كثيراً ما تتكرر حوادث دخول الأجسام (الغريبة) إلى الطرق التنفسية والهضمية لدى الأطفال عن طريق ابتلاعها أو استنشاقها... وفي أغلب الأحيان قد تودي تلك الحوادث بحياة الأطفال أو قد تعرضهم للإنتانات التنفسية المتكررة وما إلى ذلك من جوانب مرضية أخرى... ولا سيما في حال تعذر تخلص الطرق التنفسية والهضمية بشكل آلي من الأجسام الأجنبية الداخلة إليها.
وفي لقاء مع الدكتورة لمى أحمد ياسين - استشارية الأنف والأذن والحنجرة والرأس والعنق وجراحتها في مركز الورود الطبي أجابتنا على مجموعة من التساؤلات حول الطرق الإسعافية والوقائية والعلاجية لحوادث دخول الأجسام الأجنبية للطرق التنفسية والهضمية عند الأطفال إلى جانب الاختلاطات الناجمة عنها.
1- تكثر حوادث إدخال الأطفال الأجسام الأجنبية إلى الطرق التنفسية فماذا عن ملامحها العامة؟
- يميل الأطفال عادة إلى إدخال الأجسام الأجنبية إلى الطرق التنفسية والهضمية (أنف - حنجرة - قصبات هوائية) إضافة إلى وضع أجسام أجنبية في داخل الأذن، ويعد استنشاق الأجسام الأجنبية إلى الطرق التنفسية السبب الأكثر شيوعاً لحدوث الوفيات الطارئة عند الأطفال دون السادسة من أعمارهم ولا سيما في البلدان النامية كما يتسبب دخول الأجسام الأجنبية إلى الطرق التنفسية بحدوث انتانات تنفسية متكررة وغير مفسرة إضافة إلى حدوث زلة تنفسية حادة.
- وتكثر حوادث استنشاق الأجسام الأجنبية عادةً لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الستة أشهر والست سنوات ولاسيما في مرحلة (زحفهم على الأرض) إذ نجدهم يميلون إلى وضع كل ما يقع تحت أيديهم في الفم... بينما تكثر حوادث ابتلاع الأجسام الأجنبية لدى الأطفال الأكبر سناً كأن يدخل الطفل في فمه المسامير أو أجزاء الألعاب الدقيقة وقشور المكسرات وغيرها.
2- ما هي المظاهر السريرية لحوادث استنشاق الأجسام الأجنبية عن طريق الفم أو الأنف؟
- تختلف الأعراض تبعاً لموضع الجسم الأجنبي وحجمه وطبيعته وفترة اكتشافه فقد يضع الطفل جسماً أجنبياً في أنفه دون انتباه الأهل مما يحدث انسداداً أنفياً وسيلاناً وحيد الجانب مخاطي ينقلب إلى قيحي ذو رائحة نتنة وفي مراحل متقدمة قد يتسبب بالتهاب الجيوب الأنفية والتراكيب المجاورة للأنف.
- أما في حال دخول الجسم الأجنبي عن طريق الفم لتصل الشجرة القصبية يصاب الطفل وعلى الفور بسعال اشتدادي يستمر دقائق وقد يصدر أصواتاً تدل على الاختناق وخلال 24 ساعة قد يسعف الطفل إلى المشفى ليتم تشخيص الحالة وقد يهمل الطفل ليتسبب ذلك في وضع تشخيص غير صحيح... ثم قد يتبع الاستنشاق فترة هدوء لا عرضية تدوم ساعات وأيام وأحياناً أسابيع ثم تعود الأعراض للظهور وينسى عندها الأهل الأعراض الأولية وتدور الشكوى حول الأعراض الثانوية الناجمة عن دخول الجسم الأجنبي المستنشق من انتانات تنفسية متكررة وتشنج قصبي وتشير هذه الأعراض إلى توقف الجسم الأجنبي في الشجرة القصبية وأما في حال دخول الجسم الأجنبي إلى الحنجرة يحدث سعال ضباحي واختفاء الصوت مع صرير حنجري وقد يحدث نفث دموي وعسرة تنفسية وزرقة وفي المرحلة الحادة قد يموت الطفل إذا حدث انسداداً حنجرياً كاملاً خلال 4- 5 دقائق.
