Friday 17th February,200612195العددالجمعة 18 ,محرم 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

مع إطلالة النصف الثاني للعام الدراسي مع إطلالة النصف الثاني للعام الدراسي
محمد بن عبد العزيز اللحيدان / إمام وخطيب جامع مدينة الحجاج بالروضة ومشرف تربوي

يطيب لنا - معاشر القراء - مع إطلالة النصف الثاني للعام الدراسي (1426- 1427هـ) أن نقف وقفات تربوية بشأن هذه المناسبة. وهذه الوقفات لا تعدو كونها وصايا تربوية أردنا أن نوصي بها شباب هذا الجيل من الطلاب والطالبات. وهذه الوصايا نتناولها من خلال وقفات على النحو الآتي:
الوقفة الأولى: أوصي أبنائي بالاعتماد على الله؛ فهو وحده يملك التوفيق والسداد والإعانة والرشاد. وليتذكر كل واحد منا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل إذا شئت الحزن سهلاً). ومع ذلك فليبذل كل واحد من أبنائنا الجهد المطلوب كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (اعقلها وتوكل)(1). فلا بدَّ من المذاكرة الجادة والاجتهاد؛ فإن لكل مجتهد نصيباً، ومن جد وجد، ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل.
وأحذر أبناءنا وبناتنا، وهم على بوابة الاختبارات، من الغش وسرقة المعلومات من إخوانهم وزملائهم. وليذكر كل واحد منهم حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: (مَن غشَّنا فليس منَّا)(2). والغش يخرج أجيالاً غير أكفاء وأمناء، ولا يقدرون على تحمل المسؤولية وإدارة الحياة والوظيفة، مع ما في الغش من الحرمة والإثم والوعيد الذي توعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالواجب - يا عباد الله - أن نحلي ونربي أولادنا بالصدق؛ فالصدق منجاة والكذب والخيانة مهلكة، والصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكذي يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار.
الوقفة الثانية: لنعلم جميعاً - أيها القارئ الكريم - أن الله أمرنا بتعلم العلم النافع والمفيد في الدنيا والآخرة بقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاستغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (محمد: 19)، وقوله: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114). وذكر سبحانه وتعالى أن أهل الخشية من عباده هم العلماء فقال: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر: 28).
الوقفة الثالثة: ينبغي أن يكون الباعث على طلب العلم والتحصيل هو وجه الله والدار الآخرة، وهذا هو الذي ينفع صاحبه وينجيه يوم الفزع الأكبر. أقول ذلك لأننا في زمن اختلطت فيه النيات، وتداخلت المقاصد، وصار الطلب والدراسة عند كثير منا من أجل الدرهم والدينار، وابتغاء حطام الدنيا الفانية الزائلة، وأصبح عصرنا هو عصر المادة والانتحار من أجلها.
الوقفة الرابعة: ينبغي أن تُربَّى الأجيال الحاضرة والقادمة على احترام المعلم وتقديره، وأن تُوظَّف مختلف وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفاز وغيرها فيما يخدم هذه القضية؛ أعني القضية التربوية التعليمية، لا أن تتبارى الصحافة بشتى مجالاتها في التشهير بالأخطاء التي قد لا يسلم منها معلِّم، وقد يكون قصده شريفاً ونبيلاً.
ولقد احترم الجيل الأول أهل العلم كما في صحيح مسلم عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي - وكان عامل عمر على مكة - أنه لقيه بعسفان فقال له: من استخلفت؟ فقال: ابن أبزي مولى لنا. فقال عمر: استخلفت مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض. فقال عمر: أما إن نبيكم قد قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)(3). قال: وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ استخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (يوسف: 76)، قال: بالعلم.
الوقفة الخامسة: أن يكون الوالد ورب الأسرة قدوة حسنة لأولاده في احترام العلم والعلماء والدعاة وتقديرهم وتقدير آرائهم، وحرمة أعراضهم، وعدم التعرض لهم بجرح أو تعديل.
الوقفة السادسة: متابعة الأولاد في مدارسهم باستمرار وجدية؛ حتى يتأكد الأب من صلاح ولده واستقامته؛ لئلا يفاجأ في يوم من الأيام بأن ولده على خلاف ما كان يتوقعه ويؤمله، ولأجل أن يدرك الولد أن والده وراءه يسأل عنه ويتابعه ويلاحظه.
الوقفة السابعة: عدم الدفاع عن الولد بحضرته، وخصوصاً في المدرسة؛ فقد يحدث أن يقوم أحد المدرسين أو المسؤولين في المدرسة بتأنيب طالب من الطلاب أو عقابه، ثم يأتي والده وقد غضب غضبة مضرية، وبدلاً من الحوار الهادئ مع صاحب الشأن، وبدلاً من أن يكون ذلك بعيداً عن ناظري الولد تجد ذلك الوالد يطلق العبارات النابية على الأستاذ أو المسؤول، ويصب جام غضبه، وينزله في الحضيض بحضور ولده، ومن هنا تقل قيمة المدرسة في نفس الولد، ويشعر بالزهو والتيه والإعجاب بالنفس، فلا يكاد بعد ذلك يصيخ السمع للمعلمين والمربِّين.
الوقفة الثامنة: ربط الطلاب بالسلف الصالح اقتداءً واهتداءً؛ حتى يسيروا على خطاهم ويترسموا منهجهم، ولكي يجدوا فيهم القدوة الصالحة التي يجدر بهم أن يقتدوا بها، فإن كان لدى الولد ميول إلى العلم وجد من يقتدي به، وإن كان شجاعاً مقداماً وجد من يترسم خطاه، وإن كان كسولاً وجد في سيرة السلف ما يبعث فيه الروح وعلو الهمة، وهكذا.
فسير السلف الصالح حافلة بكل خير، فما أروع أن يرتبط المسلم بهم، وأن يحذوا حذوهم، بدلاً من الاقتداء بالهابطين والهازلين من اللاعبين والمطربين والمنحرفين وغيرهم.الوقفة التاسعة: عدم التسامح مع الأولاد والبنات في موضوع العلاقات مع الآخرين من طلاب وطالبات، وأن يكون تطورها وتوسعها مبنياً على الثقة والرقابة الدائمة والدقيقة، وكم من طالب كانت نهايته سيئة وبائسة بسبب الثقة الزائدة في زملائه ومَن يتصلون به من قِبل والديه وأسرته.
الوقفة العاشرة: اختيار من استقامت أخلاقه وطابت سريرته من الزملاء والخلان، قال تعالى: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف: 67).
فجالس أيها الطالب من ينفعك في سلوكك وأخلاقك ودراستك، واعلم أن كل صداقة وخلة لغير الله لن تدوم، وأنها تنقلب يوم القيامة عداوة، وتذكَّر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة)(4).
وقال الشاعر:


عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي

وقال آخر:


واختر قرينك واصطفيه تفاخراً
إن القرين إلى المقارن يُنسب

واحذر مسالك الهالكين، وابتعد عن متابعة المنحرفين والمخدوعين، وتأسَّ بالصالحين.
الوقفة الحادية عشرة: ضبط الأولاد والبنات وعدم إهمالهم حال التعليم والدوام المدرسي، ومحاسبتهم عن كل صغيرة وكبيرة في حياتهم ودراستهم، ومشاركة المدرسة في المراقبة والمتابعة الدقيقة لحضورهم وانصرافهم، ففي ذلك والله سعادتهم وهدايتهم وحماية لمستقبلهم الدراسي والوظيفي والسلوكي.
الوقفة الثانية عشرة: معرفة ثقافة الولد، ولا سيما في المرحلة المتوسطة والثانوية، وملاحظة الكتب والمجلات التي يشتريها، بل والتي يستعيرها، وتوجيهه إلى الأفضل والأحسن.
وعلى الولد ألا يتضايق من هذا المسلك والأسلوب التربويي؛ لأن فيه النفع له في حياته، ويكون حصناً منيعاً وسداً أمام تأثر الولد بالأفكار الهدامة والمنحرفة.
الوقفة الثالثة عشرة: أن يتولَّى المعلمون وطلاب العلم تعريف أبنائنا وشبابنا بدينهم وإسلامهم، وماذا يجب عليهم تجاه هذا الدين من نصرة وعزة ودعوة إليه، وأن يحملوا هم هذا الدين إلى بيوتهم أولاً ومجتمعهم ثانياً والأمة ثالثاً، وأن يعرفوهم بالله تبارك وتعالى وألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأن يعرفوهم ثانياً بحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وضرورة الاهتداء بهديه والاقتداء بسنته؛ ففي ذلك الهدى والسعادة في الدارين.
****
1) أخرجه الترمذي في سننه من حديث أنس، كتاب: صفة القيامة، برقم: 2441.
2) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الإيمان.
3) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: صلاة المسافرين.
4) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: البيوع. وأخرجه مسلم، كتاب: البر والصلة والآداب.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved