Saturday 25th June,200511958العددالسبت 18 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

حافظ على المسافة أيضاً مع البشر!حافظ على المسافة أيضاً مع البشر!
د. محمد بن علي آل خريف

تسير المركبات المختلفة في الشوارع بشكل دائم ووسط زحام شديد، وهي تتحرك في اتجاهات متباينة، ولذلك وضعت لوحات إرشادية وتعليمات مرورية تعنى بتنظيم السير، ومن أهم هذه الإرشادات التنبيه على ترك مسافة كافية مع السيارات المجاورة من أجل تجنب الاحتكاك أو الاصطدام مع المركبات الأخرى، هذا التنبيه يحتوي في ذاته على حكمة بالغة الأهمية نحتاجها في هذا العصر الذي بلغت فيه مصالح الناس وأعمالهم - أو هكذا صوروا لأنفسهم - حداً من التعارض والتنافس الذي قد يكثر بسببه التصادم أو الاحتكاك. وبما أن الإنسان لا يعيش وحيداً في هذه الحياة بل هو يقضي جلّ وقته محاطاً بعدد كبير من البشر، وكل إنسان من هؤلاء يسعي لتحقيق أهدافه الشخصية في تسابق محموم وأنانية من البعض مفرطة. وهذا الوضع يتطلب منا أن نطبق دائماً في حياتنا هذا المبدأ (حافظ على المسافة حتى مع البشر) بحيث نحافظ على بُعدٍ معقول من الآخرين لكي نواصل مسيرتنا دون الاصطدام بأحد. هل هذا يكفي من أجل سلامتنا وتجنبنا للاصطدام مع الآخرين؟.. لا أجزم بذلك لكنه بلا شك سيخفف كثيراً من حالة الاصطدام، وإلا فهناك نوعيات من البشر يستهويها الاصطدام مع الغير وإن بدا لك منها نوع سكون فهي تبطن شراً وحقداً يفوح حسداً مراً لا يقاوم! بل قد تعاني من هوس وحماقة لا تداوى، فما حيلتك مع مثل هكذا فئات؟.. أرشدونا أيّها الأطباء النفسيون ويا أيها الرقاة!. والمتأمل في القرآن الكريم يجد لذلك منطلقاً هادياً لفن التعامل مع مثل هذه المواقف كقوله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وقوله تعالى واصفاً أهل التقوى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، فهذه حكمة الإعراض أو ما سميناه الحفاظ على مسافة كافية مع الغير بل إن الإعراض أشمل كونه فعلاً راقياً وحضارياً في مواجهة فعل مضاد سيئ ومتهور ومتخلف، ولو لم تراع حكمة الإعراض تلك فقد تواجه مصاعب جمة مع مثل هذا الصنف من البشر، وقد تصطدم مصالحك مع فئة أخرى ما لم تتصرف بمهارة قوامها الإعراض وترك مسافة كافية. لا تقل لي أن ذلك سيفسر جبناً أو ضعفاً.. كلا إذ ليس في جميع الأحوال يلزمك المواجهة بل قد تكون الشجاعة والقوة تكمن في الإعراض وما عليك فسيغلي المقابل كالمرجل ثم يحترق دون تدخل مباشر منك فدعه حتى يرمد!.. إن من يتعدى حدوده ويتحرك بعشوائية سيصطدم لا محالة بالآخرين، والذي يحدث بعد اصطدام كهذا في مسيرة الحياة هو عين ما يحدث على الطرق العامة فحادث تصادم المركبات يوقف مسيرة السيارة وصاحبها لبعض الوقت بل قد يوقفها إلى الأبد وقد يكون ذلك بسبب اقتراب في المسافة لم يؤبه له نتج عنه آثار كارثية. صحيح أن الأمور تسير بأقدار الله لكن لا تعارض في ذلك مع الحصافة والحذر في التعامل مع الآخرين، وكذا قرب المسافة بين البشر قد يفضي إلى آثار غير محمودة قد توقف مسيرة الحياة مؤقتاً أو حتى بشكل دائم، والأمر يتطلب تهذيباً للطباع وترويضاً للسلوك حتى تألف النفس التحلي بهذه الخصال الحميدة التي حتماً ستجنبك المتاعب والضغوط المتصاعدة في هذا العصر نتيجة لتقارب المسافة بين البشر وبالتالي تهيئ الوضع لاحتكاك أكثر وتصادم أقوى نرى شظاياه تلهب العلاقات الاجتماعية توتراً وقطيعة لا تحمد عقباها ولله في خلقه حكمة وعبرة والله الموفق.

ص.ب 31886 الرياض 11418/فاكس: 4272675

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved