أطفالنا الأبرياء.. أحباب الله.. وأحبابنا، والابتسامة الرائعة على وجوهنا، والعصافير المغردة ببيوتنا.. هؤلاء الأطفال الصفحات البيضاء التي نلوّنها نحن الكبار، والعجينة الطرية التي يُشكِّلها الأبوان منذ الصغر أمانة في أعناقنا حتى سن الرشد.. هؤلاء الأبرياء كم نحبهم، ونخاف عليهم، ونرتجف إذا حصل لهم مكروه، ونحزن لمرضهم ونفرح لفرحهم.. أمانة في أعناقنا.. لا بد أن نكون لهم القدوة في كل تصرف، وكل كلمة، وكل حركة، وكل عمل.. لأنهم سيقلدوننا في كل شيء نفعله أمامهم.. هؤلاء العصافير المغردة في بيوتنا والحمائم اللطيفة الظريفة الطيبة البسيطة والتي لا تسبب لنا (إنفلونزا الطيور) رغم تغريدهم الدائم وقربهم منا ووجودهم في أحضاننا، وتعلقنا بهم، وتعلقهم بنا.. ظرفاء.. وأشقياء.. لماذا؟ لأنهم أحياناً وبعيداً عن (عين الرقيب) يكون لهم عبث لا مسؤول، وتصرف أحمق قد يؤدي إلى مصائب عظيمة إذا لم نكن لهم السمع والبصر.. وإذا أبعدناهم عن عيوننا وملاحظاتنا.. فهم يلهون، ويعبثون بأشياء خطيرة جداً، لكن يعتقدون للحظة أنها بسيطة ومسلية ومضحكة وتدخل السرور والفرح إلى نفوسهم.. رغم أنها تسبب أحياناً كثيرة مصائب عظيمة للكبار..ومن تلك التصرفات اللا مسؤولة (العبث بمفاتيح الكهرباء) فقد قرأت في إحدى الصحف ومنذ ثلاثة أشهر تقريباً أن طفلاً صغيراً مرافقاً لأمه في رحلة على الخطوط الجوية الماليزية القادمة من كوالالمبور إلى جدة (7386) أخذ يعبث بمفاتيح التحكم الخاصة بالإنارة والتكييف أثناء خلود أمه بجانبه إلى نوم عميق.. نتج عنه التماس كهربائي مما جعل الركاب يشعرون برائحة الحريق وإبلاغ الملاحين الذين سارعوا بإغلاق أنظمة التحكم نهائياً بعد فصل التيار عنها وإصلاح الخلل الطارئ بعد نصف ساعة، وعاش 150 راكباً لحظات عصيبة، والأصعب من ذلك أن الأم عرفت بالأمر ولم تتكلم ببنت شفة مع (هذا الطفل الشقي) وعادت لتنام مرة أخرى..
(إنه تصرف غير مسؤول.. والسبب إهمال الأم لطفلها أثناء الرحلة وعدم سؤاله عما فعل بعدما علمت بالأمر الخطير الذي أحدثه نتيجة عبثه اللا مسؤول وعدم محاسبته على فعلته التي كان سيذهب ضحيتها 150 راكباً ما عدا الطاقم الموجود في الطائرة)
وكذلك قرأت منذ فترة أن لهواً بريئاً من أحد الأطفال أطاح بعين والده.. حيث كان يلهو الطفل بالحجارة ورمى حجراً دخل في عين والده مما أصابها بتقرحات وانخداشات أدت إلى فقدانها تماماً بعد إجراء عملية له.. وهنا أقول وأتساءل (أين الأم والأب المصاب والمتضرر.. ألم ينتبه لابنه قبل أن تقع هذه المصيبة عليه؟
وأين الأم ألم تكن موجودة؟ ولماذا نهمل أطفالنا ولا نعلمهم كيف ومتى وبماذا يلعبون)؟ أسئلة حائرة تحيك برأسي رغم أن جميع أفراد المجتمع وبكل فئاته التربوية والنفسية والاجتماعية يحذرون من إهمال الأطفال.
