Thursday 22nd September,200512047العددالخميس 18 ,شعبان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "دوليات"

شهادة للتاريخ في عشية ذكرى اليوم الوطنيشهادة للتاريخ في عشية ذكرى اليوم الوطني
الملك عبد العزيز والقضية الفلسطينية
عادل أبو هاشم (*) :

إن الدور التاريخي الواقعي والمشرف للمملكة العربية السعودية في دعم القضايا العربية والإسلامية لهو أصدق دليل على حرص قادة هذه البلاد - حفظهم الله - على تحقيق تضامن ووحدة ونصرة الأمتين العربية والإسلامية، فقد كان لهذا الدعم اللا محدود الأثر الكبير والهام في تشكيل السياسة الدولية تجاه العرب والمسلمين، وذلك بمواقف المملكة الثابتة والعادلة للدعوة إلى أحقاق الحق والسلام والتعايش السلمي في هذه المعمورة.
وتأتي القضية الفلسطينية واسترجاع الشعب الفلسطيني حقه المسلوب وعودة أراضيه من المستعمر الصهيوني من أولويات العمل السياسي والإنساني على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية للمملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز - يحفظه الله -.
فبين الحرمين الشريفين والحرم القدسي المبارك علاقة روحانية ترعاها العناية الإلهية، وبين القضية الفلسطينية والاستراتيجية السياسية والاقتصادية السعودية علاقة لا تقبل الجدل أو التشكيك أو المساومة. فموقف المملكة العربية السعودية من فلسطين (الشعب والأرض والمقدسات) ثابت لا يتغير، وهو ينبع من أصالة عربية، ومسؤولية إسلامية طالما تحلت بهما المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعباً منذ عهد مؤسسها وباني وحدتها ودولتها الحديثة جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - وإلى يومنا هذا.
فلم تحظ قضية عربية باهتمام المملكة العربية السعودية مثلما حظيت قضية فلسطين، وقد أبدى المغفور له الملك عبد العزيز اهتماما بالغا بهذه القضية وأولاها اهتمامه الشخصي وعنايته الفائقة، ولم تشغله عنها مسيرة توحيد وبناء البلاد من التفكير فيها آنذاك.
بل أعطى جلالته هذه القضية جل اهتمامه وذلك لحفظ حقوق الشعب الفلسطيني ومساندته والوقوف معه ضد المغتصب الصهيوني بمواقفه الثابتة وأفعاله التاريخية الصادقة والمشرفة.
لقد جعل الملك عبد العزيز - رحمه الله - من القضية الفلسطينية قضية المملكة العربية السعودية ويمكن تلخيص وعرض بعض جهوده من أجل القضية الفلسطينية بإيجاز في الآتي:
1- أرسل استنكارًا للحكومة البريطانية عندما ألقت جماعة من اليهود القنابل على المصلين المسلمين أثناء صلاة الجمعة في أكتوبر 1929م، ولم يكتف بذلك الخطاب بل أرسل كتباً أخرى إلى هيئات عربية وإسلامية يندد فيها بأعمال الصهاينة الإجرامية.
2- واصل مساعدته للثورة الفلسطينية متحدياً في ذلك الحكومة البريطانية، فمثلا في سنة 1936م عندما قامت ثورة ضد الإنجليز في فلسطين شملت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، جاء البريطانيون بقوات لهم من مصر ومالطا ونكلوا بالثوار الفلسطينيين، وهنا أصدر المغفور له الملك عبد العزيز أمره في 5 يونيو 1936م إلى وزراء الخارجية ووزارة المالية إرسال مساعدة عاجلة من الأموال والمؤمن والأرزاق إلى أهل فلسطين.
3- بعد أن زاد ضغط البريطانيين على الثورة، اتصلت جماعة منهم به، واطلعوا على حالهم، وتنكيل البريطانيين بالشعب المسلم في فلسطين، فأرسل احتجاجاً للحكومة البريطانية يستنكر فيه أعمال قواتها ضد شعب عربي مسلم ونصح بريطانيا بأن تتدارك الموقف وأن تعيد الحق إلى نصابه في فلسطين قبل فوات الأوان.
4- كان الملك الراحل - يرحمه الله - يغتنم مواسم الحج باستمرار في تبصير العرب والمسلمين بالقضية الفلسطينية والخطر الصهيوني الداهم.
