* الرياض - خاص ب (الجزيرة)
أكد فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء أن المرأة مقرها، وأصل عملها في البيت لتربية الأجيال الصالحة، ولها كل حقوقها، ونحن نستغرب ونتألم ممن يدعون بأنهم إصلاحيون، وينادون بخروج المرأة المسلمة من بيتها إلى العمل، لتشارك الرجال.
وأضاف الشيخ المنيع: إن البيت المسلم في حاجة إلى المرأة بصفة دائمة لتربية الصغار والكبار، وتحقيق السعادة الأسرية، وربط الجميع بالمنزل، حتى الشباب في المرحلة الحرجة، وهي مرحلة المراهقة في حاجة إلى عاطفة الأمومة، وحنانها، لأنها الأكثر دراية به، وبنشأته.. وأضاف الشيخ المنيع: إن التشريع الرباني ضمن للمرأة في بيتها جميع حقوقها من نفقة ومتطلبات، وألزم الزوج بذلك.
جاء ذلك في الحوار ل (الجزيرة) مع فضيلة الشيخ عبدالله المنيع الذي تناول فيه قضايا المرأة، وحقوقها، ومسؤولياتها.. وفيما يأتي نصه:
* كيف ترون في ظل هذا العصر، وطغيان المادة دور المرأة المسلمة، وأين يكون هذا الدور في المنزل أم في العمل، وأيهما أهم؟!
- إن المرأة مكملة للحياة العامة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(13) سورة الحجرات، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}(1)سورة النساء.
ولا شك أن المرأة من عباد الله الصالحين، الرجال والنساء، قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} (35)سورة الأحزاب، إلى آخر الآية الكريمة التي جعلت النساء شقائق الرجال في التكليف، والمسؤولية، والاختصاص، وجميع ما يتعلق بما كلف به الرجال.
فالنساء شقائق الرجال، وللنساء من الحقوق مثلما عليهن وفي نفس الأمر المرأة معلوم بأنها في الواقع أصل مقرها وأصل عملها في بيتها على اعتبار أنها مسؤولة عن البيت مسؤولية كاملة، جميع ما يتعلق بشؤون البيت، جميع ما يتعلق بتربية الأولاد، جميع ما يتعلق بتهيئة أحوال البيت في جميع ما من شأنه أن يكون بيتاً سعيداً، ولا شك في ذلك.
* ولكن هناك من يطالبون بخروج المرأة إلى سوق العمل لأن الحياة صعبة وهذا من قبيل الإصلاح!!
- نحن في الواقع نستغرب ونتألم ممن يدعون بأنهم ذوو إصلاح وينادون بأن تخرج المرأة من بيتها إلى العمل لتشارك الرجال في العمل، فحينما تخرج المرأة من بيتها، فبيتها في حاجة إليها بصفة دائمة فيما يتعلق بأولادها من صغار وكبار، إن كانوا صغاراً، فهم في حاجة إلى الحضانة وفي حاجة إلى تنشئتهم نشأة من شأنها أن يشعروا بعناية الأمومة، وأن يشعروا بالارتباط والثبات والتعلق بالبيت، وبمن هم أهل البيت حقاً وهما الأب والأم، وإذا كانوا كباراً فهم كذلك في حاجة إلى من يوجههم وإلى من يتابعهم، وإلى من ينظر إلى جلسائهم، فهم في مرحلة إقدامهم على التكليف وعلى البلوغ، وما بعد هذه المرحلة بسنين قليلة، هم في أخطر مرحلة من مراحل الحياة من حيث المراهقة، فالمراهقة تكاد تكون نوعاً من الجنون من حيث إن الشاب المراهق تسيطر عليه عاطفته سيطرة تحجب عنه الكثير من متطلبات عقله، وبناء على هذا فهو في الواقع يستجيب لهذه العاطفة إن لم يجد من يتابعه عن طريق الردع والزجر، وعن طريق الترغيب والترهيب، وعن طريق التأثير في التربية.
* ولكن هل دور المرأة أكبر من دور الرجل في تربية الأولاد حتى ولو كانوا كباراً؟!
- لا شك أن الابن في مرحلة الصغر هو من أحوج ما يكون إلى والديه وإلى والدته بالذات، لأن والده في الغالب في عمله، وفي ارتباطاته بما يتعلق بخارج بيته، وأما المرأة فهي في الواقع سيدة بيتها، ومديرة جميع ما يتعلق بشؤون بيتها، ومسؤولة مسؤولية كبرى عن البيت، وأهم ما فيه الأولاد أنفسهم.
وفي نفس الأمر لا شك أن المسؤولية في مثل وقتنا هذا تزداد وتقوى لوجود العوامل المؤثرة في اتجاهات الأولاد أنفسهم، فإذا فقدوا عنصر المراقبة والمتابعة والتوجيه والتربية لا شك أنهم بفقدهم ذلك سيكونون ضحية لمجموعة فئات منحرفة انحرافات ذات اختلافات متعددة، فالولد حينما يكون فاقداً للمراقبة والمتابعة والتربية هو سيخرج خارج البيت، وإذا خرج خارج البيت سيجد عصابات مهيئة لترويج المخدرات، وسيجد أول ما يجد من الترحيب وحسن الاستقبال، وكرم ما يقدمونه له ما يجعله ينخرط في سلكهم، إما أن يكون مشاركاً لهم في ترويج مخدراتهم، أو أن يكون عميلاً لهم في استعمال المخدرات نفسها، وفي كل ذلك شر والعياذ بالله، وإذا انحرف بهذه الطريقة فيعد قد ضاع ضياعاً كاملاً والعياذ بالله، وإن سلم من هذه الفئة فهناك فئة أخرى تتلقفه، هذه الفئة هي عصابات السطو، والسرقات، وانتهاك الحرمات، فهم يرغبونه في مثل هذا الاتجاه، ويهيئون له من الإغراء ما يستميلون به هذا الولد الذي هو في سن المراهقة، وتحكمه عاطفته البعيدة عن عقله، وإذا سلم من ذلك فهناك فئات الغلو والتطرف، ونحن نرى مجموعة من شبابنا - مع الأسف الشديد - انخرطوا في سلك هذه الفئات وكان منهم البعد عن أهلهم، والبعد عن بيوتهم، وعدم الارتياح إلى أي مجلس من مجالس أهله، بل هو في تطلع إلى اجتماعه بزملائه الأشرار.
وإن سلم من هذه الفئات، فهناك الإنترنت وما في مواقعه من شر، لا شك أنه يعد من أخطر عوامل الإفساد فيما يتعلق بالعقيدة، فيما يتعلق بالأخلاق، فيما يتعلق بالمسلك والاتجاه، وهذه المواقع معروفة، ومعروف ما يقدم فيها في الغالب من أمور لها أثرها السيء في التهوين من الأخلاق ومن الأخذ بها.
* بعض النساء يقلن إنهن يستطعن تأدية دورهن التربوي في البيت ويخرجن أيضاً للعمل؟
- يجب على المرأة أن تعرف رسالتها في بيتها، والله تعالى يقول لأفضل جنس من بنات آدم وهن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعروف عنهن من الحصانة، والرزانة، والحفاظ على مكارمهن، وعلى عفافهن، وعلى حشمتهن ما الله به عليم، وقد اختارهن الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - على اعتبار أنهن من أفضل بنات آدم، ومع ذلك ماذا قال الله سبحانه وتعالى لهن: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ }(33) سورة الأحزاب، ومعنى قرن أي استقررن في هذه البيوت ولا يكون منكن خروج، تكون المرأة ولاّجة خرّاجة، بل ينبغي لها أن تكون لديها عناية بمسؤولياتها في بيتها.
* ومن يكفل حقوق المرأة في بيتها؟!
- الله سبحانه وتعالى ضمن لها في التشريع الرباني، ضمن لها النفقة، وأن جميع متطلبات هذا البيت فيما يتعلق بالأكل، والشرب، والملبس، والمسكن، وجميع ما من شأنه أن يكون سبباً من أسباب الارتياح النفسي، الله سبحانه وتعالى كلف به الزوج، فهو المسؤول عن ذلك مسؤولية كاملة إن قصر منها ولم تجد الزوجة من ينصرها في الحياة الدنيا، فلا شك أنها منصورة أمام رب العالمين وربك لا يظلم أحداً.
وفي نفس الأمر طالما أنها في هذه الصفة، وقد ضمن لها جميع ما يتعلق بسعادتها وبالكمال النسبي لحياتها في بيتها، وجميع ذلك مسؤول عن تغطيته الزوج بنفسه، فلا بد إذاً من العناية بهذا الزوج، وتقديره، ومعاملته المعاملة التي من شأنها أن يرى في بيته عش سعادته، فإذا دخل بيته ووجد جميع ما يتعلق بهذا البيت من حال ينشرح لها صدره من الترتيب، والتنظيم، ووجد زوجته في حال كامل من استقباله أحسن استقبال، لا شك أنه وقد جاء من عمله وهو في حال من الإرهاق الجسدي أو الإرهاق النفسي والفكري، أو يكون قد كان في عمله من الخلاف وعدم الارتياح ما يعكر صفو شؤونه وفكره، إذا جاء إلى بيته وهو في تلك الحال وقد وجد في هذا البيت ما يحسن مزاجه، لا شك أنه في الواقع سيرتاح وسيذهب عنه كل عناء مما لحق به أثناء عمله، ولا شك أنه سيحقق التقدير والاحترام، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لو أمرت أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) وهذا لا يعني أن تكون مطيعة لزوجها في أمره ونهيه، والحال أنه في حال من الظلم، وفي حال من التقصير، وفي حال من سوء المعاملة، لا يجب أن يقابل هذه الحال الجاذبة لراحته النفسية يجب أن يقابلها بما يشجع على مضاعفة الجهود في سبيل تهيئة هذه الحال الآمنة المطمئنة النفس فيها.
* البعض يسهب في الحديث عن حقوق المرأة ولا يتحدث عن مسؤولياتها!!
- فيما يتعلق بمسؤولياتها في بيتها، وهي لها كرامتها، وله اعتبارها، ولها حقها في التملك، ولها حقها في التصرف، ولها حقها في جميع ما يتعلق بالتكاليف الشرعية التي كلف بها الرجل، ولأن اختلفت عن الرجل، فهو اختلاف من حيث الخلق، ومن حيث الجنس، وإلا فهي في الواقع كالرجل فيما يتعلق بالتكاليف الشرعية، فيما يتعلق بالإيمان { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} (195) سورة آل عمران، وهناك الكثير من الآيات التي تدل على أن للمرأة من الحقوق وعلى المرأة من الواجبات، ما على الرجل فيما يتعلق بالإيمان، والعبادات، والمعاملات، من حيث حرية التصرف في المال، وفي تملكه، وفي اكتسابه، وإنفاقه كل ذلك في الواقع لا شك أن المرأة هي شقيقة الرجل ولها حقها مثل الرجل، ولكن الرجل فيما يتعلق بحياته في البيت، والمرأة بما يتعلق بحياتها في البيت، لا شك أن الأصل أن المرأة رئيسة البيت، ومديرته، والمسؤولة عن البيت، حتى هي مسؤولة عن زوجها كفرد من أفراد الأسرة في تربيته، كما تقوم بتهيئة أبنائها فيما يتعلق بملابسهم، وفرشهم، ونحو ذلك، فلا يعرف الرجل في الغالب ما في البيت من أمور لأنه في الواقع قد وكّل أمر ذلك إلى المرأة نفسها، وأن المرأة وهي تقوم بواجبها لها أجر عظيم وأجر قد يتجاوز أجر الرجل فيما يتعلق بالثواب عند الله ومرضاة الله سبحانه وتعالى، إذا قامت بواجبها القيام الذي من شأنه أن يكون سبباً من أسباب استقامة الرجل.
* هناك من يرى أن المرأة سبب انحراف الرجل، هل توافقون على ذلك؟
- إن هناك إحصائيات كثيرة تقول إن سبب انحراف الرجال وعدم مسالكهم المسالك الجيدة هو سوء ما يلاقونه من زوجاتهم من معاملات إما فيها غلظة، أو فيها تقصير، أو فيها احتقار، أو فيها جرح مشاعر، أو نحو ذلك، لكن إذا وجدت المعاملة الحسنة المتبادلة بين الزوج وزوجته، لا شك أن هذا سيكون سبباً من أسباب السعادة في هذا البيت، وسيكون سبباً من أسباب صلاح من في البيت من أولاد من ذكور وإناث، لأنهم يرون القدوة الحسنة في التعامل، وحسن التعامل وآثار ذلك التعامل لا شك أنهم سيرون ذلك في أبويهم، وإذا كان كذلك فهذا يعني أنهم يأخذون من أبيهم وأمهم تربية عملية وقولية، وكل ذلك يعود على المرأة بالسعادة حينما ترتاح وتجد لها أولاداً في مستوى جيد من الصلاح والاستقامة والاتجاه الصحيح، وكذلك الرجل نفسه يرى نفس هذه الحال، وفي نفس الأمر لا يكون بين الزوجة وزوجته من الوئام، والألفة، والمحبة، لا شك أن هذا من الأمور التي من شأنها أن تجعل للمرأة شأنها واحترامها.
