Thursday 12th January,200612159العددالخميس 12 ,ذو الحجة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

التغافل منهج الكرام التغافل منهج الكرام
د. محمد بن علي آل خريف

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(ما استقصى كريم قط)، وقال الشاعر:


ليس الغبي بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغابي

جميل أن يكون هذا المبدأ التربوي الراقي شعاراً لنا في حياتنا وتعاملاتنا، حتى تصفو نفوسنا وتطيب خواطرنا، فتسود المودة والألفة بيننا، فنكون مجتمعاً متكافلاً متعاوناً بعيداً عن المشاحنات والمحاسبات التي ليس لها نتيجة إلا التفرُّق والتّشرذم والبغضاء.. ينبغي أن يسود هذا المبدأ التربوي في أوساط مجتمعنا فيكون القائد متغافلاً مع رعيته والرئيس مع مرؤوسيه، والزوج مع زوجته، والزوجة مع زوجها، والأب مع أبنائه وهكذا.. تغافل إيجابي محمود يتغاضى عن الزلات والعثرات وفق منهج تربوي يصل بهذا السلوك المحمود إلى الإصلاح والتقويم والتعاون على الخير.
صحيح أن درجة هذا التغافل تختلف في التعامل من شخص لآخر من حيث حجم الخطأ، أو الزلة الحاصلة ووفق شخصية من وقعت منه، ومدى تقديره لهذا التعامل وإدراكه لفضيلته، ومن ثم حرصه على تجنُّب مثله، وصحيح أيضاً أنه لا يعني الغفلة والإهمال وتبلُّد الحس، إلا أنه مهما كان الأمر فإن هذا المنهج له دور إيجابي في تكريس التوافق والألفة في مجتمعاتنا وأُسرنا.. ولو أن كل منا تغافل عن الآخر لما كثرت الخصومات وتوترت العلاقات الاجتماعية والأسرية وازدحمت المحاكم بالقضايا خصوصاً أنك تجد كثيراً منها ناتجاً عن خلافات مادية أو مصلحية أو اختلاف في الرؤى والتّصورات بقدر لا بد منه بحكم الطبيعة البشرية، وقد يتسع المجال للتوافق حولها وفق مبدأ التّغافل عن شيء يسير من الحق من كل طرف فتتصافى النفوس ويتنافس الجميع على التسابق لفعل الخير كسلوك جميل حافل بالإيجابيات الاجتماعية النبيلة.
قد يتراءى للقارئ أن هذا المنهج فيه جنوح لمثالية بعيدة المنال في وسط اجتماعي مليء بالمشاحنات والتّقصيات المتكلّفة، لكن الواقع الإنساني والمنهج النبوي يثبت أن تبني هذا المنهج يسير لمن يسَّره الله له ولا يحتاج منا سوى إلى تجرُّد وإخلاص نية ثم عزم أكيد على ترويض النفس عليه والصبر على البدايات العسيرة في التّأقلم على منهاجه وما يلبث إلا أن يكون سلوكاً اعتيادياً تستمتع بممارسته وتشعر بالرضا المفضي إلى السعادة والصفاء النفسي والقبول الاجتماعي خصوصاً إذا انطلق من بُعد تعبدي يُقصد به رضا الرب سبحانه كونه من حسن الخلق الذي أمر به الشارع سبحانه.. ومع أن هذا المنهج مستقل بذاته إلا أنه يعتمد على مقومات أخرى لا تقل أهمية إن لم تزد عليه، من أهمها في رأيي إحسان الظن بالآخرين وإظهار المودة الصادقة لهم والانشغال بقضايا النفس وحاجاتها وتقييم عيوبها والعمل على مداواتها والارتقاء بها إلى المعالي.. كذلك لا بد من الوعي بفقه الخلاف والاختلاف بين العقول والمدارك البشرية فلا يمكن أن يكون عقل اثنين متوافقاً تمام التوافق مهما كانت درجة القربى بينهما ولذلك حكمة ربانية فينبغي أن تكون هذه الخاصية البشرية حاضرة في ذهن كل منا في تعاملاتنا البينية حتى تتسع صدورنا للاختلاف والحوار الإيجابي البنّاء.. إن مؤسساتنا التربوية ومجاميعنا الاجتماعية مدعوة لنشر مثل هذه الخصال الحميدة بين أوساط الناس كرسائل تربوية تهذب السلوك وترتقي بالأخلاق إلى مستويات تتحصَّل لنا بموجبها الخيرية الأممية المنشودة، فعلامة رقي الأمم بمقدار حضها من مبادئ الأخلاق الفاضلة وانتشارها بين أجيالها تتوارثها توارثاً أبلغ من توارث المال، والتاريخ يشهد أن الأمم التي تفقد مبادئ الأخلاق في تعاملات أفرادها فيما بينهم ومع الأمم الأخرى سرعان ما تؤول إلى بوار واضمحلال وذكر سيئ وتقوقع على الذات بعكس الأمة الفاضلة التي تنتشر أخلاقها بين الأمم مما يوسِّع نفوذها ويزيد من وحدتها وقوتها.. وما ماضي أمتنا التليد إلا خير شاهد على ذلك، فلنحث الخطى المتسارعة نحو التعاون على نشر هذا المنهج في مجتمعنا حتى نجني ثماره اليانعة مزيداً من القوة والوحدة والتعاون على الخير.. والله الموفق.
فاكس 4272675

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved