لا يحتاج إلى البنج روى الدكتور رشاد فرعون طبيب الملك عبدالعزيز الخاص أردت أن أخرج رصاصتين استقرتا في بطن جلالته أثناء إحدى المعارك فأتيت بالمخدر (البنج) لأحقنه به.. فقال لي: * ما هذا؟؟ - البنج! * لماذا؟! - للتسكين حتى لا تتألم فضحك وقال: دعك من هذا وبعد البنج ماذا تنوي أن تفعل؟؟ قلت : بعد ذلك أشق بالمبضع جلد البطن في موضع الرصاص وأخرج الرصاص، ثم أخيط الجلد. فطلب مني البضع، وتناوله بيده وشق موضع الرصاص، واخرج الرصاصتين، ثم قال لي: الآن تستطيع خياطة الجرح، ولا تحتاج معي إلى البنج. لقد كان أقوى من الألم، رحمه الله. جروح..!! وقال يوسف ياسين: (خاض عبدالعزيز أكثر من مئة معركة ولما مت، وجدوا على جسمه ثلاثاً وأربعين ندبة وأثر جرح..). أب وابن أوفد عبدالعزيز رسله إلى الكويت ليطلعوا الإمام الشيخ على الحدث المعجزة ويدعوه للعودة إلى الرياض، في ذلك اليوم الذي انبثق عن فجر الدولة السعودية الثالثة ونهوضها بشكل جديد في بعث جديد، ولبى الإمام عبدالرحمن الدعوة وعاد إلى الرياض عودةَ الظافر المنتصر بعد أن غادرها منذ أحد عشر عاماً مهاجراً مستتراً بنجم الليل. وخرج الأمير عبدالعزيز لاستقبال أبيه على مسافة ثلاثة أيام من الرياض، ثم سار في ركابه حتى إذا بلغ منزله قال له: - الإمارة لكم وأنا جندي في خدمتكم فبادر الإمام إلى الإجابة بقوله: - إن كان قصدك من استدعائي إلى الرياض تولي الإمارة فيها فهذا غير ممكن، وأمر لا أقبله مطلقاً، ولا أقيم بالمدينة إذا ألححت عليَّ. إنَّ بلداً فتحته بعرقك لأنت أحق بالإمارة فيه. وتكلما حتى انقضى من الليل الهزيع، والابن البار يلح في الرجاء والأب الحادب يتشدد في الرفض، ثم اجتمع العلماء وأهل الرأي للفصل بين الرجلين الكبيرين فقالوا لعبدالعزيز.. - على الابن أن يطيع أباه. ثم التفتوا إلى عبدالرحمن قائلين: - بوصفك والد عبدالعزيز فأنت رئيس عليه فرد عبدالرحمن بحزم: - لكن الإمارة له.. وحينئذ أسقط بيد الأمير الشاب ولم ير مناصاً من الانصياع لأمر أبيه فقال: إنني قابلها بشرط أن يكون والدي مشرفاً على أعمالي فيرشدني إلى ما فيه خير البلاد ويردني عما يراه ضاراً بمصالحها. أكبر من الألم حدث في وقعة كنزان أن انهزم جند عبدالعزيز وكان هو مع الجند وكان وشاح الليل يلف أرض المعركة، فأخذ عبدالعزيز يتفقد جيشه، فشاهد اثنين من خدم أخيه سعد، كانا يرافقانه، فسألهما عنه فقالا: - لقد قتل. فقال عبدالعزيز: - أكبر ظني أنه أصيب فتركتموه وانهزمتم.. ويجب أن أرجع لإنقاذه. فقال المرافقان ومن معهما: - يا عبدالعزيز إن الأعداء كانوا قابضين على زمام فرسه وقد قتلوه ونحن ننظر إليه. فأبى إلا أن يعود إلى أرض المعركة للبحث عن أخيه سعد، لعل فيه بقية من رمق فينقذه من الموت. وكان الأعداء لما عرفوا شخصية سعد قد تشاوروا فيما بينهم وأجمعوا أمرهم على أن عبدالعزيز لن يترك سعداً ولا بد أن يعود إليه فتركوه على أرض المعركة، وكمنوا حواليه ينتظرون قدوم عبدالعزيز. ولما رأى عبدالعزيز بياض سعد في ظلام الليل ترجل عن فرسه وحمله وأخذ يقبله، فأطلق الأعداء النار عليه وأصابت إحدى الطلقات حزامه المملوء بالرصاص فانفجرت منها أربع رصاصات وشقت بطنه فأسرع إلى شده بحزام آخر، وعاد بأخيه إلى معسكره ولم يعلم الجند المرافقون له بإصابته إلا في الصباح حين رأوا الدم فسألوه فأجاب: جرح بسيط في فخذي مس الجلد مساً رقيقاً. ولما وصل إلى نخل القصيبي في ضواحي الحساء، بعثَ خيالاً ليأتيه بملابس وشاش ونزل في ساقية الماء ثم كشف عن جرحه فأعاد الأمعاء والشحم إلى مكانها، ولف عليها الشاش وكان معه سلطان الجبر وسعيد الماجد، فقال لهما: - إذا علم أحد بإصابتي غيركما قتلتكما ثم غير ملابسه وعاد إلى المعركة، وكان الجند قد ضعفت عزيمتهم لما أصاب قائدهم فلما رأوه بينهم بطلعته المهيبة وابتسامته المشرقة، استعادوا شجاعتهم وبسالتهم أما هو فخاطبهم قائلاً: - أيها الإخوان لو أنني بقيت وحدي دونكم فلن أتقهقر، وقد عزمت على أن أدفن هنا أو أبلغ النصر، فمنْ شاء أن يبقى معي فليعمل مشكوراً، ومن شاء أن يعود فليرجع إلى أهله. فأجابه الجند بصوت واحد: - نحن معك يا عبدالعزيز حتى الشهادة وتجددت المعركة، وكان الفوز لعبدالعزيز في نهايتها. كلام في ذكرى اليوم الوطني بمناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية يهمني أن أتناول رجلاً عظيماً من عظماء الجزيرة العربية، وأن أكتب عن موحد دولتنا المترامية الأطراف عن المغامر الجبار الذي اقتحم الصعوبات والأعمال الشاقة بكل سهولة، إنه جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الرجل الذي تحدث عنه المؤرخون وكتبوا سيرته وبطولته، إن جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - شخصية بارزة في العالم لأنه يعتبر واحداً من أعظم القادة في حياتنا المعاصرة، إن الملك عبدالعزيز يمتاز بالذكاء والشجاعة والحكمة السليمة ومرونة السجية.. لقد كان - رحمه الله - يمتاز بالحكمة وحسن التصرف وكان يقيم أعماله وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، كما كان جلالته يعرف متى يكون متصلباً؟ ومتى يكون ليناً؟، هذه الصفات مكنت جلالة المغفور له من السيطرة على البدو الذين كان يصعب السيطرة عليهم وأن يكسبهم إلى جانبه. لقد واجه - رحمه الله - الصعاب منذ طفولته عندما عاش بالكويت مع والده الإمام عبدالرحمن في المنفى وهذه الصعاب لم تُولِّد أي كراهية من جانبه لدى تعامله مع مناهضيه وأعدائه بل إنه شمَّر عن ساعديه وخرج بأربعين رجلاً قاصداً فتح وطنه الأول من يد أعدائه وبالفعل نجحت خطته بعد الصعاب والمشاق وأعلن أنه حاكم الرياض ومن ثم توالت الفتوحات تحت قيادته وإشرافه على الجزيرة العربية حتى تم له ما أرد بفضل الله جل شأنه الذي استنصر به المرحوم في جميع أعماله ومن ذلك الوقت بنى جلالة الملك المغفور له مملكته على أسس متينة وحكم بالأصول الاسلامية الصحيحة. إن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يعتبر من أعظم الدعاة إلى الإسلام في القرن العشرين حيث أدت تحقيقاته ومآثره إلى تدعيم الأمن والنظام في الأرض المقدسة وإلى إعادة المجد الإسلامي لشبه الجزيرة العربية، كما أن الملك عبدالعزيز أدخل في وطنه المعدات الحديثة العصرية لأول مرة فمن تلك المعدات والمستوردات السيارات والطائرات والتليفونات، كما قام جلالته بإنشاء شبكة للبرقيات لربط أجزاء المملكة ببعضها، كما أشرف على إقامة أول سكة حديد بالمملكة لتسير خطوطها بين الدمام والرياض، واهتم بالتعليم وفتح المدارس لطلب العلم والقضاء على الجهل كذلك أمر بفتح المستشفيات وجلب الأطباء الإخصائيين من الخارج للإشراف على المرضى والقضاء على الأمراض. ومن الأعمال التي قام بها الملك - رحمه الله - فتح الإذاعة السعودية في مكة وإقامة أعمال أخرى نافعة من أجل هذا الوطن الغالي، والملك عبدالعزيز رجل من الطراز الأول فقد كان ذكياً وماهراً في تعامله مع القوى الأجنبية، وكان في نفس الوقت دبلوماسياً واقعياً يزن كل امكانية ولا يتخذ أي خطوة بدون تفكير عميق بنتائجها. ومنذ البداية كان - رحمه الله - يتزعم الصدارة في القضايا المتعلقة بحرية واستقلال الدول العربية حيث قدم مساعدات للدول العربية التي كانت تعاني من الحكم الاستعماري في فلسطين والدول الأخرى، إنني أحس بأنني غير قادر على الحديث عن مثل هذا الرجل الذي عمل من أجل توحيد دولتنا وبنائها على الأسس المتينة. إن الملك عبدالعزيز مدرسة تخرج منها الكثير من الرجال الذين انعقد الإجماع على أنهم مِن أعظم مَنْ أنبتت الجزيرة العربية في العصور الأخيرة وأفضل مَنْ تولى قيادتها ونهض بأمرها. ومن هؤلاء الرجل العظيم جلالة الملك المعظم فيصل بن عبدالعزيز الذي سعى إلى تطوير المملكة أولاً بأول، وبالمناسبة فإن الجزيرة لم تشهد منذ أن توحدت أرضها عهداً ساد فيه الأمن وارتفعت راية العلم وأُنشئت الجامعات وعُبدت الطرق وفُتحت المطارات في المدن والقرى ونُهض بالمستشفيات إلا في عهد جلالة الفيصل قائد مسيرتنا نحو الخير والازدهار، وكل ذلك بفضل الوحدة التي أرسى دعائمها المغفور له الملك عبدالعزيز بل إن الصحارى تحولت إلى جنات غناء والفيافي الموحشة إلى مروج زاهية مشرقة والقرى البالية إلى مدن عامرة ومرابع آهلة. إن الفيصل المعظم تحول في تاريخنا بعد انتقال المغفور له والده الملك عبدالعزيز إلى جنان الخلد فلقد اهتم بتطوير هذه المملكة وبالأخص الإشراف على ضيوف هذا البلد كل عام، الحجاج الذين يأتون من كل مكان وفرت لهم الحكومة جميع الإمكانيات النافعة لهم مثل الصحة والاهتمام بصحتهم والإشراف على كل ما يهمهم كما أن حكومتنا الرشيدة لم تقصر في يوم من الأيام بل تسعى من أجل خدمة المواطن ورفعه مستواه في جميع المجالات. إن حكومة الفيصل وفرت جميع الأشياء واهتمت بالنهضة الصحية والعمرانية والإعلامية والعلمية وغيرها ودفعت ورصدت ملايين الملايين كل عام، كما أن الميزانية تزداد عاماً بعد عام بفضل الجهود التي يعملها المسؤولون الكبار في هذا الوطن الغالي الذي يحتفل اليوم باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية؛ إنني أهنئ الفيصل وشعبه بهذا اليوم الكبير يوم الوطن المشهود.
مطلق العساف القباني |