- أما إذا دخل جسم كبير إلى الرغامي فقد يسبب الاختناق السريع وإذا كان الجسم الأجنبي صغير فقد يتحرك مع الشهيق والزفير وينزل الجسم إلى القصبات ويعقب ذلك حدوث نوبات من الاختناق مع سعال وأزيز وزلة تنفسية حسب مكان التوضع ثم تتراجع الأعراض لفترة وتعود مع أزيز وسعال مستمر وقد يلعب الجسم الأجنبي دور صمام يسمح بدخول الهواء إلى الرئة دون خروجه مؤدياً ذلك إلى حدوث انتفاخ رئة انسدادي ثم يليه التهاب بالمخاطية مسبباً انسداداً كاملاً انتهاءً بانخماص رئة انسدادي.
- وقد يحدث انحباساً للمفرزات خلف الجسم الأجنبي مما يسبب التهاب رئوي موضعي مزمن شبيه بذات الرئة المتكرر أو المستمر. وإذا ما استمرت الحالة لفترة طويلة يحدث توسعاً قصبياً أو خراجة رئوية في المنطقة وعندما يحدث انسداداً في قصبتي الرئتين معاً، وهذا نادراً - يؤدي ذلك إلى حدوث زلة تنفسية شديدة واختناق وإذا كان الجسم نباتياً كالفول السوداني تحدث حالة شديدة من السعال والحمى الإنسمامية مع الزلة التنفسية والتي تعرف بالتهاب القصبات النباتي.
3- هل هناك إمكانية لتجنب استنشاق الأجسام الأجنبية؟
- في كل الحالات الوقاية خيرٌ من العلاج، وتعتمد الوقاية على العناية بالمبادئ العامة التي تحول دون وصول الأجسام الأجنبية إلى الطفل وعدم السماح للأطفال بتناول (البذورات) والمكسرات وعدم تناول الأهل هذه المأكولات أمام الأطفال.
وأذكر هنا نقطة مهمة وهي منع الأهل من الإطعام القسري للرضع والأطفال الصغار.
4- وفي حال حدوث الاستنشاق للجسم الأجنبي، ما هي طرق المعالجة الإسعافية؟ - تكون المعالجة الإسعافية بحسب موضع الجسم الأجنبي ودرجة الزلة التنفسية الحادثة، حيث يجب أن تكون فورية إذا كان الجسم كبير الحجم مغلقاً للطريق الهوائي ومهدداً للحياة فيكون هناك خزع الرغامي الإسعافي ضروريا لتأمين طريق هوائي.
- وهنا ينبغي التنبيه إلى أنه بالرغم من سهولة الوصول إلى الجوف الفموي - البلعومي بواسطة هذا الإصبع لاستخراج الجسم الأجنبي كاللقمة الطعامية إلا أن هذا الأسلوب يكمن وراؤه خطر كبير إذا لم ينجح المسعف حيث يندفع الجسم الأجنبي إلى الحنجرة ويتحول الانسداد الجزئي إلى كامل.
كما يجب عدم قلب المريض على عقب وضربه على ظهره من أجل طرح الجسم الأجنبي من الرغامي أو القصبات الرئيسية خشية تغيير مكانه الذي قد يسبب انسداداً كاملاً للحنجرة أو الرغامي أو القصبة الرئيسية وبالتالي قصور تنفسي شديد للمريض.
- وهناك مناورة هملش الإسعافية لإخراج الجسم الأجنبي من صدر المريض وذلك بأن يحيط المسعف المريض بيديه من الخلف ويدفعه بشدة في الشرسوف لأعلى نحو الصدر بقبضة اليدين المتشابكتين حيث يزداد الضغط داخل الصدر ويدفع الجسم الأجنبي للخارج وهذه الطريقة مفيدة في كل الأعمار بما فيهم الرضع وبشكل عام تتم معالجة الحالات غير الحادة جداً بإجراء تنظير حنجرة وقصبات واستخراج الجسم الأجنبي تحت الرؤية المباشرة ونسبة النجاح عالية مع الانتباه إلى معالجة الإنتانات التنفسية الثانوية بالمضادات الحيوية.
- وأهم نقطة هنا أنه يجب عدم إهمال أية قصة لاستنشاق جسم أجنبي عند الأطفال، وفي الحالات المشكوك فيها يجب إجراء تصوير مقطعي للقصبات الهوائية بما يسمى Virtual Bronchoscopy الذي يعتبر أحدث طريقة لتنظير القصبات من الداخل دون إدخال منظار، حيث يعطي تشخيصاً أكيداً في حال عدم وجود جسم أجنبي ويجنبنا إجراء تنظير قصبات تحت التخدير العام وفي حال وجود جسم أجنبي، يحدد مكانه بدقة مما يسهل المعالجة باستخراج الجسم الأجنبي عن طريق التنظير القصبي المباشر.
د.لمى ياسين استشارية الأنف والأذن والحنجرة والرأس والعنق وجراحتها مركز الورود الطبي
|