إلى الله، وظيفة الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهي وظيفة أتباعهم، ممن سار على نهجهم واقتفى أثرهم. وهي أعظم وأشرف الوظائف على الإطلاق، وأهلها والقائمون بها في غاية الشرف، وأرفع مكانة، وعلى رأسهم الرسل عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم. وإذا أردنا أن يكون خطابنا الدعوي محققا للرسالة السامية للداعية، والهدف المنشود من الدعوة، لا بد للداعية من العناية بأمرين عظيمين أولهما: تحرير المقصود، والهدف من الدعوة، وتجريد النية لتحقيق ذلك، وثانيهما: أن يسلك في دعوته سبيل الأنبياء والمرسلين، فإنه لا سبيل أهدى ولا أقوم من سبيلهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فهدف الداعية إلى الله هو هدف الرسل عليهم الصلاة والسلام قبله، وهو بيان الحق للخلق ودعوتهم إليه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمات الكفر، إلى نور الإيمان، ومن ظلمات المعصية إلى نور الطاعة، ومن ظلمات البدعة والفرقة، إلى نور السنة والاتباع، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، وذلك بدعوتهم إلى دين الله، وهدايتهم - هداية الدلالة والإرشاد - إلى الصراط المستقيم. وقد بين الله جل وعلا في كتابه الكريم هذا الهدف العظيم، فقال تعالى لنبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه: {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1) سورة إبراهيم، وقال عن موسى عليه السلام: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(5) سورة إبراهيم. فإذا تقرر أن المقصود من الدعوة هداية الخلق إلى الحق ودلالتهم عليه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فعلى الداعية أن يكون خطابه الدعوي محققا لهذا الهدف، ولن يكون كذلك إلا إذا كان مهتديا فيه بهدي الكتاب والسنة، سالكا سبيل أئمة الدعاة رسل الله عليهم الصلاة السلام، الذي بينه الله جل وعلا في كتابه الكريم في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل، وقوله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108)سورة يوسف. فإذا كان خطابنا الدعوي، على بصيرة وعلم، محصنا بالحكمة، موشحا بالموعظة الحسنة، مؤيدا بالحجة والبرهان، بالتي هي أحسن، التي القصد منها بيان الحق للخلق، ودعوتهم وهدايتهم إليه، لا مغالبة المخالفين، أو النيل منهم، سداه الوسطية والاعتدال، ولحمته الرفق واللين، حينئذ يوشك أن يؤتي خطابنا الدعوي ثماره المرجوة منه. وخطابنا الدعوي اليوم ليس بحاجة إلى تجديد في المضامين أو الآليات بقدر ما هو بحاجة إلى إعادة النظر فيه من حيث الهدف والغاية منه، ومن حيث الأساليب، والسبل التي تنتهج لتحقيق ذلك الهدف، هل خطابنا الدعوي اليوم أو خطاب كثير من دعاتنا جارٍ على منهج المرسلين السالف بيانه، هل هو مضبوط بضوابط الشرع من حيث الهدف، وسبل الدعوة إليه؟ إن عامة ما لحق بالدعوة، وخطابنا الدعوي من ضرر إنما هو بسبب الانحراف عن منهج وسبيل المرسلين عليهم الصلاة والسلام، إما في تحديد الهدف والمقصود من الدعوة، أو في الأساليب والسبل، أو في كليهما، لدى بعض أو كثير ممن تصدر للدعوة. وما لم نعمل على تصحيح الخطاب الدعوي، لدى كثير من شبابنا الذين تسنموا ذرى المنابر، وتصدروا لدعوة الناس، من حيث الهدف، وسبل تحقيقه، سنظل نعاني من تبعات هذا الخلل والانحراف. فإذا ما أولينا ذلك جل عنايتنا، واستطعنا تصحيح ما طرأ على خطابنا الدعوي من خلل وانحراف، وتمثل دعاتنا هدف الدعوة الأسمى وهو هداية الخلق إلى الحق، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وسلكنا لتحقيق ذلك سبيل الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، حق لنا حينئذ أن ننطلق إلى دعوة الخلق أجمعين، داعين، ناصحين، حريصين على هداية الناس، وَلَهدايتهم أحب إلينا من الغلبة عليهم، أو النيل منهم، مستفيدين من كل وسيلة توصل خطابنا وصوتنا إلى عباد الله أينما كانوا في أرض الله، بما في ذلك ما استجد من وسائل الاتصال الحديثة، كشبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، والقنوات الفضائية، فهي وسائل عمت بها البلوى، تبث الخير، والشر حسب اتجاه القائمين عليها، فلا بد للدعاة، والقائمين على شؤون العمل الدعوي من التخطيط المدروس للاستفادة من هذه الوسائل، وتحييد ما فيها من خطر وشر يراد بأبناء المسلمين. وإني لأطمع أن تنهض وزارة الشؤون الإسلامية مشكورة بدور رائد في ذلك، من خلال مشروع دعوي طموح، أراه جديرا بالنظر، والعناية به، ألا وهو مشروع الدعوة عن بعد - إن صح التعبير- تحشد له كافة الإمكانات، ومقومات النجاح.
(*) عميد كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة |