جزء من آية كريمة توضّح حال أعداء الله، وأعداء دينه، وتبرز حقيقةً من واقع ما يدور من أحداث..
جاءوا بجيوشهم وأجمعوا بإعلامهم ومعداتهم، على بلاد المسلمين، بأسماء وشعارات متنوعة، ومبررات متعددة، ظهر أثر ذلك في تعديهم على شعائر المسلمين، وتطاولهم في سجونهم على إهانة كتاب الله الكريم ودوسه بالأقدام، فضلاً عن عبارات السخرية في سجون متعددة، أبرزها معتقل (جوانتانامو)، في كوبا بأمريكا الجنوبية، إذ طفح على السطح، مما تسرّب من أخبار التعذيب وإهانة دين المسلمين، ومقدساتهم بما يقشعر من ذكره البدن، فضلاً عن رؤيته على الحقيقة.
ثم ما برز في الدانمارك، من تطاول وسخرية برسول الله صلى الله عليه وسلم، سيد البشر وأفضل الخلق عند الله وخاتم الرسالات، برسومات لو أريد بها قطة أو كلب من الكلاب المدللة عندهم لحركوا لها جمعيات حقوق الإنسان، وجمعيات الرفق بالحيوان.
فكيف بعقلائهم، وحكوماتهم يسكتون على هذا التجني الذي أثار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، هل نفهم من هذا عدم تحريك حكوماتهم ساكناً، يطمئن فورة الغضب عند المسلمين؟!
في أمريكا ينفون كاذبين ما حصل، وبأفواههم يحاولون إرضاء المسلمين، بينما تحدث المسجونون بما حصل وسربوا معلومات بتفاصيل الوقائع والإهانات فضلاً عن الأفراد، وإنما عن أقدس ما يعتز به كل مسلم إنه كلام الله الكريم، ومصدر التشريع في الإسلام.
فهل يرضى النصارى، أن يعمل مسلم ولو كان فاقد العقل، ومرفوعا عنه القلم وأن يتجرأ على واحد من كتبهم، أو نبيّ من أنبيائهم، سيقولون لا ويثورون، ونحن المسلمين علَّمنا ديننا بأن نقول معهم لا ونثور حميّة لذلك لأن الله أمرنا ألا نفرق بين الكتب والرسل يقول سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}.. (البقرة 285).
وهل يرضى النصارى واليهود أن يتطاول كاتب مسلم في صحيفة ما على دين هؤلاء القوم، لاشك أنهم سوف يثورون ويحركون قدراتهم إعلامياً وعسكرياً واقتصادياً لكننا لا نتجرأ على ذلك لا رهبة منهم ولكن لأن الله سبحانه أدّبنا، بأدبٍ رفيع، حتى لا يحصل للفعل ردة فعل على ديننا ومقدساتنا، بل على الله سبحانه خالقنا، وموجدنا من العدم، يقول سبحانه: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}.. (الأنعام 108).
إن ديننا يؤدّبنا بحسن التعامل مع الآخرين، واحترام مشاعرهم، ونخاطب بذلك أفئدة العقلاء منهم، الذين يجب أن يأخذوا على أيدي السفهاء، ولا يجعلوهم سهم عداء مسلّطا على الإسلام والمسلمين، أو دمية يحركها أعداء الطرفين لغايات ومصالح.
إن مثل هذا يحرك نقمة مكتومة، وتفجراً في النفوس، وبخاصة عندما يصل الأمر إلى أعلى ما يعتز به المسلم: الذات الإلهية، وكتاب الله، ورسول رب العالمين، حيث يفدهم المسلم بروحه وماله وولده.. والناس أجمعين، وشيء يفدى بمثل هذا، يدل على عظمة مكانته في النفوس.
وإذا عدنا إلى الآية الكريمة، نجد نصها كما يلي: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}.. (التوبة8)، قال البغويّ في تفسيره: لا يراقبون الله، ولا عهداً، ويعطونكم بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم، وأراد الله بالفسق نقض العهد (4: 15-16).
لقد جاء اعتذار حكومتهم، عن هذه الفعلة الشنعاء، بارداً كبرودة الجوّ عندهم في هذا الشهر، فكيف يتنصّلون من هذا العمل: بحجة أن الصحيفة لا علاقة للدولة بها، لأنّ لها استقلاليتها وأننا نأسف..
فهل حدث مثل هذا، يستقبل بعدم المبالاة الذي هزّ وجدان مليار مسلم، على وجه الأرض لا يكفي فيه تصرف، لا يعبر عن رد اعتبار، يتلاءم مع الحدث؟!
وأعتقد لو حصل أمر يمسهم في عقائدهم، أو اقتصادهم، أو أحد المسؤولين عندهم، لضجت الأجهزة وتبارى المحامون في تبرير الدخول في ذلك الأمر، بما وراء الأكمة من رد الفعل المرضي، والغرامات في رد الاعتبار، وما يسمونه التأثير على السمعة.
ولو ألصق المفترون على رسول الله، جزءًا من تلك الرسومات والتهم، على بعض أبقار الدانمارك، التي من ألبانها وأجبانها تقوم عليها معايشهم، وينمو اقتصادهم، لثأرت أجهزة الدولة بأكملها، على هذه العملية وطلبوا محاكمة الفاعل، وإنزال العقوبات والغرامات عليه، وبأشدها ألماً عليه.
فكيف يهون عليهم، ولا يراعون احتجاجات المسلمين، الذين تحمسوا حمية لنبي الرسالة، وما تجرأت به صحافتهم عليه.. صلى الله عليه وسلم، فإن عرض الدنيا ومكاسبها، أهون على المسلمين من هذه الجرأة، التي لم يرد من حكومة الدانمارك، ما يطمئن قلوبهم: فعلاً إيجابياً، وعملاً محسوساً نحو الصحيفة والمسؤول عنها، والفاعل لتلك الرسومات المتكررة.
وقد أحسنت الدولة السعودية، والشعب السعودي، بالتعبير عن شعورهم نحو هذا الهدف، بعد أن طال الوقت ولا اعتذار من كوبنهاجن، ولا تصرّفاً يريح النفس، لأنّ السكوت علامة الرضا، فكان التحمس الحكومي والشعبي، يتمثل في أمور تعبر عن الاستياء:
1- استدعاء السفير السعودي من كوبنهاجن، المحلات التجارية تقاطع المنتجات والسلع الدانماركية، رئيس مجلس الشورى يدعو لمقاطعة الدانمارك اقتصادياً، مفتي عام المملكة يصدر بياناً يطالب بالاعتذار رسمياً، ومقاطعة السلع الدانماركية، خطيب المسجد الحرام وخطيب المسجد النبوي يدعوان المسلمين في كل مكان لمقاطعة السلع الدانماركية، شعوب العالم الإسلامي، وخطباء المساجد والصحف في كل مكان تعبر عن غضبها على هذه الجرأة بالتطاول على نبي الله.
كل هذه الأمور من أجل أن تتحرك حكومة الدانمارك بجدية، لتكون جادة وإيجابية في التفاعل مع هذا الحديث الكبير.. وعسى أن تتجاوب، ومعها الهيئات المختصة، في عمل مريح يزيل ما في النفوس من تأثر مس أعلى المقدسات عند المسلمين.. وإننا لمنتظرون، وغداً لناظره قريب.
إجلاء اليهود من خيبر
ذكر ابن هشام في كتابه السيرة النبوية: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، افتتح خيبر عنوة بعد القتال، وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل، على رسوله صلى الله عليه وسلم، خَمَسَها رسول الله، وقَسمَها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء، بعد القتال، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال، على أن تعملوها، وتكون بيننا وبينكم، وأقرّكم على ما أقرّكم الله؟ فقبلوا.
فكانوا على ذلك يعملونها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبعث عبدالله بن رواحة رضي الله عنه، فيقسم ثمرها، ويعدل عليهم في الخرص، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أقرّها أبوبكر رضي الله عنه، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم، وعلى المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله حتى توفي، ثم أقرها عمر رضي الله عنه، صدراً من إمارته.
ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في وجعه، الذي قبضه الله فيه: لا يجتمعنّ بجزيرة العرب دينان؛ فقحص عمر عن ذلك، حتى بلغه الثبت، فأرسل إلى يهود، فقال: إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم، وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجمعنّ في جزيرة العرب دينان، فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، فليأتني به، أنفذه له، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من اليهود فليتجهّز للجلاء، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.
وحدّث نافع أنه خرج مع عبدالله بن عمر، والزبير والمقداد بن الأسود، إلى أموالهم بخيبر يتعاهدونها، فلما قدموا تفرقوا في أموالهم، فعُدِي على عبدالله بن عمر تحت الليل، وهو نائم على فراشه، فَفُدِعَتْ يداه من المرفقين، فلما أصبح استصرخ على صاحبيه، فأتيا فسألاه: من صنع هذا بك؟ قال: لا أدري..
فأصلحا من يديه، ثم قدما على عمر به، فقال: هذا عمل يهود، ثم قام خطيباً، فقال: أيّها النّاس، إن رسول الله كان عامل يهود خيبر، على أنّا نخرجهم إذا شئنا، وقد عَدَوْا على عبدالله بن عمر، ففدعوا يديه، كما قد بلغكم قتلهم الأنصاريّ، عبدالله بن سهل، قبله، ليس لنا عدوّ هناك غيرهم، فمن كان له مال بخيبر، فليلحق به، فإني مخرج يهود.. فأخرجهم (السيرة النبوية لابن هشام 3: 371- 372).
|