* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي فراج:
ما حدث في القمة الإفريقية التي عقدت مؤخراً بالخرطوم يدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت هي المحرك الرئيسي للأحداث، حيث جاءت نتائج القمة السادسة للاتحاد دون التطلعات بعد ما سرقت قمة الاتحاد للعام الجاري الأضواء من جميع قضايا القارة وفي مقدمتها أزمة دارفور وكان واضحاً إصرار واشنطن على الحيلولة بين السودان وبين رئاسة الاتحاد تحت دعاوى أن مهمة الاتحاد هي النهوض بالديمقراطية وحقوق الإنسان ولذلك سوف يتقرر إذا تولى السودان منصب رئيس الاتحاد، حيث تتهم الحكومة الأمريكية حكومة الخرطوم بارتكاب مذابح عرقية واثنية في الجنوب ورغم تأكيد السودان على عدم صحة ذلك إلا أن واشنطن استطاعت أن تحشد لوجهة نظرها.
ويرى الخبراء والمحللون أن الاتحاد الإفريقي سوف يتحول في الفترة القادمة إلى تابع لأمريكا وأن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش سوف تسعى إلى نزع الفاعليات الإقليمية عن الاتحاد وتدويل كافة القضايا لضمان وجود قوات عسكرية دولية بقيادة قوات حلف الناتو التي تحركها أمريكا بشكل واضح.
الدكتورة أماني الطويل خبيرة الشؤون السودانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أوضحت أن تحول منظمة الوحدة الإفريقية إلى منظمة الاتحاد الإفريقي كان مؤسساً على فكرة حل النزاعات بمساعدة المجتمع الدولي بمعنى أن تكون كل الأطراف موجودة بأجندتها السياسية وهو ما يبرر الموقف الأمريكي الأخير وتدخله في القرارات النهائية الصادرة عن القمة التي عقدت في الخرطوم وحالت دون وصول السودان إلى رئاسة الاتحاد وتكمن وجاهة المبررات الأمريكية في أنها ارتكنت على أن السودان لا يصلح أن يكون طرفاً في النزاعات ورئيساً للاتحاد أن معني ذلك أن السودان سيكون هو رئيس القوات التي تحمي دارفور وغرب السودان وهو في الوقت نفسه الخصم وهذا لا يصلح منطقياً غير أن وجاهة هذه المبررات التي ساقتها واشنطن لا تخفي أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل منذ فترة ومن وراء ستار الأمم المتحدة التي باتت تأتمر بأمر الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة وبشكل فج واضح وأنها تسعى منذ زمن إلى الاستيلاء على القرار الإفريقي حتى لا يكون مستقلاً عمّا تريده واشنطن.
وقد وضح ذلك بتخلي الإدارة الأمريكية عن وعودها للاتحاد الإفريقي بالدعم المالي وسوف ينزع الفاعلية عن المنظمة الإقليمية ويجعها رهناً بإرادة القرار الدولي الذي تسيطر عليه أمريكا.
وأكدت أماني الطويل أن أمريكا تسعى إلى التواجد في إفريقيا ليس سياسياً فقط ولكن عسكرياً عبر قوات من حلف الناتو في مناطق النزاع تكون تحت قيادة القبعة الأمريكية الزرقاء.
ويرى الدكتور هاني رسلان خبير الشؤون السودانية بمركز الأهرام أن مسألة التدخل الدولي المباشر في إفريقيا بشكل عام والسودان بشكل خاص قد تحولت إلى هدف رئيسي لدى حركتي التمرد، الأمر الذي يثير الكثير من الدهشة والاستغراب، ويزرع الشكوك حول مصداقية هذه الحركات ومدى جدية تمثيلها للشرائح الاجتماعية والقبلية التي تتحدث باسمها.
فالمفهوم أن هاتين الحركتين ترفعان شعاراً سياسياً يطالب بالعدالة في التنمية وحصة متوازنة في قسمة السلطة.
ورغم مشروعية هذه الأهداف إلا أن متمردي دارفور قد أضاعوها على ما يبدو وسط ضجيج الحملة الإعلامية حول الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في دارفور، ولم تعد هذه المطالب هي الهدف الذي يسعون إليه بقدر ما أصبح التدخل الدولي مطلوباً في حد ذاته وليس كأداة للضغط أو وسيلة لنيل أهداف استراتيجية أعلى وهو ما حدث في قمة الخرطوم، حيث فشلت السودان في الوصول إلى رئاسة القمة.
وأشار رسلان إلى أن فكرة التدخل اعتمدت بشكل أساسي حول مقولة ان ما يجري في دارفور يمثل إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً، ثم أخذت هذه الفكرة تتحول إلى سلوك دولي وقرارات ملزمة عقب القرار الذي أصدره الكونجرس الأمريكي حول الأزمة واعتبرها من جانبه إبادة جماعية، الأمر الذي يستدعي إلى الضمير العالمي ذكريات الإبادة الجماعية التي حدثت قبل عشر سنوات في رواندا وبورندي وراح ضحيتها مليون إنسان وبقي العالم خلالها متفرجاً ولم يتخذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون استمرار هذه المذابح آنذاك، ومن ثم تحولت قضية الإبادة الجماعية إلى وقود حارق لحملة إعلامية هائلة لم يكن لدى الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وسيلة سوى الاستجابة لها بعد أن أطلقت ضغوطاً داخلية قوية، خاصة أن إدارة بوش لم تكن تستطيع أن تترك زمام المبادرة في هذه الأزمة.
وأوضح رسلان هنا أن قضية التدخل الدولي قد بنيت من الأصل على أساس هش، استناداً على وجود حالة من حالات الإبادة الجماعية، وهو الأمر الذي نفته كل الجهات ذات الاختصاص والمصداقية، وعلى ذلك فإن فكرة التدخل الدولي قد بدأت تفقد زخمها وتتراجع نسبياً إلى الخلف، رغم أن قرار مجلس الأمن قد صنف أزمة دارفور باعتبارها تهديداً للسلم والأمن الدوليين وأنها بهذا تقع في نطاق الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز لمجلس الأمن التدخل المسلح تحت مسمى قوات حفظ السلام أو غير ذلك من المسميات، وقد أشار قرار المجلس إلى إمكانية اتخاذ بعض التدابير ضد السودان إذا لم تلتزم الحكومة السودانية بمعالجة الأزمة ونزع سلاح ميليشيات الجنجويد وتوفير الحماية والأمن للنازحين وإعادتهم إلى مواطنهم الأصلية، وربط هذه التدابير بالمادة 41 من ميثاق الجمعية العامة التي تفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية (جزئية أو كاملة)، وقد تصور البعض أن هذا يعني استبعاد العقوبات العسكرية، إلا أن ذلك غير صحيح في ظل الإشارة في مقدمة القرار إلى البند السابع من الميثاق، وهكذا فإن القرار بصورته الراهنة يمسك بالعصا من المنتصف، حيث تظل إمكانية التدخل قائمة من الناحية النظرية وإن كانت تظل احتمالاتها ضعيفة من الناحية العملية وذلك يعكس معدل المحاولات الأمريكية الدؤوبة لأحكام قبضتها مع إفريقيا.
محمود مراد خبير الشؤون السودانية قال: إن ما حدث في القمة الإفريقية يؤكد أن التركيز الأمريكي المريب على القارة هدفه تنفيذ إستراتيجية الهيمنة والسيطرة التي تنفذها الولايات المتحدة لإحكام قبضتها على العالم. وفي هذا الإطار فإن الاستعمار القديم إذا كان قد فلح في استنزاف كميات كبيرة من الثروة المعدنية لإفريقيا خاصة الماس والذهب?.. فإن السيد الجديد يسعي إلى ثروات وأهداف أخرى فالقارة لا تزال بكرا تمتلك كثيراً مما يمثل بؤرا للصراع سيتضاعف تأثيرها مستقبلاً مثل البترول واليورانيوم المياه والأراضي الزراعية الشاسعة.. وكذلك الأراضي الفضاء التي يسعي الغرب الأمريكي والأوروبي لكي تكون مناطق صناعية له -وتحت سيطرته الكاملة - لإنشاء عديد من الصناعات التي لا يريدها عنده لأنها ملوثة للبيئة - الأسمنت مثلاً والأسمدة والسيراميك وغيرها - فضلاً عن توافر كثير من مستلزمات الإنتاج والأيدي العاملة وبأسعار منخفضة.. ووجود السوق المستهلكة والموقع الاستراتيجي لإفريقيا المفيد اقتصادياً لتوسطه مناطق الإنتاج والتسويق والمهم سياسياً وعسكرياً لوقوعه بين بحار ومحيطات مهمة واقترابه من قارات أوروبا وآسيا أي من الدول القوية تقليديا والقوية المتصاعدة مع نمورها المفترسة.
وأشار إلى أن ما يؤكد كلامه هو تلك الرغبة المحمومة في إيفاد قوات أجنبية لتحل مكان القوات الإفريقية في دارفور وغرب السودان مع أنه لا ضرورة لذلك إلا إذا كان الهدف تمركز أجنبي - أمريكي بالذات - في هذه البقعة الإستراتيجية لتنفيذ مخطط سري يستهدف السودان والمنطقة وتكريس الهيمنة.
ومن الدلائل أيضاً هذا الخلاف الموجود بين السودان وتشاد الذي يبدو أن طرفاً ثالثاً خبيثاً يعبث فيه ويزيد من اشتعاله فما نظن أن أحد البلدين له مطامع في الآخر ومن الممكن تصفية ما بينهما لكن الآخر الخبيث يحاول توسيع الهوة ثم هناك النزاع بين إثيوبيا وإريتريا حول بلدة على الحدود وطالب مراد الدول الإفريقية ألا تقع في الفخ الأمريكي لأن ذلك سيعرقل مسيرتها واستقلالها الذي نالته بصعوبة.
غير أن محللين آخرين يرون أن التدخل الأمريكي في إفريقيا قد يكون مفيدا، حيث يرى عبدالحميد الشريف الكاتب والمحلل السياسي أن إفريقيا بحاجة ماسة إلى برنامج شامل تموله الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لإنقاذ القارة من وحدة الفقر والجهل والمرض الذي حاقت بها منذ قرون حين وقفت الأقطار الإفريقية فريسة للمغامرين والمستعمرين والمستوطنين الذين تكالبوا عليها، مشيراً إلى ضرورة وجود مشروع لإفريقيا مثل مشروع مارشال الذي نهض بأوروبا غير أن الشريف أكد على أن ذلك يكون بشكل اقتصادي وليس عن طريق العسكرة والتحكم في القرارات السيادية للدول. وشدد الشريف على ضرورة توحد الأفارقة من أجل قارتهم وعدم إنجازهم وراء المخططات الرامية إلى أحداث صراعات ونزاعات مستمرة داخل القارة لضمان وجود أصحاب هذه المخططات في إفريقيا ليسهل عليهم سلب مقدراتها كما حدث في السابق.
وأكدت الدكتورة إجلال رأفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن ما حدث في القمة الإفريقية من تدخل أمريكي سافر في قرارات الاتحاد يدل على أن واشنطن تريد أحكام قبضتها على القرار الإفريقي وتسيره وفق إرادتها بحجة حماية الأقليات وإقرار الديمقراطية وحقوق الإنسان غير أن ذلك لا يمنع أن الأطراف الإفريقية تتحمل جزءاً من تمادي واشنطن في سياستها تجاه القارة السوداء، حيث وضح تماماً أن هناك خلافات جذرية في الآراء وان النزاعات بين الدول وبعضها وبين الدول والميليشيات المسلحة بداخلها وصلت إلى طريق مسدود في أغلب الأحيان مما يبرر لأمريكا التواجد في العمق الإفريقي.
وأشارت رأفت إلى أن أمريكا سوف تسعى خلال الفترة المقبلة إلى تهميش الاتحاد الإفريقي وتدويل قضايا القارة لضمان وجود قوات عسكرية ودولية هي بالطبع تحت قيادة أمريكا مما يعطيها الحق في التواجد وتدشين قواعد عسكرية في إفريقيا موضحة أنه رغم وجاهة المبررات الأمريكية في حكاية عزل السودان عن رئاسة القمة إلا أن ذلك لم يكن بحسن نية كما اعتقد بعض الأفارقة ولكن لإقرار مبدأ التدخل في القرار الإفريقي.
|