بركان ميليس

تمتلئ منطقة الشرق الأوسط ببراكين ثائرة، وأخرى خامدة قد تثور في أية لحظة، ولأي سبب. ومن هذه البراكين التي ثارت ما أشار إليه القاضي الألماني ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية حول اغتيال رفيق الحريري من تورط سوري في جريمة الاغتيال، وذلك في تقريره الذي سلمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان يوم الخميس.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الجامعة العربية إلى إخماد بركان العراق يوشك بركان آخر أن يندلع على حدوده منذراً المنطقة بأيام صعبة للغاية. إذ من المتوقع أن يقوم مجلس الأمن بإصدار قرارات ضد سوريا وشعبها قد تشمل في أفضل الأحوال حصاراً اقتصادياً يعمل على تجويع شعب عربي آخر لفترة زمنية لا يعلمها إلا الله، ونكون عندها أمام بؤرة توتر جديدة قد تكون مصدراً من مصادر العنف الذي يضر بدول المنطقة كلها. وبدلاً من أن يكثف العرب جهودهم لحل مشكلة العراق الملتهبة تتشتت الجهود وتتبعثر الأوراق، والمتضرر الأول والأخير هو المواطن العربي البسيط.
وعلى الرغم مما أحدثه تقرير ميليس من توتر متزايد في سوريا ولبنان والمنطقة كلها، إلا أنه - كما بثت بعض وكالات الأنباء - لم يكن متماسكاً إلى حد تقديم أدلة واضحة ودامغة حول التورط السوري في الجريمة.
فالمطلع على التقرير يجد أنه يرواح بين الأدلة والاستنتاجات التي قد تخطئ أكثر مما تصيب. فلجنة التحقيق تقول: (يمكننا التصور بشكل معقول أن قرار الاغتيال... ما كان ممكناً اتخاذه دون موافقة مسؤولين رفيعي المستوى في أجهزة الأمن السورية). وفي فقرة أخرى من التقرير تقول اللجنة: (من الصعب تخيل تنفيذ سيناريو أو مخطط لعملية اغتيال بهذا التعقيد من دون علمها)، أي: دون علم سوريا. إضافة إلى كلمات احتمالية أخرى مثل: (يبدو) و(محتمل). ويتضح من هذه المقتبسات استناد اللجنة في استنتاجاتها إلى تصورات وتخيلات لا يمكن اعتبارها مستندات قانونية دامغة.
وليس هذا القول من قبيل الدفاع عن المتورطين في جريمة الاغتيال في حال ثبت تورطهم، وإنما هو من قبيل الدفاع عن عدالة التحقيق؛ لأن تقريراً مرتبكاً كهذا، لن يضر سوريا وحدها، بل سيضر المنطقة بأجمعها، وليس من المعقول وضع مصير منطقة بأكملها رهن تصورات وتخيلات لجنة التحقيق.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن التقرير ليس نهائياً وإنما هو البداية لمزيد من التحقيق كما قال عنان وكما ورد في التقرير نفسه أنه من المهم استمرار السلطات القضائية والأمنية اللبنانية في دراسة جميع تشعبات القضية. لكن المشكلة تكمن في أولئك الذين يرون التقرير حكماً نهائياً، وعلى ضوئه يتخذون قراراتهم التي قد تكون متعجلة وفي غير صالح المنطقة.