يعتبر الباحثون والمتخصصون بالعلوم الطبية والإنسانية والبيئية أن الأمراض بأنواعها هي العدو الأول للإنسان، ولا سيما الأمراض السارية والأوبئة والأمراض العصية على العلاج، وأكثرها ناتج عن التلوث الشديد والمتصاعد للبيئة الطبيعية وبفعل الإنسان نفسه في مسعاه المحموم لتحقيق تطور صناعي بخطوات غير مدروسة أثرت وتؤثر بشكل مباشر في الإنسان والحيوان والنبات دون استثناء، ويمكن أن نتبين ذلك من خلال مجموعة من الأمراض الغريبة والجديدة على مفهوم العلم البشري التي تظهر في كل يوم وتترك آثارها المدمرة على الكائنات الحية على سطح هذا الكوكب.
كما أن هناك بعض الأمراض التي لم يتوصل العلم بعد إلى معرفة أسبابها وهي ابتلاء من الله سبحانه لم يصل إدراك البشر إلى تقدير الحكمة الإلهية منها.
لعل ما دفعني إلى الدخول في هذا المضمار ما لاحظته قبل أيام عندما كنت في زيارة لإحدى قريباتي، فقد بدا لي أحد أولادها البالغ من العمر أربع سنوات تقريباً وكأنه بحالة غير طبيعية، لا من حيث الشكل المظهري، ولا من حيث تصرفاته التي لفتت انتباهي، وعندما سألتها بدافع حب الاستطلاع أجابتني بحيرة وحزن: لا أعرف؟
وهنا استغربت تماماً ونحن نعيش في هذا العصر أن تصل ببعضنا حالات من الجهل لإهمال البحث والاستعلام عن أمور تجدها غير طبيعية تبدو على أولادنا، وخاصة الأم وهي الراعية الأولى للطفل منذ ولادته وعليها مسؤولية واجبة ليس في أمر التربية فقط بل وفي كل ما يتعلق بوضع الطفل الصحي والمظهري والحركي.
وحرضتني هذه الحالة التي رأيتها في بيت قريبتي على البحث والاستقصاء عنها، ومحاولتي مساعدتها وتأمين ثقافة صحية على مستوى مقبول تمكنها من رعاية ابنها، وأقنعتها بضرورة عرض ابنها بصفة عاجلة على طبيب متخصص، وبالفعل سارعت بأخذ ابنها لاحد المراكز الطبية، حيث أكد لها الأطباء المختصون أن ابنها يعاني من مرض اتفق العلماء على إطلاق اسم مكتشفه عليه (الدكتور الإنجليزي جون لانج داون عام 1865م) ويعرف باسم (متلازمة داون).
ووصلت من خلال اهتمامي بهذا الموضوع، وبالاعتماد على دراسات المتخصصين والباحثين في هذا المرض إلى توصيف حالة الطفل، ورأيت من واجبي الإنساني أن ألفت أنظار الأمهات للانتباه إلى أطفالهم حديثي الولادة، فإن هذه الحالة يمكن أن نكتشفها في وقت مبكر مما يساعد في تلافي الكثير من تبعاتها السلبية فيما لو أهملناها.
إن متلازمة داون ليست مرضاً بالمعنى المفهوم للمرض كما أنها ليست وباء أو داء، ولا تعتبر من الأمراض الوراثية لكنها تسبب العقم لدى الذكور، أما بالنسبة للإناث فمن المحتمل بنسبة 50% أن تلد الأنثى طفلاً سليماً كما أن ما يعرف بمتلازمة داون هو مجموعة مظاهر وعلامات ليست خافية تدلنا مبكراً بأن الطفل سيعاني من تباطؤ في نموه الحركي والعقلي وبالتالي يؤدي إلى تخلفه عقلياً وذهنياً.
ومن أهم هذه الملاحظات التي تبدو واضحة بالمظهر على الأطفال حاملي حالة (متلازمة داون) كما تورد الدراسات التخصصية.
نلاحظ أن وزن المولود وطوله عند الولادة أقل من المعدل المتعارف عليه علمياً، وشكل أعضاء الوجه يختلف نسبياً عن الشكل الطبيعي للأطفال حديثي الولادة، وسيبدو لنا بوضوح صغر الفم وغلاظة الشفتين وطول وتشقق اللسان وبروزه وقصر الرقبة والأنف وأصابع اليد، كما يبدو الرأس صغيراً ومستديراً وعظمه القفوي مفلطحاً وجبهة عريضة، والشعر ناعم، والحاجبان متقاربان، والعينان صغيرتان والأذنان صغيرتان ومتقاربتان، إلى جانب بعض الصفات غير الطبيعية في الشكل العام للطفل الذي يبدو أقرب إلى (المنغولية).
وكلما كبر الطفل ستبدو عوارض أخرى صحية واضحة أيضاً كالبدانة مثلاً وتأخر في النطق، ومن وضوح التشوهات الخلقية في القلب وفي المعدة والأمعاء. وكذلك في السلوك إذ يبدو على أكثرهم المرح وحب التقليد ومحاولاتهم فهم ما يدور حولهم بغرابة واستطلاع وهم على النقيضين فمنهم من هو اجتماعي يحب الناس ويتقرب إليهم بالود ومنهم من يعاني من الانطواء والخجل، وعندما نصل إلى إدراك هذا الأمر نستطيع أن نتفهم الحالة، وهذا يقودنا إلى فهمها والتعايش معها على أنها قدر من الله سبحانه له فيما يشاء حكمة وعلينا تقبلها ومراعاتها.
ورد في دراسات كثيرة أن ما يقارب 75% من الأجنة الحاملة لمتلازمة داون تنتهي بالإجهاض التلقائي، وأن نسبة الأحياء من الأطفال المصابين واحد في كل 800 - 1000 ولادة، وقد يكون من المبالغ فيه أن نتهم السبب في ذلك للولادات المتأخرة لأمهات تجاوزن سن الـ 35 فقد دلت الدراسات على أن 80% من الأطفال المصابين بمتلازمة داون ولدوا من أمهات لم يتجاوزن الـ 35 من أعمارهن، وقد تكون هذه الإحصائيات بسبب أن أكثر الولادات بالشكل العام تحدث قبل أن تبلغ المرأة تلك السن.
إن مشكلة هؤلاء الأطفال تكمن في تخلفهم الذهني والعقلي وبطبيعة الحال فهي تتفاوت بين طفل وآخر، وكذلك في بطء النمو الطبيعي بشكل عام، وضعف مناعتهم أمام الأمراض العابرة كأمراض الرشح مثلاً.
وعلينا أن ندرك جيداً أن لدى هؤلاء وهم شريحة من المجتمع يعيشون مع أسرهم وبين أهليهم أحاسيس ومشاعر وأدوات تعبيرية تمكنهم من التعبير عن فرحهم وغضبهم وحزنهم كما الناس العاديين، ويستطيعون بالرعاية والاحتواء والاهتمام من قبل الأسرة والمجتمع، أن ينالوا قسطهم من التعليم في سن مبكرة، وأن يشاركوا في مسيرة البناء والعمل والأنشطة التعليمية والاجتماعية.
ومن المفيد أن نتنبه إلى بعض الدراسات التخصصية حول متلازمة داون التي تقول بأن نسبة ذكاء المصابين بمتلازمة داون تراوح بين 35 و 75% علماً بأن مستوى ذكاء الفرد العادي السليم يراوح بين 90 - 110%، وقد تعطينا هذه الإحصائية كثير أمل في تجاوب الأطفال المصابين في التعايش مع حالتهم.
من هنا ومن خلال هذه المعلومات التي جهد الباحثون والمتخصصون في التقصي عنها نستطيع أن ندرك الدور المهم المنوط بالأسر لرعاية أطفالهم منذ ولادتهم والانتباه إلى حالتهم الصحية والفكرية والنفسية ورعايتهم الرعاية العملية التي توفر لهم حياة كريمة وتوفر لأسرهم استقراراً نفسياً واستسلاماً لقضاء الله سبحانه وحكمته وقدره.
لقد استطاعت قريبتي التي يعاني طفلها من شكل من أشكال التخلف الذهني والعقلي أن تتفهم حالة ابنها بعد أن شرح لها الأطباء المختصون معلومات كثيرة عن حالة ابنها،وحرصت على أن تعمل الآن مع جهات متخصصة لتتجاوز أزمتها النفسية وتتعايش مع حالة ابنها.
إنها دعوة مخلصة للأمهات خاصة ولأرباب الأسر أن يبذلوا المزيد من الاهتمام في رعاية أبنائهم، فهم جيل المستقبل في الطريق إلى صحة المجتمع، نرجو للجميع السلامة والمعافاة، فهو سبحانه من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
|