دقّت الساعة المتعبة الواحدة بعد منتصف الليل.. مدّ يده المثقلة بالنعاس.. سقطت أصابعه على غطاء صوفي.. عمر به جسده المتكوّم تحت غطاء آخر.. رفرف طائر النوم.. انسل من بين جفنيه خرج من النافذة.. مكث يرقبه حتى توارى في رحم الليل أيضيء النور؟ يقرأ.. كذب كلها الحياة.. أيصغي لهذا الصندوق الثرثار؟ لا بد له أن يسمع عن هذه الحروب القذرة.. تلك البيانات المتتالية عن الشرف والبطولة.. عن ذلك المجد الوهمي.. الموت للشعوب.. البقاء للقادة. تلك هي الحقيقة.. استوى جالساً.. أخذ كأساً من الماء البارد.. قذف به القطة الغافية.. تموء فزعة.. حسدها على غفوتها.. نفضت شعرها مراراً تكوّمت مرة أخرى واندست في غفوتها من جديد. نهض من فراشه.. استمع إلى المذياع.. سقط مؤشره على اتصال غريب سمعه للمرة الأولى.. نبتت في صدره أشجار الفضول.. أصغى للصوت في هدأة الليل.. حوّل.. حوّل.. كل شيء تمام.. يسري الصمت لفترة قصيرة ينبثق من المذياع صوت آخر: عمليات عمليات.. قبضنا على شاب له شعر طويل ومعه امرأة.. أفاد بأنها زوجته.. حوّل. عوّض الله عن برامج التلفزيون المملة.. ذهب إلى المطبخ.. صنع لنفسه إبريقاً من الشاي وحمل المذياع معه.. النوافذ مغلقة.. كل شيء تمام. صدر صوت.. أصغ العمليات معك: أطلب من الشاب إثبات شخصيته.. حاضر.. انقطع الاتصال.. سمع صوتاً داخل المطبخ.. نظر فإذا القط يغرق في نعاسه.. سار بهدوء.. تحوّل إلى أذن كبيرة.. وصل إلى باب المطبخ.. كانت عصا المكنسة في يده.. فتح الباب.. تذكّر الأفلام الأمريكية فإذا به في مواجهة رجل.. عقد الخوف لسانه.. واحد من هذه الجنسيات التي فاض بها البلد.. كان جسده قوياً.. والمفاجأة على وجهه.. تراجع إلى الوراء بحذر.. مدّ يده إلى الخلف.. سقطت فوق سكين.. - عمليات.. عمليات.. الشاب معه هويته.. المرأة غير مضافة معه.. ما العمل؟ - انتظر حتى تأتيك الأوامر. نظر الرجل يمنة ويسرة.. يبحث عن كل مكان للهرب بيده كأس مملوء.. دقّت الساعة المتعبة.. بردت أطرافه.. أحسّ بحلقه جافاً كنفق تصفر به الريح.. مرر لسان فوقه شفته.. حاول التراجع.. قدمه لاصقة.. يحاول سحبها.. لا فائدة الرجل يمسك السكين.. نظر إلى النافذة حاول أن يصرخ.. صوته مدفون في داخله.
|