Friday 3rd February,200612181العددالجمعة 4 ,محرم 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"أفاق اسلامية"

حدث في المحكمة حدث في المحكمة
توبة وسبعون نوبة
يرويها فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم العباد (*)

يتقدم رجل للقاضي يطلب إرجاع زوجته الى بيت الزوجية؛ لأنها خرجت من المنزل ولم تعد، وطلب منها الرجوع فأبت وطلبت الطلاق، فطلب من القاضي الحكم عليها بالرجوع إلى بيت الطاعة.. ولما حضرت الزوجة في مجلس الحكم، لم تزد المرأة بعد سماع الدعوى من قول: لا أريده لا أطيقه، أريد تطليقه، ويقول الزوج: أنا أريدها وحياتي دونها لا تساوي شيئاً، إني أحبها، فيحثها القاضي على الرجوع إلى الزوج والصبر، فتصر على طلبها الطلاق، ورفضها الرجوع، فيطلب منها القاضي الأسباب التي تجعلها تطلب الطلاق منه، فأبت، فذكرها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة طلبت الطلاق من زوجها من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة).
فقالت: هذا الرجل لا يحترمني، فتراه دائماً يخوفني بمواقف كثيرة، ويضحك عليّ، ويقلل من شأني، مع أني كنت أحبه، وأخلص معه، فتراه تارة يذهب بي إلى المقبرة في الليل من دون علمي، فأخاف وأبكي، وهو يتسلى ويضحك، وتارة يذهب بي إلى مكان منعزل في الليل المنظلم ويهددني بأن يبقيني هناك من دونما سبب، ويرميني بالجبن، وهو يتلذذ بالضحك على حال خوفي وهلعي، فأنا أصبحت لا اثق فيه، ولا استمتع معه، وأرى أن زواجي بغيره خير لي.
غضب الزوج، وقال: هي مرة واحدة فعلتها لكن لن أفعلها مرة أخرى، ما دام أنها لا تحب الدعابة، ولا تتحملها، فجعلت الزوجة تذكره بفعله الشنيع، ومواقفه المتكررة للقاضي، وبما حصل وكان، وجعلت تبكي وكأنها صدمت منه مرات، وتعهد لها مرات إلا أنه لم يستجب.
فأغلظ القاضي القول على الزوج، وذكّره بأن المرأة والزوجة ليست لعبة بين يديه يلعب بها أو يجعلها سبباً للضحك بتعذيبها، وأضاف أن هذه المرأة لن ترجع إليه، وإن الأمر قد انتهى بينهما حتى أغرورقت عينا الزوج بالدموع، وقال: والله إني أحبها، وأريدها، وقد جربت الحياة من دونها فأصبحت جحيماً لا يُطاق، فما زال القاضي يدير الموقف، وجلسة بعد جلسة، حتى انتصر لها القاضي بعدما تأكد خطأ الزوج، وطلب القاضي منها أن تشترط ما تشاء، فأغراها بمبلغ حتى توافق الزوجة على الرجوع إلى زوجها، وتنسى ما فات، وعرض عليها عروضا من أجل الرجوع حتى بالكاد أقنعها بعد ضرب التعهدات المؤكدات، وإخراج صك شرعي يثبت ما فعله من ويلات، وقال الزوج فرحاً بعد عناء للحصول على هذه الزوجة، وبعد أن قال القاضي لعل هذه توبة، فقال توبة وسبعون نوبة.
وما يستفاد من القصة أن الحياة الزوجية فيها طول عشرة، فهي ليست عشرة يوم أو يومين وتنقضي، بل هي إذا وفق الله بين الاثنين استمرت مدى الحياة العلاقة بينهما، ونظرا الى ذلك فإن المعاشرة بين الزوجين لا بد أن يتخللها الدعابة والمرح حتى تستمر الحياة، وهكذا كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم شاهدة على ذلك، ولكن كان ذلك في حدود المعقول، والمنطق، وكل شيء يزيد على حده ينقلب ضده كما يقولون، فصاحبنا انقلبت محبة زوجته له إلى عداوة وبغض وكره، وسبب ذلك المزاح الزائد على الحد، والخارج على المألوف والمعتاد، فلا بد أن يراعي كل من الزوجين شعور الآخر، فإذا رأى الزوج من زوجته كرهاً لبعض تصرفاتها فلا بد أن يجتنب هذا التصرف من أجل دوام المحبة، وكذلك الزوجة إذا رأت زوجها لا يعجبه تصرف بعينه فلا بد أن تتخلى عنه دوما للمحبة والألفة بينهما، والحياة دروس، وعلى المرء أن يستفيد وأن يتعلم من اخطائه، مع مراعاة رقة إحساس وشعور المرأة وأنها ضعيفة لا تستطيع تحمل كل شيء.

* رئيس المحكمة الشرعية بالعلا

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved