زفرة محرور باح بها فؤاده وفاء ورثاء في الفقيد علي بن عبدالله البدر-رحمه الله- عجبا.. مما علمتني الحياة مذ كنت صغيراً.. وحفظته وفهمته وبلغته غيري!! كيف تغير.. فإذ بها تبين لي علماً جديداً كان محجوباً ببعيد الآمال.. ولله حكمة!! كنت طيلة أيام عمري ممن يحب غروب الشمس ومرآه.. ووقوف الأصيل وذكراه.. أحب ذلك المنظر ولا أدري لماذا أحبه؟! يذكرني بمن أودعه لا بلحظة الوداع.. فأنا أقليها!! يذكرني إغفاءة الآمن!! يذكرني لون الشفق المموج بالغيوم الذهبية المطرزة بحزام الفضة صديقي العزيز الفنان - عبدالمحسن الطوالة- ولمساته الإبداعية!! يذكرني أبيات الشعراء الذين أثقلوا كاهل الغروب بأبياتهم!! يذكرني لحظات من أيام عمري أخفيها عن نفسي فكيف أبوح بها!! حق لي أن أقف على حافة الغروب الزمنية متطلعا..وما زلت!! وحتى اللحظة فأنا لا أعرف لماذا أحب منظر الغروب!! لكن الحياة ودروسها لي بالمرصاد فما فتئت الأيام بتوائم حبلها تنهال تباعاً.. درس غريب لم أفق منه حتى الساعة!! كيف تغرب شمسان في يوم؟! كيف تغرب شمس في الأرض؟ وشمس عنها؟! لله ما أغرب الموقف!! لله ما أقسى الإجابة!! لله قلبي المخلوع!! في غرة ربيع الآخر.. من هذا العام.. وفي ربيع عمره.. قبل ختام عام زواجه الخامس بنيفٍ وشهر.. وبعد ثلاثة زهور غرسهم في تربة الحياة.. وبعد رسالة في السخاء سلمها للدنيا.. وبعد درس في سلامة الصدر شهد به كل من تعامل معه.. وبعد حقل من البر وعمل الخير نطق به كل من فاء فيحاءه وكرع عذب مائه.. وبعد ديباج من لين الجانب يعترف به كل من تحدث معه وحادثه.. وبعد.. وبعد.. أما بعد: (رحل) أبو عبدالله.. وأنى للورق حمل الدموع؟! وأنى للعبارات أداء المعاني؟! وأنى لقلبي الصبر؟! {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.. أحقاً.. لن أراه بعد اليوم؟! أحقاً.. لن أسمع صوته بعد اليوم؟! أحقاً.. لن أحفل بحديثه.. وضحكته؟! أحقاً.. لن أحظى منه بابتسامة تعيد لي شريط الذكرى بمواقفي معه؟! أحقاً.. انسلّ من الحياة بيننا برفق ولوجه إلى القلوب؟! أسألكم بالله أن لا تجيبوني.. دعوني ما دمت مكذباً.. دعوني ما دمت في شك من أمري.. لا تقطعوا قلبي بسكين اليقين.. دعوني على إطراقتي عن ما أنتم فيه.. دعوني أهرب من مباغتات القدر..مع يقيني بأنه لا مفر!! لقد رحل.. ليتني لم أعرفه.. ولا أعرفه.. ما أقسى الرحيل.. وما أمر من طعمه إلا دموعي.. لله تلك الأيام الخوالي في سالف الذكرى لها أروع مثال في الاخوة الصادقة .. الصالحة.. الناصحة.. المحبة.. لله ذلك البر.. لله ذلك الجدث ما أكبر حظه بالوافد.. سقته الغوادي.. وأسبغته الرحمات.. وخلف شبابه بالجنان.. وفقد غاليه بالحور والولدان.. وخلف علينا به صلاح ذريته.. .. أبا علي.. أم علي: أحسن الله عزاءكما.. وجبر مصابكما.. وخلف عليكما بر إخوانه وأخواته وصلاحهم.. وشفاء مريضهم.. ماذا أقول وماذا أدع.. لله قلب الوالد.. لله ما أخذ وله ما أعطى.. وكل شيء عنده بمقدار.. لقد أخذ الله وديعته.. لقد اختاره الله ليجاوره.. وأنعم بالجوار.. عظم الجزاء مع عظم البلاء.. أسأل الله لكما البقاء على طاعته.. وأسأله أن يكون سابقكما للجنة.. أم عبدالله: أحسن الله عزائك.. وغفر لميتك.. وجبر مصابك.. وخلفك خيرا.. كوني بعده الأمل لأبنائه.. كوني لهم أماً وأباً.. وردي جميل عشرته معك بالوفاء لأبنائه تربية وتنشئة صالحة.. كوني لهم جانب قوة الأبوة وحنان الأمومة.. كوني كما أرادك -رحمه الله- لهم.. ربيهم على الدعاء له تكسبي دعاءهم لك.. واستشعري أمانة إبلاغهم أن أباهم كان عظيما.. وازرعي في قلوبهم الفخر بأبيهم وأنه موجود في قلوب الناس بجميل ذكره الحسن.. أسأل الله أن يسبغ عليك فارغ الصبر.. وأن يرزقك السلوان.. استرجعي بما استرجعت به أم سلمة.. واحمدي.. و أبشري بخير............ ربِّ لا يحمد على المكروه سواك.. لك الحمد على قدرك.. لك الحمد على البلوى.. لك الحمد حتى ترضى.. ولك الحمد بعد الرضا.. أفرغ علينا صبرا وأنت أرحم الراحمين..
|