5- رفض الملك عبد العزيز - رحمه الله - رفضاً قاطعاً خطة توطين اليهود في الأراضي الفلسطينية عام 1945م.
6- كان الملك الراحل من الأوائل الذين ساندوا فكرة تزويد الفلسطينيين بالمال والسلاح لتمكينهم من الدفاع عن أراضيهم، ثم خطا خطوة شجاعة بإرسال المتطوعين السعوديين لمساندة إخوانهم الفلسطينيين في جهادهم البطولي، حيث روى الدم السعودي الطاهر أرض فلسطين المباركة، وكان للقوة السعودية في ذلك الحين شرف المساهمة في المحافظة على عروبة قطاع غزة وحمايته من السقوط في تلك الأيام، وكان الملك عبد العزيز - رحمه الله - في وداع رجاله المجاهدين إلى فلسطين وقال فيهم كلمته المشهورة: (إن أبناء فلسطين كأبنائي.. فلا تدخروا جهدًا في مساعدتهم وفي تحرير أرضهم).
وأصبحت هذه الكلمة ميراثاً يتوارثه الأبناء جيلاً بعد جيل، ومع ازدياد هجمات القوات البريطانية وعصابات الصهاينة ضد سكان البلاد الأصليين العزل من السلاح أرسل الملك عبدالعزيز- رحمه الله - ابنه الأمير سعود حينما كان ولياً للعهد إلى أرض فلسطين عام 1935م في مهمة استقبل خلالها استقبالاً شعبياً كبيرًا.
وزار الأمير سعود في ذلك الوقت عدة مدن وقرى منها اللد - ويافا - والرملة - وطولكرم - ونابلس - وبيت لحم - ورام الله والقدس.
وقد قال في كلمة له: (إن شعب فلسطين هم أبناؤنا وعشيرتنا وعلينا واجب نحو قضيتهم سنؤديه) ثم عاد الأمير سعود من فلسطين حاملا معه رسالة تقدير لمواقف الملك عبد العزيز من الشعب الفلسطيني تجاه قضيتهم ومؤازرته لهم).
وبقي الملك عبد العزيز يواصل كفاحه واتصالاته من أجل القضية الفلسطينية فقد التقى الرئيس الأمريكي (روزفلت) على ظهر المدمرة الأمريكية (كوينسي) في غرة ربيع الأول 1364هـ- 14 فبراير 1945م فوق البحيرات المرة، وطلب الرئيس الأمريكي من الملك عبد العزيز وضع أسس للعلاقات بين البلدين، وناقش الملك عبد العزيز معه القضية الفلسطينية التي اقترح فيها (روزفلت) اقتراحات أغضبت الملك عبدالعزيز ورفض هذه الاقتراحات.
أولا: أن يوافق العرب على قيام إسرائيل كما جاء في وعد بلفور.
ثانياً: ألا يعارضوا مزيدًا من هجرة اليهود إلى فلسطين.
وانتهى اللقاء برفض الملك عبد العزيز هذه الاقتراحات التي ستسبب توتر الموقف وخلق الفتن والاضطرابات وازداد الموقف سوءًا وزادت الاعتداءات اليهودية على العرب بمساعدات خارجية وبدأوا في تلفيق الأكاذيب والجهر بأن فلسطين وخصوصاً القدس يهودية وأنها أرض الميعاد. وبذل الملك عبد العزيز جهوده المتواصلة في سبيل إيجاد حل سلمي وعاجل ومنصف مع الرئيس الأمريكي (فرانكلين روزفلت) بشأن القضية الفلسطينية حيث لم يوقف الملك عبدالعزيز جهوده لدى روزفلت على مكاتبته أو الاجتماع به ورأي الحرب توشك أن تنتهي بانتصار دول الحلفاء فكتب إلى روزفلت رسالة مطولة بعنوان: (دعوى الصهيونية في فلسطين باطلة). بسم الله الرحمن الرحيم الرقم 26-1-4-1945 التاريخ 27 ربيع الأول سنة 1364هـ - 10 مارس 1945م من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك المملكة العربية السعودية إلى حضرة صاحب الفخامة المستر روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية - الأفخم -.
يا صاحب الفخامة: إنها لفرصة سعيدة أنتهزها لأشارككم السرور بانتصار المبادئ التي أعلنت الحرب من أجل نصرتها، ولأذكر الشخصيات العظيمة التي بيدها - بعد الله - تصريف مقاليد نظام العالم بحق صريح ودائم منذ عرف التاريخ ويراد - الآن - القضاء على هذا الحق بظلم لم يسجل له التاريخ مثيلا ولا نظيرًا.
وذلك هو حق العرب في فلسطين الذي يريد دعاة اليهودية الصهيونية غمطه وإزالته بشتى وسائلهم التي اخترعوها وبيتوها وعملوا لها في شتى أنحاء العالم من الدعايات الكاذبة، وعملوا في فلسطين من المظالم وأعدوا للعدوان على العرب ما أعدوه مما علم بعضه الناس وبقي الكثير منه تحت طي الخفاء وهم يعدون العدة لخلق شكل نازي فاشستي بين سمع الديموقراطية وبصرها في وسط بلاد العرب بل في قلب بلاد العرب وفي قلب الشرق الذي أخلص العمل لقضية الحلفاء في هذه الظروف الحرجة.
وإن حق الحياة لكل شعب في موطنه الذي يعيش فيه حق طبيعي ضمنته الحقوق الطبيعية وأقرته مبادئ الإنسانية التي أعلنها الحلفاء في ميثاق الأطلنطي وفي مناسبات متعددة، والحق الطبيعي للعرب في فلسطين لا يحتاج إلى بيانات فقد ذكرت غير مرة لفخامة الرئيس روزفلت وللحكومة البريطانية في عدة مناسبات أن العرب هم سكان فلسطين منذ أقدم عصور التاريخ وكانوا سادتها والأكثرية الساحقة فيها في كل العصور وإننا نشير إشارة موجزة إلى هذا التاريخ القديم والحديث فلسطين حتى اليوم لنبين أن دعوى الصهيونية في فلسطين لا تقوم على أساس تاريخي صحيح. يبتدئ تاريخ في فلسطين المعروف من سنة 3500 قبل الميلاد وأول من توطن فيها الكنعانيون وهم قبيلة عربية نزحت من جزيرة العرب وكانت مساكنهم الأولى في منخفضات الأرض ولذلك سموا كنعانيين وفي سنة (2000 قبل الميلاد) هاجر من العراق (أور الكلدانيين) وأقاموا في فلسطين ثم هاجروا إلى مصر بسبب المجاعات، حيث استعبدهم الفراعنة، وقد ظل اليهود مشردين فيها إلى أن أنقذهم النبي موسى من غربتهم وعاد بهم إلى أرض كنعان عن طريق الجنوب الشرقي في زمن رمسيس الثاني سنة (1250) أو ابنه مفتاح سنة 1225 قبل الميلاد وإذا سلمنا بنص التوراة نجد أن قائد اليهود الذي فتح فلسطين كان يشوع بن نون وهو الذي عبر بجيشه واحتل مدينة أريحا من الكنعانيين بقسوة شديدة ووحشية يدل عليها قوله لجيشه. (حرقوا كل ما في المدينة واقتلوا كل رجل وامرأة وكل طفل وشيخ حتى البقر والغنم بحد السيف واحرقوا المدينة بالنار مع كل ما فيها).
وقد انقسم بعد ذلك إلى مملكتين: مملكة إسرائيل وقصبتها السامرة (نابلس) وقد دامت 250 سنة ثم سقطت في يد شلمناصر ملك آشور سنة (722 قبل الميلاد) وسبى شعبها إلى مملكته. ثم مملكة يهوذا، وقصبتها: أورشليم (القدس) وقد دامت 130 سنة بعد انقراض مملكته إسرائيل ثم أبيدت على يد بنوخذ نصر ملك بابل الذي أحرق المدينة والهيكل بالنار وسبى الشعب إلى بابل سنة (580 قبل الميلاد) ودام السبي البابلي مدة 70 سنة، ثم رجع اليهود بأمر قورش ملك الفرس. ثم تلا ذلك الفتح اليوناني بقيادة اسكندر المقدوني سنة (332 قبل الميلاد) ودام حكمه في فلسطين مدة 272 سنة وجاء بعده الفتح الروماني سنة (63 قبل الميلاد) بقيادة بومبي ودام حكم الرومان في فلسطين مدة 700 سنة وفي سنة 637م احتل العرب فلسطين ودام حكمهم فيها مدة 880 سنة متواصلة، وكانت وصية الخليفة الفاتح (لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا طفلا ولا شيخًا كبيرًا ولا تعقروا نخلا أو تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا وسوف تمرون بأناس قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له) (وقد ذكر هذا ابن الأثير المؤرخ المشهور) ثم انتقل للحكم في فلسطين إلى حوزتهم مدة 400 سنة وكان العرب سكانها وكانوا شركاء مع الأتراك في حكمها وإدارتها، وفي عام 1918م احتلها البريطانيون ولا يزالون فيها إلى الآن ذلك تاريخ فلسطين العربية يدل على أن العرب أول سكانها، سكنوها منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة قبل الميلاد واستمرت سكناهم فيها بعد الميلاد إلى اليوم وحكموها وحدهم ومع الأتراك ألفاً وثلاثمائة سنة تقريباً أما اليهود فلم تتجاوز مدة حكمهم المتقطع فيها 380 سنة وكلها إقامات متفرقة مشوشة ومنذ سنة 332 قبل الميلاد لم يكن لليهود في فلسطين أي وجود أو حكم إلى أن دخلت القوات البريطانية فلسطين سنة 1918م ومعنى ذلك أن اليهود منذ ألفين ومائتي سنة لم يكن لهم في فلسطين عدد ولا نفوذ.
ولما دخل البريطانيون إلى فلسطين لم يكن عدد اليهود بها يزيد على ثمانين (80) ألفاً كانوا يعيشون في رغد وهناء ورخاء مع سكان البلاد الأصليين من العرب ولذلك فاليهود لم يكونوا إلا دخلاء على فلسطين في حقبة من الزمن ثم أخرجوا منها منذ أكثر من ألفي سنة.
أما الحقوق الثابتة للعرب في فلسطين فتستند إلى:
1- حق الاستيطان الذي استمرت مدته منذ سنة (350 قبل الميلاد) ولم يخرجوا منها في يوم من الأيام.
2- الحق الطبيعي في الحياة.
3- وجود بلادهم المقدسة فيها.
4- ليس العرب دخلاء على فلسطين ولا يراد جلب أحد منهم من أطراف المعمورة إسكانه فيها وإنا نوضح بصراحة أن مساعدة الصهيونية في فلسطين لا تعني خطرًا يهدد فلسطين وحدها بل إنه يهدد سائر البلاد العربية وقد أقام الصهيونيون الحجة الناصعة على ما ينوونه في فلسطين وفي سائر البلاد المجاورة فقاموا بتشكيلات عسكرية سرية خطيرة ومن الخطأ أن يقال: هذا عمل شرذمة متطرفة منهم وإن ذلك قوبل باستنكار من جمعياتهم وهيئاتهم ولو ترك الأمر بين العرب وبين هؤلاء المعتدين فربما هان ولكنهم محميون من قبل الحكومة البريطانية صديقة العرب فاليهودية الصهيونية لم تراع حرمة هذه الحماية، بل قامت بتدريب حبائل الشر وبدأتها ببريطانيا وأنذرت العرب بعد بريطانيا بمثلها وأشد منها فإذا كانت الحكومات المتحالفة التي تشعر العرب بصداقتها تريد أن تشعل نار الحرب والدماء بين العرب واليهود فإن تأييد الصهيونية سيوصل إلى هذه النتائج وأنا أخشى ما تخشاه البلاد العربية من الصهاينة هو:
1- أنهم سيقومون بسلسلة من المذابح بينهم وبين العرب.
2- ستكون اليهودية الصهيونية من أكبر العوامل في إفساد ما بين العرب والحلفاء وأقرب دليل على ذلك اليهوديون في مقتل اللورد موين في مصر، فقد قدر اليهود أن يخفوا فاعلي الجريمة فيقع الخلاف بين الحكومة البريطانية ومصر.
3- أن مطامع اليهود ليست في فلسطين وحدها فإن ما أعدوه من العدة يدل على أنهم ينوون العدوان على ما جاورها من البلدان العربية.
4- لو تصورنا استقلال اليهود في مكان ما في فلسطين فما الذي يمنعهم من الاتفاق مع أي جهة قد تكون معادية للحلفاء ومعادية للعرب وهم قد بدأوا بعدوانهم على بريطانيا وهم تحت حمايتها ورحمتها. لا شك أن هذه الأمور ينبغي أخذها بعين الاعتبار في إقرار السلام في العالم عندما ينظر في قضية فلسطين فضلا عن أن حشد اليهود في فلسطين لا يستند إلى حجة تاريخية ولا حق طبيعي وأنه ظلم مطلق فهو في نفس الوقت يشكل خطرًا على السلم وعلى العرب وعلى الشرق الأوسط.
ما كنت أريد في هذا المعترك العظيم أن أشغل فخامتكم ورجال حكومتكم العاملين في هذه الحرب العظمى بهذا الموضوع وكنت أفضل وأنا واثق من إنصاف العرب من قبل دول الحلفاء أن يستمر سكوت العرب إلى نهاية الحرب لولا ما نراه من قيام هذه الفئة الصهيونية بكل عمل مثير مزعج غير مقدرين للظروف الحربية مشاغل الحلفاء حق قدرها عاملين للتأثير على الحلفاء بكل أنواع الضغط ليحملوهم على اتخاذ خطة ضد العرب تختلف عما أعلنه الحلفاء من مبادئ الحق والعدل.
لذلك أردت بيان حق العرب في فلسطين على حقيقته لدحض الحجج الواهية التي تدعيها الشرذمة من اليهودية والصهيونية دفعاً لعدوانهم وبياناً للحائق حتى يكون الحلفاء على علم كامل بحق العرب في بلادهم وبلاد آبائهم وأجدادهم فلا يسمح لليهود أن ينتهزوا فرصة سكوت العرب ورغبتهم في عدم التشويش على الحلفاء في الظروف الحاضرة فيأخذوا من الحلفاء ما لا حق لهم فيه. وكل ما نرجوه هو أن يكون الحلفاء على علم بحق العرب ليمنع ذلك تقديم اليهود في أي أمر جديد يعتبر خطرًا على العرب وعلى مستقبلهم في سائر أوطانهم ويكون العرب مطمئنين من العدل والإنصاف في أوطانهم.
عبد العزيز آل سعود
يتضح من الخطاب السابق أن التزام الملك عبد العزيز - يرحمه الله - بقضية فلسطين هو التزام ديني وإنساني وخلقي، وإن أي قارئ للخطاب يستشف بدون جهد أو عناء فراسة المغفور له الملك عبد العزيز واستنباطه لنوايا الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط والتي بدأت تترجم تباعاً إلى واقع حتى وقتنا الحاضر، ولو نظرنا إلى بعض الفقرات وحاولنا أن ندرسها في ظل الوقت الحاضر لتبين لنا بوضوح أن معظم توقعات الملك عبد العزيز - رحمه الله - قد حدثت حيث حصلت المذابح الجماعية - قبل وبعد قيام الدولة الصهيونية - والتي لم يسلم من شرها الأطفال أو الشيوخ والنساء العربيات المسلمات، وحتى الحوامل منهن على مرأى ومسمع من حكومة الانتداب البريطاني. وقوله أن مطامع اليهود ليست في فلسطين وحدها، فهذا الاستنباط كان ولا يزال في محله، ويكفي أن نتتبع سياسة التوسع الصهيوني خلال الخمسين عاماً الماضية، والحروب التي شنها الكيان الصهيوني للتوسع على حساب البلاد العربية المجاورة. لقد كان الملك عبد العزيز - رحمه الله - أكثر الحكام العرب حماساً للقضية الفلسطينية وأجرأهم على الدفاع عنها في المحافل الدولية.
وكان المفوض الأمريكي بجدة الكولونيل وليام إدي قد بعث تقريرًا لحكومته في 5 يناير 1945م ذكر فيه أن الملك عبد العزيز قد قال له:
(شرف لي أن أموت شهيدًا في ميدان الجهاد دفاعًا عن فلسطين في معركتها ضد اليهود).
وفي تقرير أرسله المفوض نفسه إلى حكومته ذكر فيه أن الملك عبد العزيز حضر اجتماعاً لممثلي الدول الأجنبية في جدة فقال لهم:
(على أمريكا وبريطانيا الاختيار بين أرض عربية يسودها الأمن والسلام وأرض يهودية غارقة بالدم). كان للملك عبد العزيز - رحمه الله - الموقف الإسلامي- العربي الأصيل من قضية فلسطين، وها هو يقول في رسالة إلى البريطانيين الذين يحتلون فلسطين ويسعون جهدًا ليتمكن اليهود من السيطرة عليها بالمستعمرين والمستعمرات والحديد والنار:
(لو قلت إن هناك ذرة واحدة في جسدي لا تدعوني إلى قتال اليهود، لكنت أكذب، لو ذهبت كل أملاكي وتوقف نسلي لكان أسهل عليّ من أرى موطئ قدم لليهود في فلسطين).
ومن الأمور التي لم يتم إلقاء الضوء عليها أن الملك عبد العزيز كان يرسل سلاحاً للفدائيين الفلسطينيين الذين يحاربون دفاعاً عن منازلهم وأحيائهم ومصالحهم وأهاليهم، حتى إن بريطانيا كانت تتهم عبد العزيز أنه يحمي قيادات فدائية عربية تحارب وتنظم وتجند دفاعاً عن فلسطين. ولم يعد خافياً على أحد - بعد أن كشفت الوثائق البريطانية نفسها هذه الأمور - أن الملك عبد العزيز رفض استقبال مبعوث بريطاني هو عبد الله فيليبي للمرة الثانية بل وأقسم بعدم السماح له بالدخول إلى المملكة بعد أن حمل إليه في المرة الأولى رسالة من رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل تتضمن منحه 20 مليون جنيه استرليني (وهو رقم هائل في مفاهيم ذلك الزمان) مقابل تأييده مجيء اليهود إلى فلسطين.
في كتابه (ابن سعود مؤسس المملكة) يقول ماك لوغلن: (إن بريطانيا وأمريكا راهنتا على إقناع الملك عبد العزيز بأن يكون رئيس رؤساء الشرق الأوسط بتوفير الدعم الصهيوني والبريطاني شرط أن يستجيب لطلبهما الأبرز وهو السماح لهجرة اليهود إلى فلسطين وإقامة وطن لليهود فيها، وأرسلتا في سبيل ذلك الممثل الشخصي للرئيس الأمريكي تيودور روزفلت وهو العقيد هوسكنز، لجس نبضه حيال خطتهم هذه، لكن هذا المبعوث سمع كلاماً عنيفاً من الملك عبد العزيز وهجوماً شديداً ضد حاييم وايزمن (رئيس الوكالة اليهودية التي كانت تنظم جلب المستعمرين اليهود إلى فلسطين المحتلة).
وفي مجال آخر يقول الملك عبد العزيز ردًا على محاولات جمعه بوايزمن هذا: (إن حقوق العرب في هذه المسألة الفلسطينية حقوق واضحة كضوء النهار، ومن غير الوارد إطلاقاً إجراء أي اتصال مع وايزمن، فوايزمن- يقول الملك عبد العزيز - هو عدو ديني ووطني).
أما أوضح موقف للملك عبد العزيز من دعوة الرئيس الأمريكي روزفلت له كي يسمح بمجيء اليهود إلى فلسطين بحجة اضطهادهم من جانب الألمان النازيين فجاء بالرد التالي: (إذا كان الألمان هم الذين يضطهدون اليهود فلماذا لا تعطوهم بيوت الألمان الذين اضطهدوهم). وعندما رد عليه بالقول: إن اليهود يفضلون المجيء إلى فلسطين!!
كان جواب الملك عبد العزيز حاسماً: (إن المجرم وليس البريء هو الذي يجب مطالبته بالتعويض ورفع الضيم). وفي مكان آخر من كتابه ينقل ماك لوغلن نفسه عن الملك عبد العزيز قوله: (إن اليهود أعدائي أينما كانوا، وفي كل بقعة دخلوها أدخلوا معهم فسادهم وعملوا ضد مصالحنا).
رحم الله جلالة الملك عبد العزيز آل سعود وتغمده بواسع رحمته ورضوانه ومغفرته وأسكنه فسيح جناته، ونسأل الله تعالى أن يجعل ما قدمه في سبيل فلسطين والأمة العربية والإسلامية في ميزان أعماله، كما نسأله تعالى أن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين، وأن يسدد الله خطاهما ويعينهما على إكمال المسيرة.. مسيرة الخير والعطاء والنماء.

(*) كاتب وباحث فلسطيني

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved