Friday 2nd September,200512027العددالجمعة 28 ,رجب 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

عملاق الشعر في العصر الحديث (1-2)عملاق الشعر في العصر الحديث (1-2)
محمد مهدي الجواهري
سعد بن محمد الموينع

النشأة والمولد
ولد شاعر العرب الكبير وعملاق الأدب محمد مهدي الجواهري في مدينة النجف، واختلف في تاريخ ميلاده الصحيح، فبعض الروايات تقول إنه ولد في عام 1903م، وبعض الروايات تقول في عام 1900م وبعضها في عام 1901 وبعض الروايات تذكر أن مولده في عام 1899م. وذكر الجواهري نفسه أقوالاً متباينة في تاريخ مولده. وتعرف أسرة الجواهري بالعلم والأدب والتدين، وقد نالت أسرته شهرتها من صاحب كتاب (جواهر الكلام) المسمى محمد حسن أحد أعلام النجف الذي توفي عام 1980م. ويذكر الجواهري في كتاب مذكراتي أنه تعلم القراءة والكتابة على يد أخيه الأكبر (عبد العزيز) وابن عمته (علي الشرقي) كما يذكر أنه تعلم أوائل السور وقصارها وحفظ جزء عم عند (ملة أم جاسم) وبعد ذلك أرسله والده إلى رجل يسمى (جناب عالي أو علي) ليتعلم عنده الكتابة والخط. ويذكر الجواهري أنه تعلم النحو من الشيخ طيب الذكر كما يسميه الجواهري (محمد علي المظفر)، كما يذكر أنه تعلم وأخذ العلم عن أشهر علماء النجف في ذلك الحين مثل (علي ثامر) و (مهدي الظالمي) وغيرهما من علماء النجف. ولقد أثرت البيئة النجفية في تكوين شخصية الجواهري، وظهر ذلك التأثر في انفعالات الجواهري المتكررة، وتراكيب قصائده، فكان ميالاً للتحدي والتمرد والرفض، كما يذكر ذلك د. ميشال خليل جحا في كتاب أعلام الشعر العربي الحديث.
شخصية الجواهري
يذكر د. ميشال خليل عن الجواهري أنه يقول عن نفسه: في داخلي كثير من العناصر المتفجرة؛ اعتزازي بكرامتي، الثقة بالنفس التي تصل حد الغرور أحياناً، كل هذه دمرت جزءاً من حياتي. ويعلق ميشال خليل بقوله: لا شك في أن هذه العناصر المتفجرة قد أدت إلى تكوين شخصيته المتناقضة والطامحة إلى المجد.
البدايات الشعرية لدى الجواهري
تأثر الجواهري بالبيئة التي كان يعيش فيها فنظم الشعر في سن مبكرة، ويقول الجواهري عن بداياته: (ابتدأت الجري في مجال الشعر وميادينه بوجه بريء متهلل تبشر أساريره الناطقة بشيء غير قليل من البساطة والفكرة والاسترسال وعدم التكلف وبخاصة بانعكاس صور الطبيعة لا التطبع بمختلف ألوانها على الحرف والقافية، والحقيقة أن جميع تلك القطع وما يصح تسميته مجازاً بالقصيدة، هي بين العشرة والعشرين بيتاً وقسم منها سبعة أبيات، هكذا تفجر عندي الشعر طبيعيا، وهكذا كانت الفكرة عندي محدودة ولم تأخذ مجراها (التفرع الأعمق) إلا عاماً بعد عام وهزة بعد هزة وتجربة بعد تجربة). ويقول الجواهري: (إن مرحلة الثلاثينيات كانت نقلة جريئة لي، ومع الزمن كنت أزداد وعياً وإدراكاً كما تبدلت عندي المفاهيم والمقاييس..).
وسافر إلى إيران عام 1924م فرأى طبيعتها الجميلة ومشاهدها الجذابة مما ساعد على تفتح مواهبه وصقل قريحته وتوسع آفاقه. ورجع إلى بغداد عام 1927م وتعين معلماً في إحدى مدارس الكاظمية، وبعد مدة قليلة انتقل إلى دائرة التشريفات الملكية ومكث فيها ثلاثة أعوام واستقال منها، وتعرف في هذه الفترة على الشاعر جميل صدقي الزهاوي، وذلك في مدخل البلاط الملكي وهي المرة الأولى التي يراه فيها وحيا الجواهري الزهاوي بقصيدة مطلعها:
قم يا جميل فحامني
يا حامي الأدب العراقي
وتقال مع الشاعر الرصافي على صعيد الفكر فتناجيا وبث كل منهما همومه وشكواه، وكان الجواهري قد قال قصيدته الرائعة في مدح الرصافي وعنوانها (أجب أيها القلب)، يقول فيها:


