... واستأنفت محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، وكان منتظراً أن تشهد الجلسة الأولى وقائع وأحداث تدين المتهمين الذين تحاكمهم المحكمة الجنائية العليا في قضية الدجيل، إلا أن الوقائع التي حصلت لم تشبع تطفل متابعي هذه المحاكمة التي لم تحمل جديداً سوى حضور رمزي كلارك ونجيب النعيمي وزيري العدل الأمريكي والقطري، والشهادة التحريرية المصورة للشاهد الرئيس الوحيد وضاح إسماعيل خليل الشيخ الذي توفي في المستشفى نتيجة إصابته بمرض السرطان، والذي كان وقت أحداث الدجيل يشغل مدير التحقيقات في المخابرات العامة.. وهاتان الواقعتان إضافة إلى مداخلة الرئيس السابق صدام حسين التي استطاع من خلالها تمرير رسالة إلى أعوانه تكشف مكان وموقع المحاكمة، وهو مبنى التصنيع الحربي، - وهو مبنى معروف جيداً لأعوان النظام السابق -.. لا شيء جديد في المحاكمة، فحتى شريط ال(سي دي) المصور الذي أظهر صدام حسين وهو يتحدث لبعض أفراد الأمن المقبوض عليهم في الدجيل لا يدين صدام سوى أنه حضر إلى الموقع الذي تعرض فيه موكبه إلى إطلاق النار، وأنه بعد استماعه لضباط الأمن وبعض المقبوض عليهم، قال: (ضعوهم.. كل واحد في مكان).. وهو كلام عام لا يحمل توجيهاً بالقتل أو التعذيب أو غيره من الأفعال والأقوال التي يُبنى عليها توجيه تهمٍ جنائيةٍ، ويعتقد ممن تابعوا جلسة المحكمة أنها كانت لصالح صدام حسين وباقي المتهمين. فالشهادة الوحيدة لم توجه اتهاماً مباشراً سوى لبرزان التكريتي الذي كان وقت الحادثة مديراً للمخابرات، وهو الذي أعطى الأوامر بجمع أهالي الدجيل للتحقيق معهم، وأنّ طه ياسين رمضان رأس لجنةً لمعاقبة أهل الدجيل وبلد، وأنه وجه بتجريف مزارع المدينتين. وهكذا فالوقائع الأولى للمحكمة وحتى الآن تسير لصالح صدام حسين، وحتى الإشارة إلى برزان التكريتي في الشهادة، فقد جاءت في سياق ما يفترض أن يقوم به مدير مخابرات بعد تعرض رئيس النظام - الذي يعمل لحمايته - إلى عملية إطلاق نار على موكبه بقصد قتله، وهو ما يقوم به كل مديري ومسؤولي المخابرات في الدول النامية، وخاصة في الدول المحكومة من قبل الأنظمة الشمولية التي لا تتوانى في التضحية بالشعب كله من أجل حماية رأس النظام. أما طه ياسين رمضان الذي رأس لجنة معاقبة أهالي الدجيل وبلد، فهو إجراء حصل ويحصل في العراق وغير العراق.. والآن تمارس الحكومة العراقية والقوات الأمريكية عمليات تدمير وإزالة لمساكن بل وحتى مدن عراقية مثلما حصل للفلوجة وتلعفر، وهذا سيطرح إشكالاً أدبياً وأخلاقياً للحكومة العراقية الحالية التي تحاكم أركان النظام السابق على حادثة تصنف تهديداً أمنياً لرئيس الدولة، وفي نفس الوقت ترتكب نفس الأعمال ضد بلدات ومدنٍ عراقيةٍ أخرى، والذين يوجهون ويرتكبون هذه الأعمال يحكمون العراق الآن. الشيء الآخر الذي قد لا يفطن إليه كثير ممن تابعوا المحاكمة، إذ كان معتقداً في أن جميع أهالي الدجيل من أهل الشيعة، ولكن تبيّن من شهادة وضاح الشيخ أن قرية الدجيل كانت تضم سنّة وشيعة، وأن بعضاً من قبيلة الخزرج السنّية كانوا من ضمن الذين قبض عليهم وتعرضوا للتعذيب، وأنّ بلدة بلد السنّية المجاورة للدجيل قد شمل مزارعها التجريف الذي أمر به طه ياسين رمضان. أخيراً فصول محاكمة صدام الحالية سوف تتواصل وتكشف المزيد من الحقائق التي ستظهر أن الأوضاع والأفعال التي ترتكب في العراق سواء في عهد صدام، أو في عهد الجعفري وحتى علاوي لم تتغير.. وإذا كانت هناك حسنة، فهي وجود القاضي الكردي الذي كان بقدر ما هو مهذب ممسك بزمام الأمور يقدم صورة طيبة للحالة العراقية الراهنة التي بقدر ما تكشف عن شفافية و حيدة القضاء تظهر أيضاً الكثير من عورات الحالة العراقية تحت الاحتلال.
|