*تحقيق: ساعد الحارثي:
بالأمس عشنا في أعظم فرحة.. إشراقة حب.. إضاءة أمل.. كانت من أجمل أيامنا وأسعد لحظاتنا وأفضلها إشراقة ذلك اليوم يوم عيد الأضحى المبارك.. حيث تجسدت فيه - بأحسن ما تكون - المعاني الروحانية السامية والصور الإنسانية الفاضلة.. بالأمس تظللنا سحابة السعادة وافترشنا الغبطة والسرور.. والرياض كأي عاصمة من عواصم الدول الإسلامية التي عاشت أبعاد هذه الفرحة الكبرى.. ورقصت في نشوة تشدو بأجمل الأنغام وأعذبها.
الناس هنا في الرياض والذين لم يغادروها حيث شاهدت منافذ المدينة زخماً بشرياً من الراحلين منها إلى الأماكن المقدسة لأداء فريضة الحج أو لقضاء إجازة العيد في مختلف ربوع المملكة.. وكذلك تدفق الناس على مطار الرياض حتى اليوم التاسع من ذي الحجة ممن أرادوا أن يقضوا إجازاتهم خارج المملكة - تفيأوا ظلال السعادة وانفرجت أساريرهم عن أفضل المعاني وأنبلها.. الكل هنا سعيد.. مسرور.. تنم عن ذلك ملامح وجوهم.. كلماتهم.. كل شيء يوحى لك أن الناس سعداء.
اليوم التاسع من ذي الحجة
هذا اليوم من أجمل أيام مدينة الرياض حيث عاشت لحظات استقبال باسطة ذراعيها فاتحة صدرها مستبشرة لاستقبال ضيف خفيف الظل معه تنبذ الخلافات وتتصافح الأيدي وتتعانق القلوب وتدفن الضغائن ويقرب البعيد ويلم الشمل.
الجميع في هذا اليوم تلمح على قسمات وجوههم مسافات الفرحة وأبعاد الغبطة والبشر في فرحة، تدفق الناس وتهافتوا بمختلف طبقاتهم إلى الأسواق لشراء مستلزمات قدوم الزائر الخفيف.
وهات ياشراء.. نزيف (الجيوب) المتواصل على مداخل المعارض والحوانيت وفي بطون الشوارع وأرصفة الطرق لا ينقطع.
الكل يشتري والكل يستعد.. فالمناسبة عظيمة ولن تمر بدون استنزاف جيوب مخاليق الله فيما يليق بهذه المناسبة.. والرابح (مين)!! طبعاً هم (الباعة) الذين يضاعفون أثمان السلع - في مثل هذه المناسبة أضعاف أضعافها.
وهنا يبرز سؤال يكرر نفسه.. من المسؤول عن هذا؟ وما هي الجهة الحكومية التي تستطيع الحد من تلاعب الباعة في الأسعار؟ ومتى تمارس هذه الجهة سلطانها على الباعة الجشعين؟.
ونغادر السوق رويداً.. ونخرج عن المدينة من أطرافها الجنوبية الشرقية.. حيث (مجلبة الغنم) حيث الأعداد الكبيرة وأسراب الغنم.. سيارات مرسيدس كبيرة.. ولواري.. ونيتات.. هذه كلها محملة بالأغنام.. تفرغ حمولتها لتذهب ويأتي مثلها.
والأقبال على شراء الغنم (الأضاحي) في مثل هذه المناسبة كبير جداً لا يضاهيه إلا شراء الغنم في منى.. فلا يتبقى منزل من منازل الرياض إلا اشترى أضحية إلا ما قل.. أما عن أثمان الغنم فلا تسأل.. فقد كانت مرتفعة جداً.
وننتقل من مجلبة الغنم إلى داخل المدينة لنشاهد نجوم السعادة والحبور تتلألأ على صفحات وجوه أطفالنا الذين راحوا يتجولون في الشوارع بأحسن زي يرتدونه من أزياء العيد.. بكرة عيد.. (أبي عيدي.. عادت عليكم)!!
فرحين جذلين بمقدم العيد.
وكلنا نعرف مدى سرور الأطفل بالعيد وعظم فرحتهم حيث تتحقق لهم بعض رغباتهم الطفولية في مثل هذه المناسبة.
اليوم العاشر
وهذا هو يوم العيد اليوم المنتظر.. نسيمة حب.. وأشعة شمسه أمل.. ودقائقه وثوانية بركة.. فمع إشراقة هذا اليوم السعيد اتجه الجموع من سكان الرياض إلى مصلى العيد لأداء الصلاة مرتدين أجمل أزيائهم تغمرهم الفرحة.. ويعلو وجوههم البشر.. وترتسم على شفاههم البسمة.. في ود وصفاء.. ومحبة وإخاء. اجتمعوا في هذا المصلى الكبير مهللين ولله مكبرين.
وبعد أداء الصلاة انتشرت هذه الجموع عبر شوارع الرياض لمعايدة أهلهم وذويهم وأصدقائهم.. محفورة على ألسنتهم تلك الكلمات الرائعة الطيبة (كل عام وأنتم بخير.. ومن العايدين) الناس كلهم في هذا اليوم أحبة وأصدقاء.. يقابلك الشخص ليبادرك السلام في شوق دون سابق معرفة.. الدنيا عيد.
اليوم الحادي عشر
وفي هذا اليوم تبدأ جموع من سكان الرياض في الخروج بسياراتهم إلى البر ليقصوا بقية أيام العيد هناك.. قد يكون ذلك لملل الناس من الحياة الرتيبة في المدينة ومن الصخب والضوضاء فينزعون إلى الخروج الى البر طلباً للراحة بعيداً عن صخب السيارات وزحمة المدينة.. وقد يكون ذلك لعدم وجود متنزهات وأماكن للترفيه البري في مدينة الرياض يستطيع ساكنها قضاء وقت فراغه في هذه الأماكن وخاصة في مثل هذه الأيام حيث يضطر إلى الخروج إلى (البر).. وقد سمعنا عن اعتزام امانة مدينة الرياض القيام بإنشاء مثل هذه المتنزهات حيث أصبحت مدينة الرياض في حاجة كبيرة لهذه المتنزهات وأرجو ألا يطول انتظارنا.. وإنا لمنتظرون.
اليوم الثاني عشر
وهذا اليوم لا يختلف عن بقية أيام العيد.. إلا أن فيه تبدأ وصول قوافل الحجاج إلى الرياض بعد أن أدوا فريضة الحج التي فرضها الله على عباده حيث تكبر الفرحة وتكون فرحتين فرحة العودة وفرحة العيد.. وتدور عجلة الزمن مسرعة.. وتدور الأيام وتركض عقارب الساعة وتعود رتابة الحياة كما هي.
الواجب أولاً
ولا يفوتنا أن هناك إخواناً لنا لا يعرفون طعم العيد ولا يتمتعون بإجازته حيث يقومون في مثل هذه الأيام بأداء واجبهم الإنساني نحو المواطنين حرصاً على راحتهم والإبقاء على سعادتهم فهناك النجدة، المرور، الإسعاف، الإطفاء، البريد، المبرقات، ومرافق أخرى من المرافق الحكوية يقضون أيام العيد في أداء أعمالهم.. ولمعرفة شعور هؤلاء سألت - الجزيرة - بعض المسؤولين في هذه الجهات، حيث قال الملازم أول حاتم مرعي عسيري أحد العاملين في جهاز النجدة أيام العيد: أشعر بالسعادة تغمرني.. وأعيش فرحة العيد يجسدها في نفسي قيامي بأداء واجبي لراحة المواطنين الذين يعيشون هذه الفرحة الكبرى ليقصوا إجازاتهم في طمأنينة وراحة بال فسعادتهم سعادة لنا.. وعندما نشعر أننا قمنا بواجبنا لراحة المواطنين على الوجه الأكمل فتلك فرحتنا وعيدنا.
وعن الفرق والأحساس بالعيد بين الأهل والأصدقاء وفي أداء الواجب قال: العيد فرحة ومشاركة للأهل والأحبة والأصدقاء وما هناك شك أن كل شخص يحب أن يشارك أهله وأصدقاءه فرحة العيد ولكننا نحس ونشعر عند قيامنا بالواجب في مثل هذه الأيام أننا نشارك كل المواطنين فرحتهم وليس الأهل فقط.. وكوني كمسئول أحب أن أؤدي عملي أيام العيد لشعوري بأنني بذلك أقوم بالواجب.
وعن نسبة الحوادث في أيام العيد عن غيرها من الأيام الأخرى قال: الحقيقة إن الحوادث تزيد نسبتها في مثل هذه الأيام أكثر من غيرها ولا سيما أن عيد الحج تزدحم فيه السيارات لكثرة الوفود القادمين إلى المملكة أضف إلى ذلك السرعة التي تزيد نسبتها في الأعياد بين المراهقين من الشباب ولكن بفضل الله ثم فضل العاملين تتم السيطرة على جميع الحوادث وتسهيل الأمور.
وأضاف: إن هذا ليس أول عيد أقوم بالعمل خلال أيامه في جهاز النجدة فقد سبقه أعياد وكثير ما يحصل هناك من الحوادث الطريفة والمهمة أيضاً في مثل هذه المناسبات إلا أنه يهمنا قبل كل شيء القيام إزائها بما يتطلبه الواجب.
ونسأل أحد الأطباء الذين كانوا مناوبين في الأسعاف بمستشفى الشميسي المركزي عن شعوره بالعيد حيث كان طيلة أيام العيد يعمل في الأسعاف فقال: ليس هناك شعور أو فرحة أكبر من الفرحة التي يشعر بها الإنسان عندما يقوم بأداء خدمة إنسانية فاضلة إزاء أخيه الإنسان.. ونحن نقوم بواجب كله خدمة إنسانية لعلاج المرضى وإنقاذ من قدر الله له النجاة، ونحن فرحون ومغتبطون أننا نقوم بواجبنا في هذه الأيام ونشعر بالارتياح الكبير في عملنا.
وأضاف قائلاً: إن الإقبال على الإسعاف هذه الأيام كبير جداً وذلك لأن جميع المستوصفات والمستشفيات الحكومية تقفل أبوابها في هذه الأيام ولذلك يكثر الضغط علينا، ولكننا والحمد لله نعمل ما يجب عمله، وبهذا تسير الأمور كما يجب.
ونسأل عدداً من (المداومين) في البريد والدفاع المدني وبعض الجهات الأخرى المدني وبعض الجهات الأخرى التي يتطلب عملها الاستمرار في الدوام خدمة لأبناء الشعب والحرص على راحتهم فتكون الأجابة كلها تنم عن أشخاص بذلوا أنفسهم في خدمة الواجب والقيام بأعمالهم على أي وجه كان، فلن تجد مسئولاً أو موظفاً غير مرتاح من عمله في مثل هذه المناسبة كلهم أناس آمنوا بالواجب فعملوا على تأديته.
التلفزيون
قام تلفزيون الرياض ببث برامجه على فترتني عصرية.. ومسائية.. حيث تضمنت العديد من المسرحيات والتمثيليات الهادفة والبرامج القيمة التي استطاعت أن تشد المشاهد لمتابعتها والجلوس أمام الشاشة الصغيرة طيلة فترة البث.
والحقيقة إن هذه الجهود يشكر تلفزيون الرياض عليها ونطلبه المزيد من هذه البرامج بدلاً من بعض البرامج الرتيبة المملة التي تنفر المشاهد من التلفزيون، والحقيقة إن هذه الخطورة تنم عن اتجاه جديد في نوعية البرامج التي يبثها التلفزيون.
خلاصة
هكذا.. أيام الرياض في أعيادها الإسلامية.. أفراح.. ومزاهر تدق.. تسير مواكب الشباب فرحين مغتبطين من حي إلى حي.. يحدوها حاد البشائر بيوم يعود فيه العيد عليها.. وقد تحررت الديار.. من غاصب جثم على صدر قدسنا فهو يسومنا الهوان يوماً إثر يوم..
|