وفي إحدى المرات وأنا أتسوق في مكان للأدوات المنزلية كان أحد الأطفال مع أمه وأخذ يعبث في (العربة) الخاصة بحمل المشتريات.. ويتراقص بها يمنة ويسرة وأمه لاهية عنه في تفحص المعروضات فإذا به يجري بها مسرعاً ويضرب عدداً كبيراً من الأواني الزجاجية والخزفية مما تسبب في كسرها وعندما صرخ صاحب المحل انهالت الأم ضرباً مبرحاً وشتائم على هذا الطفل ذي العشر سنوات حتى أدمته؟
والسؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا تركت الأم ابنها يسحب العربة وحده بعيداً عن عينها.. ومن المسؤول عن هذا (العبث اللا مسؤول) أليست الأم؟
وبمدينة العمران بمحافظة الأحساء أتت النيران على منزل بقرية المدينة، وكان السبب أن طفلة صغيرة كانت تلعب بولاعة السجائر، وأشعلت المحارم الورقية وألقت بها على غطاء من القماش، فاشتعل وانتقلت النيران إلى أماكن أخرى في الوقت الذي كان فيه الوالد وبقية أفراد الأسرة يغطون في نوم عميق.. لولا صراخ الطفلة الكثير الذي أدى إلى استيقاظ أفراد الأسرة وفزعهم بما رأوه.. وتم استدعاء الدفاع المدني الذي قام بإخماد النيران وإخراج أفراد الأسرة سالمين.. بعد أن خسروا بيتهم كاملاً بسبب ترك الأب الولاعة قريبة من أيدي الطفلة التي عبثت بها وسببت تلك المصيبة الكبرى.وفي المطار نجد الأطفال يقومون بحركات مزعجة لا مسؤولة.. والوالدين يحتسون القهوة والشاي تاركين أطفالهم يصعدون وينزلون على المصاعد الكهربائية (السلالم) دون رقيب.. مما أدى بأحد الأطفال أن تنزلق قدمه بين فكي درجتين ولم ينتبه الوالدان إلا عندما سمعا صراخاً ضجت له الأركان وعالج المسعفون بالمطار الطفل مؤقتاً ريثما يتم نقله إلى أحد المستشفيات.. ترى من المسؤول عن هذا العبث غير المسؤول (الطفل) أم الوالدان؟
وفي الحدائق العامة والتي تعمل أمانة مدينة الرياض مشكورة على جعلها أماكن للترفيه العائلي على أعلى مستويات نجد الكثير الكثير (من العبث اللا مسؤول) يقوم به الأطفال بعيداً عن (عين الرقيب).. وأعني هنا (الوالدين) وبخاصة (الأم) من قلع للمزروعات وقطف للأزهار، ورمي المخلفات من العصيرات والأوراق هنا وهناك، ورش الأطفال بالتراب والتراشق بالكلمات اللا أخلاقية، وتخديش الألعاب المجانية بأي شيء تطاله اليد، ورمي الحيوانات بالحجارة وتقطيع المقاعد وكسر الطاولات الموضوعة لراحة المتنزهين.. كل هذه وتلك (عبث غير مسؤول) من أطفال يحتاجون للعناية والتربية والتنبيه بأن هذا تصرف خاطئ وذاك تصرف جيد.. من (الوالدين) أولاً وأخيراً..وفي بيوتنا نرى بعضاً من العبث اللا مسؤول من الأطفال مثل اللعب بالتلفزيون وغيره من الأدوات الكهربائية والأم تبتسم مكانها وتقول للطفل (برافو)، ويعيد الكرَّة مرات ومرات حتى (تقع الفأس في الرأس)، وتحترق إحدى تلك الأدوات أو يُصاب الطفل بالتماس كهربائي معين والأم لا تزال تضحك وتبتسم.. ومثلها الكثير الكثير في المدارس والمستشفيات وحتى في زياراتنا للآخرين.وبعد:
هذا بعض من كل.. ونقطة في بحر من التصرفات غير المسؤولة للأطفال بعيداً عن عين الرقيب، التي أتمنى أن تنقرض.. والتي لن تنقرض إلا بانتباه الوالدين لأطفالهم وتربيتهم التربية الجيدة وإلمامهم بأخطار هذا العبث وتخصيص أماكن للهو وتنفيس طاقاتهم بعيداً عن الأخطار.. فالأم هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن تصرفات أبنائها أينما كانوا لأن الأم:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
فالأم هي المربية، والمدرسة الأولى لأطفالها.. ولا ألغي هنا دور الأب أيضاً. فرفقاً بأطفالنا العصافير المغرِّدة، وعلينا تشكيلهم جيداً، وإعطاؤهم جرعات مكثفة من الآداب والتربية الجيدة لينشأ جيلٌ متحملٌ لمسؤولية أعماله وأطفاله.. بعيداً عن العبث الطائش واللا مسؤول.
*كلمة صدق:
الأطفال ابتسامة، فرحة، زغرودة، هدية من الله سبحانه وتعالى.. فلنحسن تربيتهم.. وتعليمهم ولنكون قدوة صالحة لهم.. فهم أطفال اليوم ورجال المستقبل وعماد الأمة.. قال صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
* لحظة دفء:
تغيب عني وليلي يطول
وفكري في هواك مشغول
وأقول إمتى أنا وإنت
حنتقابل مع الأيام
ما بين بعدك وشوقي إليك
وبين قربك وخوفي عليك
دليلي احتار وحيّرني
|