قد يتصور القراء أن هذا العنوان هو عنوان رحلة إلى الجوف من الرحلات التي سبق وأن كتبنا عنها والتي قام بها بعض الرحالة الأجانب على ظهور الإبل وأغلبها كان إلى هذه المنطقة الغنية والحافلة بالتاريخ والآثار وبأهلها الموصوفين بالشجاعة والكرم وكانت هذه الرحلات تستغرق من الوقت شهورا وسنينا ولكن هذه الرحلة التي قمت بها شخصيا قبل أيام استغرقت أربعة وعشرين ساعة وكنت قبل رحلتي إلى الجوف في مدينة عرعر والتي أتردد عليها كثيرا بسبب بعض أعمالي الخاصة وقد حجزت تذكرة العودة إلى الرياض من عرعر ولما علم بذلك الأخ عماش بن محمد الشمدين بن ناصر القادر العروج حضر من الجوف إلى عرعر وغير الحجز ليكون في اليوم التالي عن طريق الجوف وذهبنا بالسيارة مرورا بوادي المعتدل ثم العمارية والشويحطية وزلوم وسكاكا ومن ثم إلى منزل شقيقه عادل في اللقايط والذي حول نصفه إلى متحف على نوادر من تراث المنطقة من سلاح وعملات وغيرها والذي جاء عنه في مجلة الجوف النص التالي:
آلاف المقتنيات تحكي قصة عشق مع التاريخ:
وفود أوربية وآسيوية سياحية زاروا من دول عربية متنوعة وضيوف من دول مجلس التعاون الخليجي أكاديميون ومثقفون ووفد من الهيئة العليا للسياحة وطلاب من مختلف المراحل الدراسية كل هؤلاء وغيرهم قاموا بزيارة متحف السيد: عادل محمد القادر ولا أظن أن أحدا منهم دخل إلى ذلك المنزل إلا وكذبت عيناه ما تراه. الآلاف من القطع أمضى في جمعها عشرات السنين ودفع من أجلها ألوفاً من الريالات، سافر كثيرا وبحث أكثر شعر بأن سعادة الدنيا بين العملات الدولية القديمة والأسلحة الموغلة في القدم والمقتنيات المتنوعة من السجاد إلى أدوات الزراعة إلى الأدوات المنزلية والحلي وغيرها.
عادل القادر مارس فنون المراهقة الأولى باحثا عن القطع الأثرية منذ أن كان في المرحلة المتوسطة بادئا في كتابه قصة العشق التاريخية بينه وبين التراث الجميل. لم يكن يعلم أن معشوقه الأصيل هذا سيكون قاسيا لدرجة أن سيزاحم أهله في عقر دارهم ويوشك على إخراجهم منه. سنوات مضت ولازال العاشق مغرماً بالمزيد.. غريب أمر ذلك العادل إلى ماذا يهدف وبماذا يفكر؟ ما الذي يروي ظمأ عشقه ويوصله إلى نهاية الرحلة؟ ألم تزره الوفود الكبيرة؟ ألم يشارك في مناسبات عديدة ومنها مهرجان الجوف الصيفي؟ ألم تتحدث عنه الصحافة؟ ألم يقدره عشاق التراث والثقافة الأصيلة؟ ألم تدخله قصة العشق هذا إلى عالم الديون من حيث لا يدري؟ لله درك يا عادل ما أصبرك ولا تظنك والله تلام فكم من عاشق مات بين أحضان معشوقته. وليس كثيرا على مثلك أن تدعمه الجهات المعنية وتساعده على تنظيم مقتنياته في مكان واسع ومنظم. ألست من تداهمه الوفود الزائرة دون مواعيد مسبقة؟
عودة إلى بقية الرحلة
وفي ظهر ذلك اليوم تناولنا طعام الغداء في منزل والد مضيفنا واسترحنا إلى صلاة العصر ثم لبينا دعوة الأستاذ دخيل الله بن تركي الشمدين مدير معهد التدريب المهني بالمنطقة لتناول القهوة في مزرعته النموذجية وجلسنا في ظلال (السقيفة المطورة) وفي ظلال الزيتون والنخيل وقد أسعدني متابعة أبي أحمد لما ينشر في مدارات وزاوية صور من الصحراء وورقة قديمة وإشادته بها وأسعدني أكثر عندما قال إن سني يبدو أقل من الصورة بعشرة أعوام وبعد ذلك اتجهنا إلى سكاكا وشاهدنا بئر سيسرا التاريخي وقصر وقلعة زعبل والبيوت الطينية المحيطة بهما والتي تعبق برائحة التراث الأصيل ثم قمنا بزيارة الأخ دحام بين بشير الدغمي في منزله ومن ثم عدنا في المساء إلى بيت والد مضيفنا حيث دعا الكثير من وجهاء المنطقة وشعرائها والذين أتحفوا الحضور بقصائد وروايات قيمة وهم كل من الشعراء: فهد الغانم الخالدي، وعبدالهادي بن مريزيق النصيري، ومعزي بن عقيل الشرعان، وصالح النازل مدير مكتب جريدة الجزيرة في الجوف.
وقد حصلت على بعض النصوص الشعرية القديمة سيطالعها القارئ في زاوية (ورقة قديمة) وستبقى ذكرى الجوف وأهلها خالدة في ذاكرتي مدى الحياة.
مشعل الجبوري | 
"مدارات شعبية"