إن بينهما لشبها كبيرا (الجزائر وفلسطين) في جوانب عديدة، كلاهما خضع للظلم والجور والاضطهاد والتشريد من قبل الغرباء وأعداء الوطن، الجزائر بقيت قرابة 150 عاما تحت نير الاستعمارالفرنسي، قاوم الجزائريون ذلك الاستعمار بكل بسالة ودفعوا من أجل ذلك الغالي والنفيس من الأنفس والمال حتى عرفت الجزائر بأرض المليون شهيد.
فلسطين تعاني منذ قرابة قرن من ممارسات الظلم والجور والصلف الصهيوني وقبله الظلم البريطاني الذي أفرز وعداً من وزير خارجيتها بالفور عام 1917م، ذلك الوعد الشهير تاريخياً والمشؤوم عربيا وفلسطينياً.
إن هذا الوعد من بريطانيا لليهود بإيجاد وطن لهم في فلسطين مكن الصهاينة من العمل على تحقيقه سياسيا وعسكريا على كل المستويات المحلية الداخلية في فلسطين، وعلى مستوى العالم من خلال القوى العالمية المتمثلة في بريطانيا والولايات المتحدة وكل الدول الغربية دون استثناء بل ومن خلال روسيا التي كان يظهر لنا أنه مساندة للقضايا العربية بينما كانت المعترفة الأولى بدولة الكيان الصهيوني عام 1948م.
استقلت الجزائر عام 1962م، وتولى زعماء الثورة قيادتها حيث حكم ابن بلة لفترة قصيرة ليطيح به هواري بو مدين ويحكم البلاد قرابة عقدين ليأتي بعده ابن جديد ثم عبود ثم أخيرا أبو تفليقه.
كانت الجزائر تغلي خلال الثمانينيات، وتمخض هذا الغليان عن ولادة جبهة الإنقاذ التي فازت في الانتخابات عام 1992م ولكن العسكر لم يرق لهم ذلك الفوز ورفضوا نتائج تلك الانتخابات فدخل المجتمع الجزائري في مستنقع دموي راح ضحيته أكثر من مائة ألف نسمة، ولا يزال الحبل على الجرار.
آمل ألا يؤول الحال في فلسطين إلى ذلك الوضع عندها سيجد الفلسطينيون أنفسهم معززين بالأسلحة من داخل فلسطين ومن خارجها، وسيكون الدم أكثر غزارة وستكون الخسارة فادحة حيث لن تقتصرعلى الأنفس بل ستتجاوزها إلى خسارة الوطن نهائياً لأن القضية ستبدأ من الصفر، ولن يكون هناك سلطة فتح ولا سلطة حماس وإنما سلطة الكيان الصهيوني.
إن الفرق بين فوز جبهة الإنقاذ ومنظمة حماس هو أن جبهة الإنقاذ فازت في بلد كله جزائريون، ولكن حماس فازت في أرض يعيش على أغلبها عدو صهيوني، على كل حال وبغض النظر عن المقارنة فإن منظمة فتح يجب أن تعترف بأن الأيام دول، وعليهم التمثل بالمثل الذي يقول (لو دامت لك لما آلت إليك).
يجب ألا يعتقد أعضاؤها بأنهم الأحق وأنهم الأجدرلأنهم ناضلوا منذ تشكيل المنظمة لأن غيرهم ناضل في الداخل منذ وجود المنظمة ومنذ عودة المنظمة، الوطن للجميع لكل أطياف الشعب الفلسطيني.
فازت حماس وهي في نظري ونظر الأغلبية الفلسطينية تستحق الفوز في هذه الانتخابات التي ظهرت بأنها نزيهة، نبارك للشعب الفلسطيني هذه الانتخابات وهذا الفوز لحماس، اعترف الخصم السياسي (منظمة فتح) بفوز حماس بانتخابات المجلس التشريعي، وهذه خطوة جيدة.
لا أعتقد أن منظمة فتح مندهشة أو مستغربة لهذا الفوز إلا إن كانوا يخدعون أنفسهم، والسبب أن منظمة فتح فقدت السيطرة على تنظيماتها، وربما كانت الالتفاتة للجوانب الشخصية لمؤسسيها، والبعد نسبيا عن هموم الشارع الفلسطيني من أهم أسباب بعد الناس عن منظمة فتح.
يبدو أن حماس كانت أكثر التصاقا بالشارع الفلسطيني وبهمومه ومشاكله، ولذلك جذبت أطروحاتهم الوطنية عقول الناس وفكرهم وتبنى الشعب توجهاتهم الصادقة تجاه قضيتهم.
أثبت قادة حماس أنهم يهتمون بالأرض والشعب ،ولم يشتم الشعب منهم رائحة الفساد الإداري والمالي، أدرك كثير من الفلسطينيين أن قادة حماس صادقون في توجهاتهم الوطنية، وأنهم لا يناورون في ذلك، وكان ذلك الإثبات من خلال استشهاد العديد من قادتها ورموزها.
حماس فازت لتلك الأسباب الوطنية الصرفة وكل القادة السياسيين في العالم وكل الشعوب الحرة، وكل من يعرف عن قيمة الوطن يعترف بفوز حماس، وفي نفس الوقت لا بد من الاعتراف بأنه لولا شفافية الانتخابات لما فازت حماس بالأغلبية.
إن اعتراف كثير من قادة العالم بفوز حماس جاء مشوشاً ومقروناً ببعض التعليقات.
الرئيس بوش يقول: إن على حماس أن تعترف بوجود إسرائيل لكي يتم التعامل معها.
لم يكن بإمكانه أن يقول: إن فوز حماس غير شرعي بل على العكس استغل ذلك الفوز ليقول: إنه نتاج التغيير الديمقراطي الذي يعتري الشرق الأوسط بفضل سياسات الولايات المتحدة.
حكومة الكيان الصهيوني تقول: إنها لن تتعامل مع حكومة فلسطينية تشكلها حماس.
رئيس وزراء فرنسا قال: إذا أرادت حماس أن يتعاون معها الغرب فعليها نبذ العنف والاعتراف بدولة إسرائيل.
وهكذا قال وزير خارجية بريطانيا ومثله وزير خارجية روسيا.
وسيقول هذا الكلام أو شبيها به كثير من قادة العالم الغربي والشرقي.
لقد تجاهل الكيان الصهيوني حماس سياسياً ولم يتجاهلها عسكرياً، ولم تنجح السياسة العسكرية المتمثلة في اغتيال قادتها السياسيين والعسكريين، لم يفهموا أنه كلما مات قائد ورثه قائد آخر وسار على نفس الخطى.
الولايات المتحدة اعتبرت حماس منظمة إرهابية، وكذلك الدول الأوربية وهو ادعاء باطل.
إن على هذه الدول والكيان الصهيوني أن يتعاملوا مع حماس وأن يدركوا أن هذه المنظمة انتخبت ديمقراطيا، وعليها التعامل بالطريقة المناسبة بما يكفل قيام دولة فلسطينية، ومهما تكن الأقوال والتعليقات على هذا الفوز المستحق فإن على الفلسطينيين في حماس ومنظمة فتح التعايش مع هذا الفوز وتقديره حق قدره في هذه المرحلة.
إن فوز حماس فرصة للفلسطينيين ليجربوا قيادة جديدة شرعية انتخبت بنزاهة.
هناك العديد من الأسئلة حول التعامل مع هذا الفوز ومن هذه الأسئلة: هل ستكون حماس في المجلس التشريعي على مستوى المسؤولية السياسية كما كانت على مستوى المسؤولية العسكرية من خلال ممارسة المقاومة؟ هل ستستطيع أن تمارس العمل العسكري المكشوف المتمثل في المقاومة، وفي نفس الوقت ممارسة العمل السياسي التفاوضي؟ هل ستفكر حماس في قصر المقاومة أو وسيلة المقاومة على الحجارة؟ هل ستفكر حماس في قصر استخدام السلاح ضد العسكريين الإسرائيليين، وفي داخل الأراضي الفلسطينية التي تمت استعادتها؟ هل ستعترف حماس باتفاقات أسلو؟ هل ستعترف حماس بخارطة الطريق؟ والسؤال الأهم على الإطلاق هل ستعترف حماس بالدولة الصهيونية وإمكانية وجود دولتين تعيشان بسلام جنبا إلى جنب يتشاركان عاصمة واحدة هي القدس؟ أما منظمة فتح فهل ستشارك في الحكومة الفلسطينية الجديدة؟ ما نوع المعارضة التي ستتخذها منظمة فتح؟ هل ستقاوم الاحتلال وتطلق الصواريخ ومدافع الهاون على المستوطنات، كما كانت تفعل حماس؟ هل ستمارس المعارضة من خلال نوع من الإخلال بالأمن أو الفوضى الأمنية أم من خلال معارضة سياسية بحتة؟ إن منظمة حماس قد لا يكون لها خبرة كافية في المفاوضات بشكل ولم يكن لديها تلك الاجتماعات ولا التنظيمات السياسية وربما التنظيم العسكري كان هو الأبرز.
ولكن ربما بعد فوزها وتشكيلها للحكومة سيكون لدى قادتها من المستشارين ما يعينهم سياسيا على المفاوضات إذا اختاروا طريق المفاوضات.
أعتقد أن قادة حماس يدركون خطورة فوزهم عليهم وعلى فلسطين كوطن بشكل عام، إنه وفي حالة عدم استثماره بشكل جيد مع القوى الداخلية والإقليمية والعالمية فإن الخسارة ستكون فادحة.
إن حماس بحاجة لكسب ثقة منظمة فتح والقوى السياسية الفلسطينية في الداخل، كما أن عليها كسب ثقة الدول العربية المساندة للقضية الفلسطينية، ثم عليها طمأنة العالم المساند للكيان الصهيوني من خلال إبداء استعدادها للتفاوض مع أي كان من أجل الوصول إلى حل سلمي وعادل للقضية الفلسطينية.
الكيان الصهيوني يعتبر حماس منظمة إرهابية، وهكذا الولايات المتحدة الأمريكية وانضمت لهما الدول الأوربية، وعندما تشكل حماس حكومة ويمثل أعضاؤها الأغلبية في المجلس التشريعي، وتصدرالتوجيهات بشن هجمات على المستوطنات الصهيونية فإن الكيان الصهيوني سيستغل ذلك ويعتبره بمثابة إعلان حرب ويجد الفرصة مناسبة لمهاجمة كل قادة حماس ربما وهم مجتمعون في المجلس التشريعي أو في مجلس الوزراء، باعتبار أنهم إرهابيون في نظرهم وسيجدون من يساندهم في ذلك الادعاء، لم يتورع شارون في هدم المقاطعة ومحاصرة عرفات، ولن تتورع حكومات صهيونية أخرى في انتهاز الفرصة في هدم ما بقي من المقاطعة.
لقد ورثت حماس مجموعة من الاتفاقات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني ومع دول عديدة، وعلى منظمة حماس أن تتعامل معها بحذر وبحكمة.
كما أن حماس ورثت العديد من تعاقدات الدعم المالي الذي عليها أن تتعامل مع مانحيه بحكمة وحذر لأنه وبدون هذه التعاقدات والتعهدات والدعم ستجف المنابع المالية للفلسطينيين.
كما أن حماس ورثت سلطة كانت منظمة التحرير هي السبب في وجودها، لم يكن هناك سلطة في فلسطين قبل عودة الرئيس ياسر عرفات - آمل أن يتولاه الله برحمته - ولم يكن هناك سلطة لولا وجود اتفاقات أوسلو.
على حماس أن تعي كل التغيرات وأن تجري كل المشاورات والاستشارات في الداخل والخارج من أجل كيفية الحكم وقيادة المركب بسلام.
آمل أن تسود الحكمة لدى قادة حماس ولدى منظمة فتح، وأن يتم التعاون والمشاركة كما دعت لها حماس.
إن ترك حماس لوحدها وعدم مشاركتها الحكم من قبل منظمة فتح لا يعني غرقها عندما يثقب أعداؤها مركبها لأن غرقها لن يكون في بحيرة صغيرة يكون فيها أمل لنجاة البعض، وإنما في بحر قد يجتاحه طوفان يبتلع المركب بما فيه دون أن يكون للبعض من نجاة، آمل ألا يحدث ذلك.
|