من منبر (عزيزتي الجزيرة) التي تتحسس هموم الناس وآلامهم وظروفهم، وتعقيباً على ما نشر فيها من مواضيع تربوية وتعليمية، وأثناء عملي الميداني قابلت في الأسبوع الماضي مديرة إحدى روضات الأطفال في مدينة الرياض، وهي تئن من شدة وطأة المرض، وأفادت بأنها وبقوة النظام ستتقاعد العام المقبل، كما أثارت انتباهي بشكواها أيضاً من وجود ثلاث مساعدات لديها، وقد جمعن مع طول الخدمة تعدد أمراضهن، ومن واقع عملي اليوم فقد لاحظت أيضا أمرين لهما أثر سلبي على التربية والتعليم: الأول: أن كثيراً من مدارس البنات ورياض الأطفال في الرياض وخاصة في بعض الأحياء متخمات بجمع متعدد من المساعدات والمراقبات والكاتبات وأمينات المكتبات وحتى أيضا بالموظفات حديثات التخرج المعينات على بند الأجور وإلى جوار منازلهن. الثاني: أن جمعاً غفيراً من تلك الزميلات جمعن مع عامل السن وقرب التقاعد وطول الخدمة أن قسماً آخر منهن مصابات بأمراض مزمنة ودائمة ولديهن مراجعات دورية ومستمرة في المستشفيات الصباحية، وتلك الأمراض مع تكرار الغياب وعامل السن منعتهن ليس من العطاء فقط وإنما أثرت كثيرا في سير العمل وانتظامه وأصاب غيرهن بالكسل والإحباط، وفي المقابل وعند تعيين المعلمات أو نقلهن فإننا نرى ونتألم من أمرين أحلاهما مر: الأول: إثارة المعلمات والضغط عليهن وإلزامهن مع أولياء أمورهن من قبل ديوان الخدمة المدنية بالإقرار والتوقيع والقبول بالعمل بالهجر والقرى النائية والمخيفة وبعيداً عن أزواجهن وأطفالهن وأهلهن وبيوتهن وعن القرى والمدن التي ولدن فيها وتخرجن منها، ومن بين هؤلاء تتواجد الحامل والمرضع والمطلقة واليتيمة والبكر وعديمة المحرم أو انشغاله مع إلزامهن بـ 24 حصة ودون صرف بدل ضرر أو غربة أو تمييز أو تقدير أو مراعاة لظروفهن، وهذا الإهمال نتجت عنه حوادث الطرق القاتلة التي قضت عليهن إما إلى المقابر وإما صرن طريحات المستشفيات أو أصبن بإعاقات دائمة حتى أصبحن مشلولات في البيوت ينتظرن الموت، والوزارة أمام هذا كله تتفرج راضية وصامتة. والأمر الآخر أنه أمام نقل المعلمات عامة وذوات الظروف الخاصة قامت وزارة التربية والتعليم بابتكار وتجديد إصدار الأنظمة الجائرة وتشكيل لجان لذوات الظروف القاسية من الموظفات أولاً تم تبديلهن مع الموظفات ثانياً في كل منطقة تعليمية بحيث تكون لجنة الرياض هي الخصم والحكم، ورفض الموافقة على أي طلب نقل وارد إليها من أي منطقة تعليمية اللهم إلا إذا كانت المعلمة مصابة بالسرطان، وتلك اللجان غير الرحيمة التي لا تستقبل المراجعات أو حتى تردّ على المكالمات أصابت التعليم والمعلمات والطالبات في مقتل، وهذا قلل من عطائهن وأضعف إخلاصهن وجعل المعلمات حبيسات القهر والفقر والضجر وفي حصص الفراغ اليومي وطوال العام كله أصبح شغلهن الشاغل، مع هموم التدريس وحوادث الطرق وكآبة الغربة وتعسر النقل، هو الدعاء وأصبحن يرددن مع الشاعر قوله:
إن المعلم والطبيب كليهما لا يخلصان إذا هما لم يُكرما |
ومن هنا.. وتنفيذاً للتربية التي تسمت الوزارة بها ورحمة بالأطفال والطالبات أولا وبالمعلمات ثانيا ودائما فإنني أذكر وزارة التربية والتعليم وإداراتها التعليمية ومشرفاتها التربويات بما يلي: أولا: الرحمة والعدل والحزم مطالب مهمة في ميدان التربية والتعليم والمرأة عامة والمعلمة خاصة هي الأم وهي المدرسة، ودين الإسلام قد أوصى بها كثيراً، وفي واقعنا الذي نعيشه ومع ما لديها من ضعف فطري فإن الأذى قد أصابها من جميع الجهات وعلى جميع الجبهات فهي محاطة بالأعداء ومكبلة بالأعباء التي تقضي على صحتها وتشل نشاطها وتحرق طاقتها فبدنها مكدود ونفسها معدود وعمرها محدود ومن المهد إلى اللحد وهي تدرس 24 حصة مع ما تقاسيه من آلام الحمل والولادة والرضاعة، يضاف إلى ذلك ما تعانيه غالبا من فظاظة الزوج ومن عقوق وعنوسة وطلاق الأبناء والبنات كما تكابد أوجاع السائق وأذى الخادمات، وبين كل فترة وأخرى تطعن بقرارات بشرية جائرة تقضي على أملها وتزيد من ألمها فبعد لجان وأنظمة ذات الظروف فوجئت أخيراً بتحويل إجازة الأمومة القصيرة إلى إجازة نفساء ولمدة أربعين يوماً فقط. ثانياً: تحقيقاً للعديد من المصالح وبما أن الحاجة أم الاختراع ومن أجل نقل المعلمات ورحمتهن وتقدير ظروفهن الصامتة فإنني أضع أمام عدالة وزارة التربية والتعليم وإداراتها الحلول العملية الآتية: 1- أن تقوم الوزارة مع الإدارة والمشرفات بحصر المديرات والمعلمات المريضات في مدارس مدينة الرياض وغيرها. 2- حصر من لديهن خدمات طويلة تبدأ مثلا من 20-31 سنة. 3- حصر الإداريات والمساعدات والمعلمات والموظفات القاعدات والمتكدسات في وظيفة واحدة تخالف النظام وفوق الحاجة وبعد معرفتهن وحصرهن فإنني أرى وبقوة وحزم التعامل معهن وفق ما يلي: أ - التغيير والتطوير في عمل المشرفات التربويات والإداريات وبدلا من النقد العقيم ثم تدوين الملاحظات القاصرة في سجل الزيارات والتي مع التوقيع عليها لا تقرأ ولا تنفذ وتحفظ في الغبار بالسجل فإنني أرى التجديد في عمل المشرفات بحيث يكون من صميم عملهن معرفة واقع من يُدِرْن المدارس ومن يدرّسن الطالبات وعند اكتشاف المريضات وكثيرات الخدمة وكبيرات السن وكثيرات الغياب يتم بعد كسب ثقتهن مصارحتهن ونصحهن وتذكيرهن بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) وقوله: (.. أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)، وبعد توعيتهن يتم دعوتهن إلى التقاعد تحقيقا للمصالح وأن يتم هذا بصورة مكثفة ومستمرة ومجتمعة ومتعاونة وعند كل زيارة وأن يتم رفع التقارير العملية عن ذلك. ب - عند مرض المديرة والمساعدات ورفضهن التقاعد فإنه يتم معاملتهن بقوة النظام حتى ولو بواحد في المائة مما يطبق على نقل معلمات ذوات الظروف الخاصة وبحزم وحسم تحول نظاماً وقسراً إلى اسم عملها الأساسي (مدرسة) وتكلف بتدريس 24 حصة أسوة بغيرها وهذا مع مرضها سيدفعها إلى التقاعد بدلا من القعود. ج - ضرورة الجرأة والإقدام في تطبيق النظام أمام المتكدسات على وظيفة واحدة تخالف النظام وأن يتم معاملة جميع المدارس والمعلمات بالعدل بحيث يتم توزيع الزائدات من الموظفات والمساعدات على المدارس المحتاجة مهما كانت بعيدة أو نائية أسوة بغيرهن وعملا بالنظام ومن كان اسم وظيفتها (معلمة) تحول بقوة النظام إلى تدريس 24 حصة وفي هذا حل عملي للمقعدات والقاعدات ودفعهن إلى التقاعد. ما تم ذكره هو حل واحد من حلول كثيرة ما زالت معلمات ذوات الظروف الخاصة وغيرهن في القرى النائية ينتظرنه رحمة بهن وبطالباتنا.. فهل نرحمهن؟.. لعل وعسى!
نورة عبد العزيز الفايز الرياض |