Friday 17th February,200612195العددالجمعة 18 ,محرم 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

فقط.. أنصفوا كليات المعلمين فقط.. أنصفوا كليات المعلمين
د. خليفة بن عبدالرحمن المسعود/ عميد كلية المعلمين بالرس

أكثر من ثمانين عاماً هي مسيرة إعداد المعلم في المملكة العربية السعودية خلال ثلاثين عاماً منها ظلت كليات المعلمين هي الرافد السخي لقطاع التعليم بالمعلمين المؤهلين المتخصصين عبر مناطق المملكة الجغرافية المترامية الأطراف، وكان لها الفضل في التحول الذي شهده المجتمع السعودي من الجهل إلى العلم ومن الأمية إلى محوها، بل إن الجيل الحالي بكل أطيافه ومستوياته التعليمية يدين لهذه الكليات بالفضل فيما حصل عليه من تأهيل وتعليم لا سيما في مرحلة التنشئة وهي المرحلة الابتدائية وذلك من خلال معلمي تلك المرحلة.
لقد حملت كليات المعلمين ولبناتها الأولى من معاهد المعلمين وغيرها على عاتقها سعودة التعليم وتحقيق اكتفاء كبير بالكوادر المحلية مما أتاح للحركة التعليمية السعودية الانطلاقة المباركة عبر مديرية المعارف مروراً بوزارة المعارف وحتى عصر وزارة التربية والتعليم حالياً؛ فانعكس تأثير الكليات على شرائح المجتمع السعودي التي نالت حظها من مخرجات تلك الكليات من المعلمين السعوديين الذين تسلموا راية التعليم من الإخوة الأشقاء الذين استعانت بهم البلاد للتدريس في المراحل الأولى من الحركة التعليمية.
من خلال هذا المدخل ندرك أن الانتقاص من دور كليات المعلمين ولبناتها الأولى هو انتقاص من تعليم المجتمع بأسره. ومما يثير الاستغراب والأسف في آن واحد تلك الهجمة القاسية التي تعرضت لها كليات المعلمين في الآونة الأخيرة لمجرد أن بعض خريجيها لم يتم تعيينهم، فانبرى البعض للمطالبة بإغلاقها أو دمجها مع الكليات الجامعية الأخرى بحجة ضعف مستواها العلمي أو عدم الحاجة لها، ومن المؤسف أن من تولى زعامة ذلك الطرح بعض كبار الكتاب السعوديين ممن تلقوا علومهم الأولى على يد خريجي كليات المعلمين، والملاحظ أن طرحهم صاحبه شيء من عدم الإقرار بفضل تلك المؤسسات التي نهلوا من مخرجاتها.
ثمة سؤال يتبادر إلى الذهن وهو: لماذا لم يتبين ضعف مستوى تلك المؤسسات الرائدة أو عدم الحاجة لها إلا بعد ما يزيد على ثمانين عاماً من مسيرتها؟ ولم لم تتضح عيوب كليات المعلمين على مدى الثلاثين عاماً المنصرمة من عمرها؟، وإذا كانت العلة في ذلك الهجوم هي عدم تعيين بعض الخريجين فماذا عسانا أن نقول عن خريجي الأقسام المختلفة في الجامعات السعودية والذين مضى على بعضهم أكثر من عشر سنوات دون أن يتم تعيينهم بسبب عدم الحاجة لتخصصاتهم؟ مع العلم بأن آخر تعيين بعض خريجي كليات المعلمين للعام المنصرم ليس عدم الحاجة لهم بل أن الحاجة قائمة وملحة لكن السبب عدم وجود وظائف شاغرة وهنا الفرق واضح بين الحالتين.
إن تاريخ التعليم في بلاد العالم يشهد أن الحاجة للمعلم المؤهل لم ولن تتوقف يوماً من الأيام، وطالما وجد التوسع في التعليم وجدت الحاجة للمعلم، وهذا ما يجعلنا نؤكد أن الحاجة لكليات المعلمين مستمرة بل هي في تزايد، مع ضرورة تطوير مناهجها ومن ثم مخرجاتها لتتواكب مع روح العصر التعليمي وهذا ما تقوم به كليات المعلمين التي فرغت للتو من تطوير مفردات مقرراتها العلمية لهذا الهدف، وأقرت عبر وكالتها تطويراً في هيكلتها بما يتماشى مع النظم الإدارية الجامعية في العالم من حيث إيجاد وتطوير عماداتها مثل عمادة شؤون الطلاب وعمادة القبول والتسجيل وعمادة أعضاء هيئة التدريس وعمادة البحث العلمي وتطوير مجالسها مثل المجلس العلمي ومجلس الكليات إلخ.. إدراكاً منها أن الكمال صفة لا تنطبق على عمل بشري وأن التطور لا يقف عند حد، أما ما يعتقده البعض من ضعف في التخصصات العلمية لكليات المعلمين فإن ذلك لبس مرده كون تلك الكليات وضعت أصلاً لتخريج معلم المرحلة الابتدائية بعد أن ينال القسط الكافي من المواد التربوية بجانب مواد التخصص بالقدر الذي يحتاجه في مجال عمله فحسب، وحينما سعت كليات المعلمين لتخريج معلمي ما فوق الابتدائية فإنها نحت عبر (المسارات) إلى زيادة جرعات التخصص استجابة لحاجة تلك المرحلة الدراسية مما يعني أن الجرعات التدريسية في هذه الكليات قد وازنت بين الإعداد التربوي الذي هو قوام العملية التعليمية وبين التخصص بالقدر الذي يحتاجه المعلم لأداء رسالته.
إن ما طرحه كثير من الكتاب المنصفين من ضرورة إيجاد جامعة تهدف لتخريج المعلمين المؤهلين تحت مسمى (جامعة العلوم التربوية) هو عين الصواب إذ إن وجود مثل تلك الجامعة وضع للأمور في نصابها من حيث شمولية مخرجات الكليات المتخصصة لجميع مراحل التعليم، كما أن ذلك سيوجد مجالا رحبا للانتقاء من خريجي الجامعات المختلفة بما فيها جامعة العلوم التربوية، فالسوق عرض وطلب والبضاعة الجيدة هي التي تسوق نفسها دون تجميل، لا سيما أن إيجاد مثل هذه الجامعات المتخصصة قد أثبت نجاحه عبر تجارب الدول المتقدمة ومنها على سبيل المثال اليابان والصين وروسيا وكوريا.
أما ما ينادي به البعض من إغلاق التخصصات التي لا يحتاجها سوق العمل فإن في ذلك إغفال للعلم ذاته ومنع من نشره ودعوة لنسيانه، وتبعاً لهذا النهج سيأتي وقت لا يفتح فيه إلا الأقسام المهنية والحرفية وستلغى الأقسام العلمية بحجة عدم حاجة سوق العمل، وإذا علمنا حالياً بوجود بعض خريجي الهندسة مثلاً دون وظائف فهل تغلق أقسام الهندسة وتوقف الدراسة بها؟
وبنظرة للدول المتقدمة سنجد وفرة في الخريجين في كل تخصص ولم يكن ذلك سبباً في إغلاق تخصصات علمية ناهيك عن إلغاء منظومة كليات بأسرها.
إن المطلوب هو إنصاف كليات المعلمين وعدم التنكر لها إذ هي شاهد تاريخي كبير على النهضة التعليمية في بلادنا ولم يكن ذلك ليتحقق لولا فضل الله ثم جهود القائمين على تلك الكليات عبر مراحل الزمنية المتعاقبة، فمتى أغفلنا تأهيل المعلم أغفلنا التعليم، وأمة بلا تعليم أمة بلا هوية، ومن هنا فإن الشعار الذي يجب التمسك به هو أن كليات المعلمين وجدت لتبقى وتبقى لتتطور وليتطور معها التعليم ومخرجاته بما ينعكس إيجابا على البلاد والعباد.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved