Wednesday 18th January,200612165العددالاربعاء 18 ,ذو الحجة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

هذا أبي هذا أبي
ما أصعب الشعر حين يكون المرثي أبي!
د. أحمد بن صالح السديس وكيل قسم البلاغة والنقد في كلية اللغة العربية

أبتاهُ مهلا، قد مَلَكْتَ جناني،
فَلِمَ الرَّحيلُ وما لبثتَ ثوانِي؟
ليلي يطولُ ولا أحِسُّ بفجره
بعد الفراق، فما أمَدَّ زماني!
الحزن زاد على الليالي ظلمة
والذكريات تهز كل كياني
وتمر يا أبتي خيالاً ممطراً
فتخلف العبرات في الأجفان
هذا أبي يحكي طفولته التي
تحكي الحياة قليلة الأعوان
تروي طفولة بائس غضٍّ وقد
ندَّت عن الأمثال والأقران
لكنه وهو المُعنَّى بُكرة
جعل الحياة مشاعل العرفان
بالعلم والتعليم شق طريقهُ
متدثراً بالصبر والإيمان
هذا أبي يحكي فتوته التي
وهنت يجدب في الفؤاد العاني
قلب الفتى ما عاد يحمل نبضه
حتى غدا كالشيب لا الشُّبان
قلب عليل يشتكي لكنه
عند الشدائد قائد الفرسان
كالنخل ينبت في الفلاة وطلعُهُ
زاد القوافل أو جنى الرُّكبان
هذا أبي يحكي كهولته التي
كانت لنا كخمائل البستان
كنسيم فجر قد أضاء وزانه
تغريد طير مشرق الألوان
وتتابع القطرات تحكي بذله
وغراسه تنمو على الوجدان
هو فجرنا، هو نبعنا، هو بيتنا
هو ظل دوح يرتجيه العاني
ستظل يا أبتي بقلبي حاضراً
تتزاحم الذكرى مع الأشجان
وأراك بالعين الشجية شاهداً
في البيت، في طفلين يختصمان
في مجلس وجمت أرائكه التي
قد طالما سعدت بعذب بيان
في طفلي الملتاع ينشج طالبا
كنفا وظل أب رحيم حاني
في المكتب المهجور حنَّ وما درى
أن اللقا ما عاد بالإمكان
في النخل كنت لهُ محباً عاشقاً
تُهدي الجنى بسعادة وتفاني
في صاحبٍ برِّ وفى، في مسجدٍ
في الآي والترتيل للقرآن
طفل أنا يحبو على أطرافه
وأبي بناء شامخ الأركان
أبتي هو الصدر الذي أغفو علي
ه، أشم فيه نسائم الريحان
نبت سقاني من أطايب روحه
فغدوت بعد مهشم العيدان
قد كنت يا أبتي تُحفز همتي
وتذيقني من حقلك الفيان
وتقودني نحو المعالي ساعياً
حتى نفحت الخصب في كثباني
أبتاهُ والذكرى تهيج مقلتي
حتى غدوت كذاهل حيران
أنا لست أدري هل أخاصم همّة
جعلت ضلوع الصدر كالقضبان
تخذت هشاشة قلبه عونا على
إثقاله بالمد والخفقان؟
أبتاه بُح! مالي رأيتك صامتاً؟
أَوَ ما كفاك تضرم النيران؟
ستون عاماً والسهام مخيطة
لكن قولك زاد في الألحان
وتكتم الآلام في عمق الدُجى
ترجو الرُّقاد لمعشر الخلان
ولقد رآك الناس دوماً باسماً
تُخفي الأسى وتلوذ بالرحمن
ستون عاماً بعد خمسٍ في العلا
حتى سقطت كفارس الميدان
كثرت جروحك في الوغى لكنما
بجروحِ جسمك آيةُ الغفران
أبتاه مهلاً لا تغيب فلربما
لو كان موتك ناطقاً لرثاني!
أبتاه إن رجعت جموع بعد دف
نك إنما قد خلَّفوا جُثماني!
أَشْفِقْ أبي! فلقد عهدتك مشفقاً
ولقد عرفتك طيب الأردانِ
أبتاه إني إن بكيتُ بلوعةٍ
أبكي دما ما زال في شرياني
فاعذر فإني إن ذكرت مكارماً
فلقد بليت بآفة النسيان
واصفح فإني ما وفيت بحقك ال
عالي ولا بأريجك النُّوراني!
أبتاه إني إن رثيتك إنما
أرثي بقلبي غاية الإحسان
أبتاه إني إن نظمت مشاعري
في بحر حبك هائج الدوران..
فلقد أطبت قصائدي ووهبتها
فيضاً من الإبداع والأوزانِ
يا نفسُ صبراً في المصاب فإنني
لله للرحمن حين أُعاني
وبه اعتصامي حين يصرخ جازع
وإليه ترفع للسماء يدان
فاغفر لعبدٍ كان يُدعى صالحاً
والإسمُ صار عليه كالعنوانِ
وإلى اللقاءِ أبي بعدنٍ إنها
تُنسي المصابَ مراراةَ الأحزانِ

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved