Friday 10th June,200511943العددالجمعة 3 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "زمان الجزيرة"

27 رجب 1392هـ - الموافق 5 سبتمبر 1972م- العدد (407)27 رجب 1392هـ - الموافق 5 سبتمبر 1972م- العدد (407)
توزيع أكثر من مائتي منحة زراعية في تبوك والجوف ووادي الدواسر

* تحقيق - عثمان العمير:
الظلام يبسط أشرعته على الحي.. بعد أن أُطفئت أنوار البيوت وأغلقت أبواب المتاجر القليلة المتناثرة في أماكن متفرقة من الشارع الذي يخترق قلب الحي.. وعدد قليل من كلاب الحي تشق جدار السكون في نباح متقطع.. وقطط الشارع تستغل تلك الفترات التي تتوقف فيه الكلاب عن صراعها لتمارس هي الأخرى وجودها ولو مرة واحدة في الليل.. وبأسلوب خطَّته هي بنفسها.
وما عدا ذلك..
فالحي قد أطبق في نوم عميق بعد نهار متصل من العمل والحركة.. والظلام قد أضفى عليه رداءً أسود لا يفتح من سواده إلا مرأى تلك السيارات البيضاء التي انتظمت في سلك متقطع على رصيف الشارع الرئيسي..
والناس نائمون في ظل أحلام مختلفة.. وبعضهم ينام بنصف عين فقط.. ولكنه لا يستطيع كسر حاجز السكون الشامل.
وفجأة..
تنعطف سيارة ترسل ضوءاً يترك تأثيره على كل البقع المظلمة..
وما تكاد تتوسط قلب الشارع حتى تنطلق صفارة طويلة النفس.. وتثير السكون والإطباق.. وتعود الأعين المغمضة نصف إغفاءة إلى الإفاقة التامة.. وتتلاشى الأضواء ليموت في الفم تلقائياً أنين الصفارة..
المنظر السابق.. مع تغيير طفيف.. أقدام تحفر الأرض بخطواتها.. وبإيقاع منتظم.. ولا يخفت صوتها قبل أن تختفي مرة واحدة.. وفجأة يدعو صاحب تلك الخطى صوت على بُعد خطوات:
كم الساعة يا أخ؟
وتتوقف نقرات الخطى.. يدفع معصمه قرب عينيه.. وبصعوبة بالغة يجيب: الساعة 3.5 نحن الآن في آخر الليل، أي خدمة.
* هل أنت من أهل الحي؟
- نعم.
* اليوم سهرت كثيراً!
- فعلاً وليست هذه عادتي.
* طيب شكراً.
وتعاود الخطى نقرها بنفس الخطى حتى تبتعد عن السائل.
وتنطلق الصافرة مرة أخرى.. حتى تثق في اختفاء صاحب الخطى.. وتستمر المشاهد ليلياً.. وتتوالى المواقف كأي مسرحية ناجحة.. يقبل عليها الجمهور.. ويستمر عرضها طوال العام..
***
هل تعرفون صاحب الصافرة؟!
إنه الحارس الليلي.. أو العسه حسب التعبير الشعبي المتداول.
فتعالوا معنا لنستكشف مهمة هذا الحارس، وننطلق معه في رحلته الليلية الدائبة للحفاظ على أمن كل مواطن والحرص على سلامته.
لماذا الحارس الليلي؟
كان ذلك منذ سنوات معدودة.. عندما كانت الرياض العاصمة تغفو لحظة غروب الشمس ويقبع سكانها داخل أسوار حجرية تغلق بأبواب أربعة كبيرة يسمونها دراويز!!
وقتها لم يكن المواطن في حاجة إلى مَن يحرس بيته.. أو يبسط الأمن على تلك الأزقة الصغيرة الملتوية في المدينة.. كان كل شيء يسير بهدوء.. تستطيع أن تحصي بيديك الاثنتين الناس الذين يقطنون كل بيت في الحي دون الحاجة إلى أن تتعب نفسك باستكشاف هوياتهم وتحديد جنسياتهم..
فالحارس الليلي وقتها كان غير مجدٍ في هذه الحالة إطلاقاً..
وبعد أن تخطت العاصمة تلك الأسوار.. وهدمت الدراويز.. وأصبحت عرضة للهجرة من كل جانب.. لم يعد أحد يعرف صاحب البيت الملاصق له..
وبالتالي تعددت المخاوف من حدوث أي شيء.. وأصبحت الاحتياجات شيئاً ضرورياً يتطلبه ذلك المد السكاني العمراني.. وتقتضيه عملية التغيير الاجتماعي التي عمَّت أرجاء المدينة كغيرها من مدن المملكة..
وبرز الحارس الليلي ليؤدي مهمته في خضم هذه الاحتياجات وليجد مهمته تنتظره.. كحارس أمين يُسهم في بقاء كل مواطن مشرعاً أبواب بيته وهو يغط في نوم عميق دون أن يحس بأي خوف ما دام يعلم أن الأمن يمارس وجوده في كل مكان.
مَن يكون الحارس الليلي؟
نجده أمامنا دائماً!
يواجه حرارة الصيف ولياليه القائظة، وفي عز الشتاء يتغلب على قسوة البرد.. وتقلبات الجو المختلفة.
يؤدي مهمته بإخلاص وإتقان.. لا يمل، لا يشكو، لا يتألم.
ليست هذه مقدمة إنشائية، ولكنها الحقيقة التي تدفعنا ونحن نراه بلباسه الشعبي يتربع في إحدى زوايا شوارعنا وأزقتنا منذ انتصاف الليل حتى امبلاجة الصباح.. فمَن هذا الحارس؟ ومتى دخل حياة العاصمة ليكون أحد معالمها المعروفة والمميزة؟
وهذا التحقيق يتناول جوانب معينة من حياة العسس في مدينة الرياض..
متى يبدأ العمل؟
العمل يتم خلال ست ساعات متواصلة يبدأها العسه في الساعة الثانية عشرة ليلاً، وينتهي في الساعة السادسة من صباح اليوم التالي.. وعلى امتداد تلك الساعات الست يبقى ساهرا ًيراقب كل تحركات منطقته.. وينفذ ما أُوكل إليه من مهمات عديدة.
وأثناء تلك الساعات تمر على الحارس الليلي العديد من الحالات التي يضطر معها إلى اتخاذ المواقف التي يحتِّمها النظام.. وتستوعبها عقليته ومدى ذكائه وقدرته على المواجهة..
وأثناء تلك الساعات يبقى مفتوح العينين؛ لكي تظل كل العيون تعيش إغفاءاتها اليومية المعتادة.. وبين انفتاح عينيه وانفلاقهما يواجه هذا الحارس أشياء كثيرة.. وحالات أكثر..
ناس يحيون الليل.. ويموتون في الليل.. وناس يمارسون حياتهم في الليل..
وآخرون.. تقتلهم ظلمته.. فيحاولون مقاومته بالحياة، فيضطرون إلى البقاء وجهاً لوجه أمام الحارس الليلي..
ويمر كل الناس..
ويبقى هو بعيون اليقظة.. وبجسمه الصغير.. يرقب كل هؤلاء المارين..
وكل الذين يحاولون المرور..
أو يريدون أن يستغلوا الظلام للعمل في عمقه الكثيف..
وحالما تنتهي مهمته.. ويطل الفجر يعود إلى البيت مختتماً يومه.. الحافل دائماً والهادئ أيضاً أحياناً.. في نفس الوقت..
حالما يشعر أن ناس النهار قد هبوا لاستقبال صباحهم الجديد.
أول حارس ليلي
محمد مسعود بن زنده أول حارس ليلي في مدينة الرياض، وقد التحق بالعمل منذ عام 1375هـ، ولا زال يعمل الآن.. فله من سنوات الخدمة في الوقت الحالي أكثر من 17 عاماً.. بينما آخر حارس ليلي عُيِّن في المدينة هو سلمان قاسم الليفي الذي لم يمضِ على تعيينه أكثر من شهرين أو ثلاثة.
وبين الحارسين الليليين محمد بن مسعود وسلمان الليفي ينتشر (254) حارساً في مختلف أرجاء العاصمة.. يسهرون حتى الفجر من أجل حماية الأمن، وقد تم تعيينهم منذ أول يوم بدأ فيه هذا النظام الجديد يغزو المدينة.
العسه موظف
يقول سعادة مدير شرطة الرياض الزعيم محمد بن هلال ل(الجزيرة) عندما سألناه عن الحالة الوظيفية لهؤلاء المواطنين الذين يكونون جزءاً مهما في جهاز الأمن خلال الليل: هم يدخلون في لائحة المستخدمين مصنَّفين على المرتبة (31) من نظام الموظفين العام الذي صدر حديثاً، ويبدأ أول مربوط الرواتب للحارس الليلي 250 ريالاً، مع علاوة (15) ريالاً عن كل عام في الخدمة؛ حتى يصل إلى (400) ريال، عدا النقل ومقداره أربعون ريالاً شهرياً، ويعمل الفرد كما هو معروف ست ساعات متواصلة تبدأ من الثانية عشرة حتى السادسة صباحاً.
لست وحدك أيها الحارس
ليس الحارس الليلي وحده هو الذي يقف أمام زاوية ما أو منعطف ليحيي الأمن، بل هو جزء من عيون ساهرة.. ترقب هي الأخرى استمرار الأمن وراحة المواطن.
ومهمة العسه كما يشرحها الزعيم الهلال: كل فرد يقوم بعمله على ضوء لائحة داخلية بكل قسم من أقسام شرطة الرياض..
ومن مهامه الحفاظ على الأموال والممتلكات في الأحياء والأسواق، ولا شك أن ذلك يتم تحت إشراف رؤساء الأقسام وضباط الدورية، وأن هذه الفئة من حفظة الأمن موضع العناية والرعاية من قِبل المسؤولين؛ لأنهم يقومون ولا ريب بأعمال لا تقل عن مهام غيرهم من رجال الأمن الآخرين الذين يعملون على ضوء توجيهات المسؤولين في السهر على المواطن.. وبسط الأمن في البلاد..
سلاح العسه
صفارته.. وعصاه الصغيرة.. ومدى قوته العضلية فقط هي سلاحه..
أما البقية فلا شيء من ذلك.. ولذا فهو قد لا يستطيع.. وما دامت أسلحته بهذا الضعف من انعدام القدرة على المواجهة وبالتالي التفوق.. فإنه لا يستطيع أحياناً أن ينفذ مهمته بنجاح.. وحالات كثيرة شُوهد فيها العسه لا يؤدي مهمته كما ينبغي.. لأن إمكانياته الهجومية وحتى الدفاعية.. ليست كما هو مفترض أن تكون.
ووضعتُ سؤالي أمام الزعيم بن هلال مدير الشرطة: ألا تنوون تزويد أولئك المخلصين من الساهرين على المواطن سلاحاً يعطيهم القدرة أكثر على أداء مهماتهم؟ فقال سعادته:
السلاح حتى الآن لا يزيد عن العصا والصفارة.. إلا أنني أؤكد لكم أنه تجرى دراسات جادة في مديرية الأمن العام بغية صبغهم بالصبغة العسكرية، واختيار الزي والسلاح الذي يتناسب وواجباتهم، وفي الوقت ذاته يميزهم عن العسكريين في القطاعات الأخرى.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved