يُواجه المجتمع السعودي في إطار عنايته بالمسنين، وأيضاً المجتمعات الأخرى بمجموعة من القضايا المجتمعية التي يتعيَّن الإشارة إليها، ومن أبرز هذه القضايا: 1- التزايد المستمر لفئة المسنين في المجتمع السعودي. 2- نقص الخدمات المُقدَّمة وعدم تكاملها. 3- ضعف الروابط الأُسرية وأثرها على كبار السن. 4- التغيُّر الاجتماعي وأثره على كبار السن. 5- المسنون والتنمية. ويمكن استعراض ومناقشة هذه القضايا فيما يلي: أولاً: التّزايد المستمر لفئة المسنين في المجتمع السعودي: تشير الإحصاءات المُتاحة عن توزيع المسنين في بعض الدول العربية إلى تزايد عدد المسنين في مختلف الدول العربية بعامة، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، وهذا التّزايد في عدد المسنين ربما يعود إلى التقدم الصحي في المملكة، بما يتضمنّه من إجراءات وقائية وعلاجية أدت إلى ارتفاع متوسط الأعمار بالنسبة للمسنين.. وأمام هذا الوضع فإن الأمر يحتاج إلى زيادة كبيرة في الاهتمام بالمسنين، وتوفير البرامج التي تغطي احتياجاتهم وتواجه مشكلاتهم، لرعايتهم لمواطنين أسهموا مع فئات المجتمع العاملة في خدمة المجتمع. ثانياً: نقص الخدمات المُقدَّمة وعدم تكاملها: يحتاج المسن إلى خدمات متنوِّعة - حكومية وأهلية - تُلبي احتياجاته المختلفة الإنسانية، أو الاجتماعية، والاقتصادية، والنفسية، والثقافية.. وهذه الخدمات تُقدمها هيئات تتبع وزارات مختلفة (الصحة.. الشؤون الاجتماعية.. الإعلام.. إلخ). لذا فالأمر يحتاج إلى تنسيق وتكامل الجهات المعنية في تقديمها للخدمات بشكل شامل ومتكامل خصوصاً وأن البحوث والدراسات التي أُجريت بشأن الخدمات المقدَّمة للمسنين تؤكد على وجود نقص في تلك الخدمات من ناحية، وعدم تكاملها من ناحية أخرى، وأيضا تركيزها على بعض الجوانب - مثل الجوانب الاقتصادية - وعدم اهتمامها - بنفس القدر - بالجوانب الأخرى من الرعاية. ثالثاً: ضعف الروابط الأُسرية وأثرها على كبار السن:تعرَّض المجتمع السعودي إلى متغيرات كثيرة منذ اكتشاف النفط وحتى الآن، وكان لهذه المتغيرات أثرها البالغ على الأُسرة السعودية، حيث بدأت تظهر بعض ظواهر الضعف في الروابط الأُسرية خصوصاً مع اتجاه الأُسرة السعودية من الأُسرة المركَّبة إلى الأُسرة النووية.وكان لهذا التحوُّل الذي حدث في الأُسرة السعودية كثير من الانعكاسات السلبية على رعاية المسنين.ورغم ذلك فإن الأُسرة السعودية يجب أن تظل محتفظة بدورها التقليدي في رعاية كبار السن، على اعتبار أن الأُسرة هي أفضل من يستطيع القيام بكفاءة بمهام رعاية كبار السن. ورغم أهمية دور الأُسرة السعودية إلا أن هناك اعتبارات عامة تستدعي من الدولة التّدخل لمساعدة الأُسرة السعودية في رعاية الكبار، باعتبار أن ذلك ضرورة تقتضيها التغيُّرات التي شهدها، ويشهدها المجتمع السعودي، ومن أبرز الاعتبارات ما يلي: أ- ارتفاع مستويات الرعاية الصحية في المجتمع السعودي ليضاهي أعلى المعدلات الصحية العالمية أدى إلى زيادة متساوية في نسبة كبار السن، وبالتالي أدى إلى اطراد نسبة المرضى بأمراض مزمنة، والتي تُسمى بأمراض الشيخوخة، والتي تُرهق كاهل المُسن وأُسرته، وإن لم يتوفر لهم من جانب المجتمع العون الكافي للقيام بمواجهة هذا الموقف. ب- انتشار الأمية والجهل بأساليب الرعاية الصحية والتمريضية والغذاء الصحي المناسب لكبار السن، يجعل من تدخل المجتمع بمؤسساته ومنظماته ضرورة لا مفر منها. ج- حين يصل سن الشيخ إلى السبعين، أو الثمانين ويبدأ في المعاناة من مظاهر الشيخوخة بما فيها من ضعف وخور، واحتياج للمساعدة غالباً ما يكون ابنه والمسؤول عن رعايته في سن الخمسين والستين، وقد يكون هو نفسه في حاجة إلى من يعينه ويرعاه. د- يحدث في بعض الأحيان أن يتوفى الزوج الذي لم ينجب أولاداً عن زوجته المُسنَّة أو العكس، فيبقى أحد الزوجين دون عائل يقوم على رعايته في شيخوخته وضعفه، فيتعرَّض لأشكال من العنت والحاجة، إذ لم تتوفر له الرعاية البديلة التي تعوِّضه عن انقطاع الرعاية الأُسرية المتكاملة. هـ- الابن هو المسؤول شرعاً عن رعايتهما، وقد لا يملك القدرة، أو المهارة على رعايتهما، خصوصاً إذا تعرضا لأمراض الشيخوخة. و- ترتب على التغيُّرات الاقتصادية التي لحقت بالمجتمع الحديث أن أصبحت حياة الأُسرة مرتبطة بمتطلبات وتوقيتات العمل والدوام الرسمي للمؤسسات ودوائر الأعمال، مما أثَّر على تقديم الرعاية الكافية لكبار السن مما تتطلَّب توافر قدر من المعاونة. ز- خروج بعض النساء للعمل وعدم تفرغها لمنزلها أثَّر على تقديم الرعاية الكافية لكبار السن، مما يستلزم تدخُّل المجتمع.كما أن تدخُّل الدولة يحتاج إلى تآزر وتعاون وتكامل كافة الأجهزة المعنية، ونخص بالذكر منها:أجهزة الإعلام، وأجهزة الخدمات، ووزارة العمل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، والتأمينات، أجهزة البحث العلمي، وأجهزة النشاط الأهلي. رابعاً: التغيُّر الاجتماعي وأثره على كبار السن: من المعروف أن التغيُّر ظاهرة حياتية تتعرَّض لها المجتمعات كافة، وهذا التغيُّر يطرأ على كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية.. وهذا يعني أن التغيُّر الاجتماعي ينبغي أن يصاحبه تغيُّر في خطط وبرامج رعاية المسنين، وعلى ذلك فإن التخطيط لبرامج المسنين يجب أن يخضع لعمليات التغيير الدائمة التي تحدث في أنماط الحياة في المجتمع، ويجب إحداث التجديد والتغيير في البرامج الخاصة للمسنين حتى تتواكب هذه البرامج، وتتمشّى مع الظروف المستحدثة.. لذلك يجب أن يتوافر للأجهزة التخطيطية المعنية بوضع الخطط الخاصة برعاية المسنين كافة المعلومات والبيانات الواقعة والصادقة التي تؤهلها لوضع خطط تتمشى مع ظروف واحتياجات ومشكلات المسنين في المجتمع المعاصر. خامساً: المسنون والتنمية: إذا كان الإنسان هو هدف خطط الدولة التنموية - الاجتماعية والاقتصادية - فهو في الوقت نفسه الأداة لتحقيق هذه الخطط، ومن هنا كان حرص المملكة العربية السعودية على تجميع كل الطاقات البشرية في سبيل التّقدم والبِناء، لتحقيق الرفاهية والحياة الكريمة لمختلف فئات العمر بالمجتمع، ومن بينها فئات كبار السن الذين أصبحت رعايتهم ضمن الموضوعات الرئيسة التي تستدعي اهتمام المسؤولين، بحيث تصبح النظرة إلى كبار السن في المجتمعات الحديثة نظرة اهتمام ورعاية مثمرة لتمكينهم من أن يصبحوا أعضاء نافعين في بيئاتهم، سعداء في مجتمعهم منتجين ما استطاعوا الإنتاج.والمسنون يوجد بداخلهم قدرات بنّاءة يمكن استثمارها، والإفادة منها فهم يمثِّلون قوة إنتاجية لا يمكن تجاهلها، أو إهمالها ولا بد من رعايتهم والاهتمام بهم، والعمل على رفع مستواهم في نواحي الحياة المختلفة بحيث يمكن استغلالهم في تنمية المجتمع، فقد أخذت المجتمعات الحديثة في الوقت الحاضر تُولي عناية خاصة بالمسن على اعتبار أنه إنسان ضمن مجتمعه، له ما للمجتمع من حقوق، وعليه ما على المجتمع من واجبات، كما أن له الحق الكامل في أن يتمتع بإنسانيته على الرغم من تقدُّمه في السن، وما يصاحب ذلك من اضطرابات قد تصيب جسمه، أو حواسه، حتى يتاح للجميع الإسهام في بناء مجتمع أفضل.
|