أعيذ القوافي زاهيات المطالع
مزامير عزاف أغاريد ساجع
لطافا بأفواه الرواة نوافذاً إلى
القلب يجري سحرها في المسامع
تكاد تحس القلب بين سطورها
وتمسح بالأردان مجرى المدامع
برمت بلوم اللائمين وقولهم
أأنت إلى تغريده غير راجع
أأنت تركت الشعر غير محاول
أم الشعر إذا حاولت غير مطاوع
وهل نضبت تلك العواطف ثرة
لطافاً مجاريها غزار المنابع
أجب أيها القلب الذي لست ناطقا
إذا لم أشاوره ولست بسامع

وقد أثرت القصيدة في نفس الرصافي فردّ على الجواهري بهذه القصيدة:


أقول لرب الشعر مهدي الجواهري
إلى كم تناغي بالقوافي السواحر
فترسلها غراً هواتف بالعلى
يزود منها سمعه كل شاعر
وتشدو بها والقوم صمّ عن العلى
فلم تلق إلا غير واع وذاكر
أترجو من الحساد عوناً وناصراً
فتدعو منهم خاذلاً غير ناصر
كأنك لم تبصر سواد قلوبهم
فهل أنت مغرور ببيض المَسافر؟

فردّ الجواهري عليه بهذه القصيدة التي يقول فيها:


تمرست بالأولى فكنت المغامرا
وفكرت بالأخرى فكنت المجاهرا
وفضلت عيشا بين تلك وهذه به
كنت بل لولاه ما كنت شاعراً
وما الشعر إلا ما تفتق ثوره
عن الذهن مشبوباً عن الفكر حائرا
عن النفس جاشت بفيضها
عن القلب مرتج العواطف زاخرا
وما زج في شتى المهاوي بربه
وقحمه النهجين قصداً وجائرا
وما هو بالحبل الذي رحت مرغما
أوائله أن تلتقي و(الأواخرا)
وكنت جريئاً حين يدعوك خاطر
من الفكر أن تدعو إليك المخاطرا

وفي عام 1930م استقال من الوظيفة وأصدر جريدة (الفرات) واستمر صدورها فترة من الزمن، ثم عاد إلى التعليم مرة أخرى، ثم أصبح رئيساً لديوان التحرير في وزارة المعارف، فمدرساً في المرحلة الثانوية في البصرة والحلة والجف ودار المعلمين الريفية حتى استقال من التدريس عام 1963م، وأصدر جريدة الانقلاب في بغداد عام 1936م فجريدة الرأي عام 1937م ثم جريدة المعرض، ثم غادر إلى إيران لأسباب سياسية، وفي عام 1945م أقيم حفل في المجمع الثقافي في (يافا) فألقى قصيدة رائعة عنوانها (يافا الجميلة)، يقول في بعض أبياتها:


بيافا يوم حط بنا الركاب
تمطر عارض ودجا سحاب
ولفّ الغادة الحسناء ليل
مريب الخطو ليس بها شهاب
وأوسعها الرذاذ السح لثما
ففيها من تحرشه اضطراب
ويافا والغيوم تطوف فيها
كحالمة يجللها اكتئاب
وعارية المحاسن مغريات
بكف الغيم خيط له ثياب

ثم عاد إلى العراق واستأنف إصدار جريدته الرأي العام، في عام 1946م، وأقيم حفل كبير في عام 1948م في جامع (الحيدر خانة) فألقى قصيدة بعنوان (أخي جعفر)، يقول في بعض أبياتها:


أتعلم أم أنت لا تعلم
بأن جراح الضحايا فم
قم ليس كالمدعي قولة
وليس كآخر يسترحم
يصيح على المدقعين الجياع
أريقوا دماءكم تطعموا
ويهتف بالنفر المهطعين
أهينوا لئامكم تكرموا
أتعلم أن رقاب الطغاة
أثقلها الغنم والمغنم
وأن بطون العتاة التي
من السحت تهضم ما تهضم

وسافر إلى فرنسا في عام 1949م ونظم بعض القصائد، وعاد إلى مصر وأقام فيها عامين (1950م - 1952م)، ثم عاد إلى بغداد وقام بتحرير المقالات، وعرض آراءه وطرح أفكاره ونشرها في بعض الصحف والمجلات في ذلك العصر؛ مما أدى إلى اعتقاله وأودع سجن أبي غريب ثم أطلق سراحه في عام 1953م وأنشأ جريدة (الجديد)، وأرغم على مغادرة العراق عام 1956م وتوجه إلى دمشق وتم انتخابه مشرفاً على تحرير جريدة (الجندي) التابعة للجيش السوري. وتلقى دعوة لتأبين عبد الحميد كرامي في بيروت وألقى قصيدته المشهورة:


باق وأعمار الطغاة قصار
من سفر مجدك عاطر موار
متجاوب الأصداء نفخ عبيره
لطف ونفح شذاته إعصار
رف الضمير عليه فهو منور
طهراً كما يتفتح النوار
عبد الحميد وكل مجد كاذب
إن لم يُصن للشعب فيه ذمار
والمجد أن يحميك مجدك وحده
في الناس لا شرط ولا أنصار

وعاد إلى بغداد بعد حضوره مؤتمر السلام العالمي المقام في فيّنا وأعاد فتح وإصدار جرائده. وأعاد فتح جريدته (الرأي العام) عام 1958م وانتخب رئيساً لاتحاد الأدباء ونقيبا للصحفيين العراقيين. وفي عام 1961م سافر مبعداً إلى براغ، وأقام فيها سبعة أعوام وأصدر ديوان (بريد الغربة). بعد ذلك منحته الحكومة السورية حق اللجوء السياسي، ويذكر الأستاذ صباح مندلاوي معلومة جديدة لم يذكرها الجواهري في مذكراته ولم ينقلها أحد قبل الأستاذ صباح وهذه المعلومة أن الجواهري قد درس في المملكة العربية السعودية لمدة أربعة أعوام من عام 1963م إلى 1967م، وأرى أن هذه المعلومة لا نستطيع الحكم على صحتها من عدمها غير أنها ربما تكون أقرب إلى غير الصواب. وعاد بعد ذلك إلى العراق في عام 1968م فأقيم له احتفال بمناسبة عودته للعراق وألقى قصيدته (أرح ركابك) التي يقول فيها:


أرح ركابك من أين ومن عثر
كفاك جيلان محمولاً على خطر
كفاك موحش درب رحت تقطعه
كأن مغبره ليل بلا سحر
ويا أخا الطير في ورد وفي صدر
في كل يوم له عش على شجر
عريان يحمل منقاراً وأجنحة
أخف ما لمّ من زاد أخو سقر
بحسب نفسك ما تعيا النفوس به
من فرط منطلق أو فرط منحدر
أناشد أنت حتفاً صنع منتحر
أم شابك أنت مغتراً يد القدر
أم راكب متن نكباء مطوحة
ترى بديلاً بها عن ناعم السرر
خفض جناحيك لا تهزأ بعاصفة
طوى لها النسر كشحيه فلم يطر
ألفى له عبرة في جؤجؤ خضب
من غيره وجناح منه منكسر
يا سامر الحي بي شوق يرمضني
إلى اللدات إلى النجوى إلى السمر

وبعد عودته انتخب من جديد رئيساً لاتحاد الأدباء في العراق عام 1971م ولم يلبث طويلاً حتى غادر العراق متوجهاً إلى براغ من جديد ومكث فيها وقتاً طويلاً وانتقل بعدها إلى دمشق واستقر فيها مكرماً من الحكومة السورية حتى وافاه الأجل المحتوم وجاءه يومه الموعود ورحل عن الدنيا في تموز عام 1997م ودفن في دمشق، وشارك في تشييع جنازته المحبون له وكبار الأدباء والكتاب في سوريا والوطن العربي، ومن الذين رثوه الشاعر (خلدون جاويد) بهذه القصيدة:


طويت مع الدنيا الحسام المعفرا
وكنت بها اللغز الذي لن يفسرا
خبرت بها ديباجة الهمّ والأسى
فهل كانت الدنيا كتاباً مزوّرا
عركت بها الآلام عايشت جمرها
بذوراً وزهر الدمع حتى تبعثرا
وقد كنت كالمشكاة في ليل دربنا
اذا اسودّ وجه الشمس كنت المنورا
وما بلبل في الشرق إلا دحضته
وما فكرة في الغرب إلا لتسبرا
وآليت ألا أن تكون فم الضيا
ومن عبقر أعتى وأجدى وأشعرا
سموت بجنح العشق ظللت أمة
تعاني هجير الظلم ظمياء في العرا

مؤلفات الجواهري
أصدر الجواهري (حلبة الأدب) في عام 1923م وهو مجموعة أدبية، ثم طبع ديوانه سنة 1927م وصدر الجزء الثاني من ديوانه في النجف عام 1935م، وشرعت وزارة الإعلام في العراق في طباعة ديوانه الكامل، فصدر الجزء الأول منه سنة 1973م، وعقبته ستة أجزاء طبع آخرها سنة 1980م، ومن مؤلفاته (شكوى إقبال وجوابها) عام 1936م، وهو ترجمة شعرية لقصيدتين للشاعر محمد إقبال، ومن مؤلفاته: (بريد الغربة) عام 1965م، و(بريد العودة) عام 1969م، و(أيها الأرق) عام 1971م، و(خلجات) عام 1972م، وكتاب (مذكراتي).

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved