أثبت المشهد السياسي في العراق وبحالته الدامية حالياً جهل الإدارة الأمريكية بعلم الحساب السياسي وافتراضاته المستقبلية وبناءً على معلوماته الاستخبارية وتقارير عملائه من الساسة العراقيين ظهر في واقع الحال أن ناتج جمع رقم واحد مع المساوي له فنتج لهم في حسابات البنتاجون رقم أربعة أو أكثر من الناتج البديهي رقم اثنين!
ومنذ تولي (المندوب السامي) السفير بول بريمر للسلطة في المنطقة الخضراء من دار السلام بغداد الجريحة وجاءت إجراءاته السيئة الصيت في قراره بحل القوات المسلحة العراقية ومؤسساته الأمنية من الشرطة المحلية وقوات حرس الحدود وضياع رجال الإعلام بعد إلغاء وزارة الثقافة والإعلام حسب توصية عملائهم من الساسة العراقيين الذين دخلوا مع هذه القوات الغازية على ظهر دبابة واحدة.
وبعد أن أسقط قناع المحرر لشعب العراق عاد لوجه هذه القوات ممارسة القسوة والتسلط لذل الوطن والمواطنين وبشكل وحشي بعيد كل البعد عن مبادئ حقوق الإنسان ومضامين معاهدات جنيف وفضائح سجن أبوغريب لهي أبلغ دليل على مستوى الثقافة الاستعمارية المعتدية لهذه الماكنة العسكرية التي أهانت كل أصناف الطيف العراقي وألبسوا كيس الإهانة الوطنية على رأس كل مواطن وسياسي يعارض وجودهم على التراب العراقي حتى ضاقت معتقلاتهم المنتشرة في كل الأرض العراقية بالسجناء الوطنيين من أبناء هذا الشعب العربي المسلم الذي ابتلى بالظلم والقهر والتسلط الدكتاتوري في عهد النظام البعثي واستمر التعذيب وإذلال الإنسان العراقي في عهد الاستعمار الانكلوأمريكي وعملائه محتكري السلطة بالاستقطاب المذهبي والقومي!
السفير بريمر المندوب السامي الذي وضع أسس النظام الطائفي بلعبته السياسية وديمقراطيتها المستوردة الغريبة على المجتمع العراقي فأصله السكسوني فرض عليه تطبيق مبدأ (فرق تسد) والذي ابتكره جيش تشرشل ومندوبه السامي الأول الجنرال مود الذي دنس عذرية بغداد الرشيد قبل خلفه بريمر.
فقد فكك مؤسسات الدولة العراقية وجاء بدلها بقانون هزيل أسماه نظام الدولة ودستورها الدائم وهو يدرك أو لا يدرك تاريخ العراق السياسي وسيكولوجية شعبه الرافض لكل مشروعاتهم السياسية التي فتحت كل المنافذ العراقية للإرهاب الدولي لتصيده فصادها فالإدارة الأمريكية ومؤيدو قواتها في العراق لم يدركوا هول ومخاطر اللعبة التي نفذوها على شعب العراق العربي المسلم وكأني بهم كالطفل الذي فكك لعبته وأخذ يبكي عليها الآن لعدم استطاعته إعادتها لحالتها الأولى فازدادت المقاومة الوطنية قوة ودخلت مرحلة عسكرية متقدمة حتى أصبحت طائرات الأباتشي تتساقط على الأرض العراقية كحمام الصيد ومع هذا التصميم الوطني رافقها للأسف نتيجة لسياسة بريمر أيضاً بتنشيط حركة الإرهاب الدولي من قتل ونهب الذي بركت فيه قواتها كالبعير المسكور وتتمنى الخروج منه بكل الوسائل التي تحفظ لها ماء الوجه!
فقد فقدت ما يقارب الثلاثة آلاف عسكري هي وحلفاؤها وتسببت في قتل واغتيال أكثر من عشرين ألف عراقي بريء وجندي اضطرته ظروف الحياة القاسية للانخراط بجيشهم الجديد، وكلفت هذه الحرب أكثر من ألفي مليار دولار ومهما حاولت هذه القوى المستعمرة الأجنبية تأجيج النعرة الطائفية إلا أنها خابت أمام الوعي الديني والوطني الذي يتمتع به أبناء الطائفتين السنية والشيعية وكلاهما من وطنيي العراق، مسلمون عرب فوتوا الفرصة بإخلاصهم لجرهم لحرب أهلية تزيد نزف الدم وسقوط شهداء من الطرفين وكلهم عرب مسلمون.
وجاءت الانتخابات العامة الأخيرة التي أجريت في الخامس عشر من ديسمبر الماضي وظهرت أجندتها البرلمانية المبدئية كما توقع الكثير من المحللين السياسيين مقسمة حسب الطوائف والقوميات، وتخضع نتائجها الرسمية لمطبخ النضج السياسي بإشراف الثنائي الحاكم كيسي - زاده.
وقد سحقت سيادة العراق بانتقاد السفير الأمريكي زادة أمام الملأ لوزير داخلية العراق سولاك لطائفيته وأنه لا يصلح للحكم في وزارة عراقية قادمة وتألمت وخجلت لموقف معالي الوزير لعدم رده في وقته على المندوب السامي الجديد أو تقديم استقالته وذلك أضعف الإيمان!
وتقاسمت القوائم الكردية والشيعية المناصب العليا في الدولة الجريحة المفككة فعاد الأكراد بالاستحواذ على رئاسة الجمهورية وبشروط جديدة على رأسها زيادة وتوسيع صلاحيات السيد جلال الطالباني ورشحت قائمة الائتلاف الموحد ذات الوجه الطائفي ثلاث شخصيات من أحزابها المؤتلفة بهذه القائمة، مرشح حزب الدعوة الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء الحالي ومهنته طبيب أخصائي نساء وولادة وقد فشلت وزارته في تحقيق الحد الأدنى من الخدمات العامة التي كان ينتظرها الشعب العراقي الصبور على أحر من الجمر، فالطاقة الكهربائية بقيت على مستواها المتدني والماء ما زال ملوثاً والخدمات الصحية غير ميسرة في أكثر المدن العراقية، ناهيك عن تفشي الفقر والبطالة في كل المستويات العلمية، والوظائف تمنح لأتباع الحزبين من ذوي الكفاءة العلمية المتدنية، أما الأمن والأمان فمفقود تماماً.
وأعلن عن ترشيح المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ومنظمة بدر الصديق الدكتور عادل عبدالمهدي الذي يعتبر من أقرب المرشحين لرئاسة الوزارة القادمة فهو أستاذ أكاديمي متخصص بالعلاقات الاقتصادية الدولية ونجح في إدارة وزارة المالية في وزارة علاوي وحقق كفاءة عالية في إلغاء وتخفيض ديون العراق مع عمل تسويات مالية مع الدول الدائنة وهو من عائلة تمرست في السياسة والحكم، فوالده المرحوم السيد عبدالمهدي المنتفكي من شيوخ المنتفك وشغل منصب رئيس مجلس الأعيان في العهد الملكي.
أما مرشح حزب الفضيلة الدكتور نديم الجابري فهو أستاذ في جامعة بغداد ذو اختصاص عال بالاقتصاد الإسلامي المقارن وله مؤلفات ونظريات خاصة في الاقتصاد المختلط ويؤمن بوحدة العراق الوطنية ومرجعه الديني سماحة الشيخ محمد اليعقوبي الذي يدعو بوحدة المسلمين كافة وبنبذ الطائفية، وله ميل سياسي مع التيار الصدري أيضاً، وقد ينافس الدكتور عبدالمهدي بصورة قريبة على منصب رئاسة الوزراء!
إنها دعوة لكل عقلاء العراق من عربه وأكراده أن يرتفعوا إلى مستوى المصلحة العامة ويبتعدوا عن الأنانية الحزبية والمصالح الخاصة فالعراق لا يحتمل جروحا ونزيفا جديدا، فجسده مثقل بالجراح منذ أربعين عاماً وصبره نفد حتى لو كان كل فرد منه اسمه أيوب!
إن كل مخلص وطني في العراق العربي المسلم يتطلع لقادة أمته العربية والإسلامية لإنقاذه من هذه الورطة العالمية التي يعيشها تحت الظلم والقهر والتعذيب.. فيا ليت يأتي اليوم القريب ليفرح شعب العراق بخير مبادرة عربية إسلامية لإنقاذه مما هو فيه.
محلل إعلامي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية
|