Saturday 22nd October,200512077العددالسبت 19 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

لما هو آتلما هو آت
عبثٌ...!!
د. خيرية السقاف

جلست إليَّ في الصفِّ الأوَّل في الطائرة...
ليس أمامنا غير جدار معدنيٍّ مكلَّلٍّ بإضاءة خافتة، كانت كافية لأن تجعلني أواصل صمتي...
تلاعبَتْ قليلاً بقدميها، ثمَّ عبثت أكثر بأزرَّة المقعد، وجدت فجأة قدميها محمولتين، ممتدَّتين أمامها..، و... عبثاً تحاول ستر أطرافهما بذيل عباءتها... ولم يكن يتحقَّق لها ذلك...
التفتت إليَّ تعتذر عن الإزعاج...، أخبرتها بأنَّني أريد مزيداً منه، ولم تسقط عيناها عن عينيَّ، وقد انفرجتا بقوَّة الدَّهشة التي اعترتها، لماذا؟ قالت؟!... قلتُ بهدوء: لا حاجة لك لأن تندهشي، فثمَّة تفكير يراودني فيما يمكن أن يمثِّل لي سلوكها من اقتعدت بجواري،... لم تفهم أيضاً لماذا لا حاجة لها لأن تندهش..، بل عبثاً ذهبت تثرثر لكي تعرف إجابتي وتفهم قصدي... فيما لا تزال يدها تعبث بالأزرَّة..، جاءتها المضيفة تسألها حاجتها... قالت لها وهي تهرب بعينيها عن وجهي: (لا يا سيدتي لم أطلب شيئاً)، فيما ذهبت الأخرى تغلق مؤشر الاستدعاء... تلهَّفت تتابع حركة إصبع المضيفة، وبمجرد أن ذهبت تلك، عاد المؤشِّر للإضاءة...، وأخذت الأزرَّة تمارس استدعاءاتها،... وأنا أناظر بهدوء، وأتملَّى بصمت، أتأمَّل كيف تشير المؤشِّرات إلى داخل الإنسان، حركة يده، وقدمه، بل كامل جسده فوق مقعد صغير، داخل كيان معدني ينضمُّ به في سجن صغير لا يملك طاقة الخروج منه بمجرد أن يُغلق عليه..، سجن يمثِّل سجوناً كثيرة يأسر الإنسانُ نفسه بنفسه فيه، ثمَّ يأخذ بالعبث.. يريد أن يكتشف تفاصيله، أن يقن على مكنوناته.. بعضها يأتيه، وشيء منها يبقى مخفيَّاً عنه، وفي كلِّ الأحوال فإنَّ الإنسان عابثٌ كثيراً بمصيره... إمَّا إلى النَّجاة وإمَّا إلى الهلاك..
تخيَّلت هذه السَّيدة لو أنَّها تمكَّنت من دخول مقصورة القيادة ما الَّذي يمكن أن تفعله؟...
هنا تعبثُ بقدميها، وظهرها، والمضيفة...
وهناك، أيُّ مصير يمكن أن يواجه هذه المركبة بمن فيها؟
الطائرة.. سجن صغير لتفاصيل كثيرة...
بعضها في الإنسان ذاته...
وآخر فيما صنع...
وفي النِّهاية.., أيُّ نتيجة يمكن أن يؤول إليها؟!...
ذهبتُ أفكِّر...
فيما هي ظلَّت تعبث بقدميها وأصابعها!!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved