الثناء والمدح يقال في الكثير من المواقف في حياة الناس يخضع لنوع الموقف ومقدار وقعه وأثره، فيمكن أن يكون الثناء والمدح ذا تفاعل مستمر وممكن أن يكون ذا أمد قصير ينتهي في وقته، ويعتبر في عرف الناس من الشيء الذي جبلوا عليه يزرع الثقة في النفوس، ويحفزها نحو الأفضل والأحسن، ولكن ليس كل موقف أو واقعة تحتاج إلى إطراء أو مديح هناك العديد من المواقف تصنف في الواجبات تجد أن البعض يغرق في الإسهاب فيها مما يجعل الأمر في غاية الابتذال حتى إن صاحب الشأن الواعي والفطن يدرك أن هذا يدل على نفس قائله التي أحياناً لا تحسن الإيراد في وصف الموقف بل تبالغ وتتصنع في الثناء وخاصة عند المواجهة والمقابلة الذي يجب الحذر منه (قال أمير المؤمنين علي- رضي الله عنه-: الثناء من غير الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عي وحسد) ويقول الجاحظ: شر الشكر ثناء المواجه لك المسرف في مدحك، وخيره ثناء الغائب عنك المقتصد في وصفك، وصف العتابي رجلاً بالمداهنة فقال: ذلك إن وجد مادحاً مدح، وإن وجد قادحاً قدح، وإن استودع سراً افتضح.
ويقول أبو فراس:
ولا تقبلن القول من كل قائل سأرضيك مرأى لست أرضيك مسمعا |
فهل أنت ممن يتوق إلى كلمات الإطراء والمديح التي قد تزرع في نفسك الثقة أحياناً وتجعلك تطمح إلى المزيد لكي تزيد في عطائك أم أنك تمقت هذا وتميل إلى قبول الدعاء في ظهر الغيب ذلك الدعاء الذي قال فيه الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن أبي الدرداء مرفوعاً دعوة المسلم لأخيه في ظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به ولك بمثل ذلك رواه مسلم، وعن أنس بن مالك عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أيها الناس إن ربكم حي كريم يستحيي إذا رفع إليه يديه يدعوه أن يردهما صفراً) فانظر أخي المسلم إلى منزلة الدعاء حقاً إنها منزلة عظيمة وخاصة عندما تأتي من فقير أو صاحب مسألة أو حاجة تجد أن الدعاء مستجاب من الله عز وجل فقد تحصل على ثناء الناس الذي يذهب في الدنيا ولكن عندما تحصل- رضا الله فإنك تفوز في الدنيا والآخرة فاظفر أخي المسلم بصنيع تسديه إلى محتاج، واترك مدحاً زائلا لا يوضع في ميزان أعمالك الصالحة التي تنجيك بمشيئة الله من لا تبقى ولا تذر.
يقول أبو العتاهية:
خير أيام الفتى يوم نفع واصطناع الخير أبقى ما صنع ونظير المرء في معروفه شافع مت إليه فشفع إنما الدنيا متاع زائل فاقتصد فيه وخذ منه ودع |
|