* هناك من يقارن بين دور المرأة في البيت وخارجه، وأيهما أفضل، فماذا تقول؟!
- لو أردنا أن نقارن بين وجود المرأة في بيتها سيدة، أميرة، مديرة، مربية، منظمة لهذا البيت، مسؤولة عنه، حينما نقارن بين عملها هذا وفي عملها خارج البيت، تعمل في مستشفى، تعمل في مدرسة، تعمل في كلية، تعمل سكرتيرة، تعمل في أي شيء مما ينادي به دعاة حرية المرأة، أو إخراج المرأة عن حريتها، وحشمتها، وعفافها إلى أن تكون محلاً للانتقاد ونحو ذلك، ومع الأسف الشديد لو أردنا أن ننظر إلى الجوانب الإيجابية من ذلك والجوانب السلبية وأردنا أن نقارن بين ما تعمله في بيتها، وما تعملها خارج البيت، فهي في الواقع خارج البيت عرضة نتيجة لاختلاطها، عرضة لخدش كرامتها، وعفتها، وقيمتها هذا أمر، والأمر الثاني حينما تأتي وقد أجهدت من عملها، ثم تأتي إلى بيتها فليس عندها استعداد أن تنظر حال بيتها، حتى ولو وجدت كل شيء غير منظم، ولو نظرت إلى أولادها لوجدتهم في وضع سيء لأن أمرهم قد وكِّل إلى خادمة مستواها الفكري ومستواها الاجتماعي متدن، فهل ممكن أن يكون وراء من كان مربياً لنشأ وهو في حال من المستوى المتدني في الفكر والتربية والنظر، هل يؤمن أن يوجد منها خير، أو من هؤلاء خير، والواقع أن في ذلك خسارة عظيمة.
* وماذا عن راتب الزوجة؟!
المخصصات والرواتب التي تأخذها المرأة العاملة مجموعة كثيرة منهن يذهب راتبها في كثير من الأمور ما بين أمور فيها الكثير من الإسراف (فساتين، أدوات زينة، أو هدايا، أو نحو ذلك..) ففي الواقع هي خسرت بيتها ولم تكسب شيئاً من الأمور التي ترمي إليها أو تهدف إليها.
* ما هي وصيتك للنساء؟!
- على النساء المسلمات العناية ببيوتهن، وبجميع ما يتعلق بالعوامل التي من شأنها أن تجعل لهن مسلكاً مباركاً صالحاً يذكرهن في جميع الأحوال، فالمرأة في حاجة إلى ابنها بعد أن تكبر، وهي في حاجة إلى ابنها حينما تكون في أي حال من الحالات سواء في حال مرض أو حال احتياج مادي، أو نفسي أو نحو ذلك، فإذا صلح هذا الولد، فلا شك أن هذا يعد من أعظم ما يمكن أن تفرح به المرأة يقول الشاعر:
نِعَمُ الإله على العباد كثيرة
وأجلهن تجارة الأولاد
فإذا كان الأولاد من ذكور وإناث على مستوى من الصلاح والفلاح والاستقامة والاعتدال والاتزان لا شك أن والدي هذا الوالد الذي على هذه الحال في حال من السعادة وفي حال من الارتياح، وهم يتمتعون بهذه الزينة التي قال الله عنها: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(46) سورة الكهف، لأن صلاح أركان الأسرة سبب من أسباب صلاح الأولاد، وصلاح الآباء سيدرك صلاح الأبناء، وصلاح الأمهات سيدرك الإناث، وصلاح الأولاد على وجه العموم من بنين وبنات، والله سبحانه وتعالى من وراء القصد، وهو المستعان،
|