Thursday 16th February,200612159العددالخميس 17 ,محرم 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

أخلاقيات مهنة التعليم ودورها في الحفاظ على أمن ومكتسبات الوطن أخلاقيات مهنة التعليم ودورها في الحفاظ على أمن ومكتسبات الوطن
د.خالد بن عبدالله بن دهيش

إن المتابع لما يجري من أحداث داخل وخارج وطننا الغالي سيجد السمة الأساسية لهذه الأحداث هو صعوبة الإلمام بها، وصعوبة السيطرة على فهم أبعادها للتنوع الشديد الذي يميز العصر الحالي وجوانب الحياة فيه وبالأخص الجوانب القيمية لدى الأفراد. ومع ذلك يبقى الإنسان المدخل الآمن الذي يمكن من خلاله توجيه سلوك المجتمع ليكون الوضع لصالحه لا عليه، وليكون أفراد هذا المجتمع فاعلين في الأحداث الناتجة عن السلوكيات الخاطئة ولا تترك الأمور دون ضابط.
وهذا الأمر يوجهنا إلى التأكيد على تربية هذا الإنسان وإعداده، على اعتبار أن عملية التربية ضرورة اجتماعية وفردية، فلا الفرد يستطيع أن يستغني عنها ولا المجتمع. لأن الإنسان كلما ارتقى في سلم الحضارة زادت حاجته إليها، وبما أن التربية أصبحت حقاً من حقوق الإنسان، كما أكدت ذلك المواثيق الدولية كافة، لأنها عملية أساسية في تقدم الشعوب ونهضتها.
وكما هو معلوم فالمسؤول الأول عن عملية التربية هو المعلم، فهو محور العملية التعليمية ومحركها، لذلك أصبح الاهتمام بالمعلم وبمهنة التعليم وأخلاقياته يزداد يوماً بعد يوم، لتأكيد مخافة الله أولاً ثم لإعلاء الضمير المهني وأخلاقياتها لدى المعلم لكونهم الدرع الواقي والحصن المنيع - بإذن الله - للمجتمع ضد كل ثقافة وافدة غير مرغوبة أو أفكار ضالة.
وقبل أن نبين الموقف من مهنة التعليم وأخلاقياته، لا بد من تعريف المهنة والوقوف على مفهومها وخصائصها ومعاييرها، فالمهنة كلمة تشير إلى مجموعة من السمات الأساسية التي تتصف بها كل مهنة وتتطلب درجة عالية من المهارة القائمة على المعرفة المتخصصة مثل مهن الطب والمحاماة والتعليم وغيرها من المهن.
وترتبط قيمة المهنة بالتوجه المجتمعي السائد نحوها وأهدافه التي تجسد قيمة كل مهنة، ومنها بطبيعة الحال مهنة التعليم وأخلاقياتها وقيمها. بل إنه بحدود أخلاقيات مهنة التعليم يتبنى كل مجتمع قواعد ومعايير تعبر عن هذه الأخلاقيات وتوصيفها، ولهذا لا بد لأعضاء مهنة التعليم تحديداً من أخلاقيات محددة وواضحة تحكم سلوكهم وتنظم علاقاتهم فيما بينهم خاصة والمستفيدين من عملهم والمجتمع بعامة، وتسعى هذه الأخلاقيات للارتقاء بالمهنة على مستوى البحث والتطبيق انطلاقاً من الإيمان بأهداف المهنة وأدوارها التي تحقق طموحات المجتمع في التحديث والرقي.
وإذا كان لكافة المهن (أخلاقيات) تحكمها، فإن مهنة التعليم أولى أن يتوفر لها أخلاقيات معلنة وواضحة ومقننة تحكم سلوك المعلمين في علاقاتهم مع الطلاب والمجتمع، وتسعى إلى تطوير مهنتهم بما يحقق أهداف المجتمع وأهداف مهنتهم.
ولهذا فإن تعميق مهنة التعليم وتطويرها تستدعي استمرارية الحوار العلمي الجاد حول تكوين المعلم وإعداده إعداداً جيداً من النواحي الأكاديمية والمهنية والثقافية داخل مؤسسات الإعداد قبل الخدمة، وتدريبه وتنميته مهنياً أثناء الخدمة بحيث تعكس برامج الإعداد قبل الخدمة وفي أثنائها خبرات تربوية تضمن مستوى رفيعاً من الأداء، وأخلاقاً مهنيةً حاكمةً، وقدرات تمكن المعلم من تحقيق أهداف التعليم داخل حجرات الدراسة وخارجها. كما أن تعميق مهنة التعليم وتطويرها يستدعي كذلك تمكين المعلم من التفاعل الجاد والمبدع مع مختلف معطيات عصر تقنية المعلومات والاتصال وتطوير أدواره بما يؤدي إلى توظيف هذه المعطيات لتكوين مجتمع المعرفة الذي هو مجتمع هذا القرن وبما يساعد على ظهور الاقتصاد المبني على المعرفة (اقتصاد المعرفة).
ومن جانب آخر، وفي سياق الحديث عن المهنة وأخلاقيتها بالنسبة للمعلم تحديداً فمن الضروري تناول ضمير المعلم.. لماذا؟؟ لأن الأدبيات التربوية تؤكد أن المعلم قد يفرض رؤيته الخاصة ورأيه - مهما كان - فيما يُعَلِّمُ، فإن كنا أحسنا مثلاً إعداد المعلم وطورنا المقررات المدرسية فإن تناولها يكون برؤية صحيحة وبأسلوب تربوي مناسب بحيث لا يمكن أن يتطرق في تدريسه لمواضيع أخرى خارج المادة المقررة بل يكون أداؤه متناسباً مع طبيعة مهنة المعلم وأخلاقياتها.
ولقد قامت وزارة التربية والتعليم في سبيل التنمية المهنية للمعلمين في التحول من أسلوب التفتيش الذي يغلب عليه الرقابة على المعلمين إلى التوجيه التربوي ثم أصبح أخيراً يسمى الإشراف التربوي، كل ذلك من أجل دعم أخلاقيات مهنة التعليم حفاظاً على مصالح الوطن وتربية الأبناء، الذين هم أغلى من كل نفيس، وأهم من كل مهم.
وذلك لأن الارتقاء بمهنة التعليم من أهم القضايا التي يتفاعل معها نظام التعليم السعودي، فوزارة التربية والتعليم تسعى دائماً لاستكمال كافة الشروط التي تجعل من التعليم مهنة متميزة كغيرها من المهن المرموقة مثل الطب، والهندسة وغيرها، الأمر الذي يشعر المعلمين بأنهم أرباب مهنة ذات استقلالية وذات مكانة في المجتمع.
كما تدرس الوزارة إنشاء نظام تراخيص لممارسة مهنة التعليم حيث يطلب من المعلمين بعد كل فترة تجديد تراخيصهم مما يضطرهم إلى المحافظة على المستوى المهني المفترض.
وفي هذا الصدد فالمعالجة للموقف يجب ألا تكون أحادية ونلقي بالعبء على المعلم دون غيره، فأخلاقيات مهنة التعليم عندما تتأثر بعادات وتقاليد وأخلاقيات المجتمع وأعرافه وأفكاره إنما تتأثر بذلك كله في إطار أعم وأشمل وهو الإطار الاجتماعي. ولهذا فهناك علاقة حوار بين مهنة التعليم وأخلاقياتها وبين المجتمع بأوضاعه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ونظرته للمعلم.
ومن ثم فمن السبل التي ترى أنها تساعد في تعزيز مهنة التعليم وزيادة فاعلية المعلمين وتحسين أدائهم مع العمل على معالجة الازدواجية في السلوك، فالمعلم المتميز هو المعلم الذي يتقي الله ويراقبه في كل الأحوال، فالأخلاق عندنا ليست ما تعارف عليه الناس أو نقلوه من ثقافات أخرى، أووجدوه بالتجربة أنه يحقق غاية مادية ولكن الذي يحدد ماهو أخلاقي أوغير أخلاقي في مجتمعنا إنما هو القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم اللذان هما دستور هذه البلاد.
كما أنه من الضروري توفر رؤية تربوية واضحة عند المعلمين، لأن غياب هذه الرؤية يؤدي إلى خلط موازين القيم في المجال العملي والتطبيقي، مما يفرغ العمل التربوي من مضمونه، وأن بلادنا المباركة لها رؤيتها التربوية الواضحة ذات البعد الأخلاقي المتمثلة في وثيقة سياسة التعليم الصادرة عام 1389هـ (1970م).
وأرى أنه من المناسب إيجاد ميثاق لأخلاقيات مهنة التعليم لكي يلتف حوله العاملون في حقل التربية والتعليم ويكون نابعاً من خصوصية الواقع الثقافي للمجتمع السعودي، وطبيعة المرحلة الحضارية التي يمر بها ومواكباً للمتغيرات العربية والعالمية المعاصرة، ما يجب التأكيد على وضع الضوابط التي يحاسب العاملون بموجبها في هذا الحقل حتى لا يخالف المعلمون آداب مهنتهم، وحتى يكون ذلك ميثاقاً فعالاً يجب أن يتفق عليه جميع الممارسين لمهنة التعليم ويكون له أساس أخلاقي متين بحيث لا يستطيع أي ممارس للمهنة انتهاكها، كما ينبغي أن يخضع بصفة مستمرة للمراجعة والتعديل على ضوء سياسة التعليم وظروف المجتمع السعودي والتحولات التي يمر بها.
ومن عوامل تعزيز مهنة التعليم في نظام التعليم السعودي أيضاً السعي إلى أن يصبح تدريب المعلمين والمعلمات خلال السنوات القادمة عملية مستمرة وإلزامية لإثراء معلوماتهم في مجال تخصصاتهم الأكاديمية، وعلى ضوء أساليب التربية والتعليم مما يكسبهم مهارات استخدام أساليب التقنية الحديثة مثل الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت وغيرها من الوسائل التعليمية، وتدريب المعلمين والمعلمات في الماضي كان بهدف تدريبهم في ضوء الوضع القائم بينما أصبح التدريب حالياً لإعادة تأهيلهم لمواجهة المستجدات التربوية وسبل إصلاح نظم التعليم من منظور مستقبلي، كما يجب على المسؤولين مساعدة جميع العاملين في مهنة التعليم على الالتحاق ببرامج تدريبية أثناء الخدمة وجعلها شرطاً أساسياً لاستمرارهم في العمل وترقيتهم، وبالاستفادة من التقنيات الحديثة في تطبيق التدريب الإلكتروني E-Training، وهو ما تتجه إليه الوزارة حالياً ومستقبلاً.
ولضمان فاعلية تحقيق تعزيز مهنة التعليم، فإنه لا بد من إتاحة الفرصة للمعلمين والمعلمات للتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم بممارسة الحوار والتشاور من خلال المؤتمرات والندوات واللقاءات ومجالس الحوار على كافة المستويات، ولا بد أيضاً من الارتكاز على مفاهيم العدالة والمكاشفة في العمل وبحيث يحصل كل فرد على حقه وبالتالي تسمو الأخلاق ويترفع الإنسان عن الصغائر، ومثال ذلك ما تم في عملية نقل المعلمين والمعلمات، حيث أصبحت تتم آلياً بقواعد ومعايير واضحة بعد صدور التوجيه السامي الكريم رقم ح - 331-م بتاريخ 14 - 4 - 1423 هـ الذي يؤكد على تحقيق العدل والمساواة بين الجميع في عملية النقل للمعلمين والمعلمات وعلى ضوء معايير علمية محددة.
وأخيراً فلا غنى عن إعداد نظام محاسبي واضح يشمل الحقوق والواجبات خاصة عند خروج المعلم أو المعلمة عن المنهج من الأمور التي تخرجه عن وظيفته الأساسية.
كل هذا من أجل أن نحافظ على مهنة التعليم وأن ندفع المعلم لا ليكون حجر الزاوية - كما يقال - فقط، بل حتى يكون محركاً أيضاً للعملية التربوية بشموليتها، ومن أجل السمو برسالته وتطويرها بما يعود على المتلقين في مدارسنا وجامعاتنا بتربيتهم حتى يكونوا مواطنين صالحين وبتنمية إحساسهم بمشكلات المجتمع الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وإعدادهم للإسهام في حلها.
والله نسأل أن يحفظ بلادنا بما يعود عليها بالنهضة والتقدم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved